توثيق أكثر من 300 حالة اغتصاب بينها 48 طفلة منذ اندلاع الحرب

الخرطوم ـ «القدس العربي»: حذر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة في السودان «أوتشا» من تصاعد العنف الجنسي واستهداف النساء في الحرب السودانية، مشيرا إلى تلقيه تقارير مثيرة للقلق عن تعرض الفتيات الصغيرات والمراهقات لاعتداءات جنسية، خلال موجة العنف المتصاعدة شرق ولاية الجزيرة.

أنباء عن حالات انتحار

وكانت تقارير محلية قد تحدثت عن شروع عشرات النساء في شرق ولاية الجزيرة وسط السودان في الانتحار خشية تعرضهن للاغتصاب، بالتزامن مع هجمات واسعة نفذتها قوات «الدعم» على المنطقة.
وحسب مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل في السودان سليمى إسحق، وثقت الوحدة 306 حالة اغتصاب بينها 48 طفلة منذ اندلاع الحرب منتصف أبريل/ نيسان من العام الماضي، مرجحة في تصريح لـ «القدس العربي» أن تكون الأعداد أكثر من ذلك بكثير.
وأشارت إلى أن عمليات الرصد المذكورة لا تشمل الهجمات التي نفذتها قوات الدعم مؤخرا على قرى ومدن شرق الجزيرة، مشيرة إلى التحديات التي تواجه فرق العمل في توثيق الانتهاكات الجنسية بسبب انهيار النظام الصحي وانقطاع وضعف الاتصالات.
ولفتت إلى الصعوبات المتعلقة بالتحديات الأمنية وضعف الاتصالات بينما أصبحت الآليات المجتمعية غير قادرة على الربط بين الضحايا والوحدة، مشيرة إلى أن ضحايا العنف الجنسي لا يتلقون الرعاية والإسعافات المطلوبة بسبب انعدام الأمن وعدم الإبلاغ والوصول، فضلا عن عدم تناسب قدرات المؤسسات الصحية مع الضغط العالي والحاجة المرتفعة لتلقي الرعاية وإغلاق عدد من المستشفيات والمؤسسات الصحية في مناطق العمليات العسكرية.
وأضافت: «عادة تصلنا المعلومات عبر الجهات الصحية التي تبين عمر وحالة الناجية ووضعها الصحي، فضلا عن الخدمات التي تلقتها وإفادتها حول الجهة التي قامت بالانتهاك».
ولفتت إلى أنه «في غياب الخدمات الصحية تنهار عمليات الرصد والتوثيق بشكل كامل».
وقالت إن الوحدة تمكنت من رصد 26 حالة اغتصاب عند اجتياح الدعم السريع ولاية الجزيرة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ولم تتمكن من الوصول لبقية الضحايا في الولاية التي شهدت موجات متتالية من العنف واسع النطاق.
والأحد الماضي، أعلنت نقابة الأطباء السودانيين تسجيل 47 حالة اغتصاب خلال الهجمات التي نفذتها قوات «الدعم» مؤخرا على ولاية الجزيرة.
وأدانت حملة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، التي قالت إن قوات الدعم ارتكبتها بحق المدنيين العُزل في قرى ومدن ولاية الجزيرة.
وأشارت إلى رصدها حالات اغتصاب مروعة طالت نساء بعد أن سُفكت دماء الرجال بدم بارد.
وقالت إن «هذه الجرائم الدنيئة ليست فقط اعتداءً سافراً على كرامة وأمان هؤلاء الأبرياء، بل هي طعنة قاتلة للإنسانية وخطوة إلى الوراء في مسيرة حماية حقوق الإنسان».
وناشدت المجتمع الدولي بكل مؤسساته للتحرك فوراً، وفتح تحقيق عاجل ومستقل لكشف تفاصيل هذه الجرائم وتقديم مرتكبيها إلى العدالة، مشددة على أنه «لا يمكن السكوت على هذه الأفعال الوحشية التي تترك آثاراً مدمرة على الضحايا وعائلاتهم».
ومنذ 20 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تنفذ قوات «الدعم» هجمات واسعة على المحليات شرق ولاية الجزيرة، بعد استسلام قائد ميداني تابع لها في المنطقة للجيش، مما أسفر عن سقوط مئات القتلى وتهجير قرى بأكملها.

مبادرة «لا لقهر النساء»: أجسادنا ليست أرضاً لمعركتكم

وقالت لجان المقاومة أن قوات «الدعم» اقتحمت المنازل شرق الجزيرة، بالتزامن مع المعارك العنيفة التي تشهدها المنطقة ونفذت حملات انتقامية شرسة تُعد الأقوى من نوعها في المنطقة، مشيرة إلى رصد انتهاكات جنسية واغتصابات استهدفت النساء فضلا عن عمليات النهب الواسعة.
في أبريل/ نيسان الماضي تعرضت الفتاة العشرينية (ك. ل) للاغتصاب الجماعي بعد اختطافها من منزل أسرتها في مدينة الحصاحيصا الواقعة في ولاية الجزيرة وسط السودان.
وحسب سرد قدمته لجان المقاومة، قامت قوة مدججة بالسلاح تابعة لقوات الدعم باختطاف الفتاة من منزلها في أحد أحياء المدينة الواقعة غرب ولاية الجزيرة.
وتعرضت الفتاة للاغتصاب الجماعي والتعذيب طوال خمسة أيام، قبل أن تتم إعادتها في حالة نفسية سيئة، فيما عدته لجان المقاومة استمرارا لسلسلة الانتهاكات الوحشية والعنف الجنسي الموجه ضد النساء.

غياب المساءلة

واتهمت لجان المقاومة في مدينة الحصاحيصا وسط السودان، قوات الدعم باختطاف النساء وارتكاب انتهاكات جنسية واسعة في المدينة.
وعزت ارتفاع وتيرة الاعتداءات الجنسية إلى غياب المساءلة من قيادة القوات الموجودة في المدينة وخروج الجنود عن السيطرة، الأمر الذي ينذر بالمزيد من الانتهاكات.
كذلك نقل مؤتمر الجزيرة الحقوقي، عن شاهد عيان، تأكيده اغتصاب أفراد من الدعم لفتاة من الهلالية في ولاية الجزيرة، بشكل جماعي.
وقال إنه «شاهد مجموعة من أفراد الميليشيا يتناوبون على اغتصاب إحدى الفتيات في الهلالية، وهي في حالة من الذعر والخوف».
وكانت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان قد نددت بالاعتداءات الممنهجة ضد الفتيات والنساء السودانيات، محذرة من أن الحروب لا تخاض على أجساد النساء.
وطالبت بضغط دولي واسع لإيقاف تلك الجرائم التي وصفتها بـ «المتوحشة وغير الإنسانية».
وأكدت أن جريمة الاغتصاب جريمة كبيرة ومعقدة، لا ينتهي تأثيرها على الضحية، وأنه بخلاف الأذى الجسدي يستمر الأذى النفسي لفترات طويلة وقد يستمر مدى الحياة وقد يؤدي إلى الانتحار إن لم تتلق الضحية السند المناسب، ويمتد الأذى ليشمل الأسرة التي تعاني كثيراً جراء ذلك والمجتمع الذي يفقد الأمن والأمان.
واتهمت «الدعم» باستخدام الاغتصاب كسلاح في حروبها، مشيرة إلى أن ذلك حدث خلال حرب دارفور وفض اعتصام المدنيين أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة في 3 يونيو/ حزيران 2019 وأن تلك القوات عادت واستخدمته خلال الحرب الدائرة في الخرطوم ومناطق أخرى في السودان.
وقالت مبادرة «لا لقهر النساء» السودانية في خطاب وجهته للأطراف العسكرية، «أجسادنا ليست أرضاً لمعركتكم من أجل السلطة، ما تقوم به قواتكم من اغتصاب وقتل وترهيب وسرقة خلال حربكم التي نشأت مما صنعتموه بأيديكم (قوات الدعم السريع) هو مواصلة لما تم من اغتصاب وحرق وقتل للسودانيين خلال الحروب في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق».
فيما ذكرت منظمة «العفو الدولية» في تقرير نشرته، في أغسطس/ آب من العام الماضي، حمل عنوان «جاء الموت إلى بيتنا» إلى أن العنف أدى إلى مقتل وإصابة آلاف الأشخاص منذ اندلاع النزاع بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية، بما في ذلك تعرض نساء وفتيات لا تتجاوز أعمارهن 12 عامًا للعنف الجنسي، مشيراً إلى أن المدنيين في جميع أنحاء السودان يعيشون رعباً لا يمكن تصوره.
وخلال مخاطبته الدورة الثالثة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان، قال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك: لقد روعتني مزاعم العنف الجنسي، بما في ذلك الاغتصاب». وأضاف: تلقى مكتبي تقارير موثوقة، تشير إلى أنه في جميع الحالات تقريباً، تم تحديد الجاني من قبل قوات الدعم السريع». وتابع: « هناك القليل من فرص الحصول على الدعم الطبي والنفسي، والعديد من الحالات لا يتم الإبلاغ عنها».
وفي تقرير نشرته بعثة تقصي الحقائق في السودان التابعة للأمم المتحدة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حملت قوات الدعم السريع مسؤولية ارتكاب انتهاكات جنسية بدرجة مهولة، بما في ذلك الاغتصاب الجماعي والخطف والاحتجاز ضمن ظروف ترقى الى «الاستعباد الجنسي».

Share this post