احتدام المعارك وبلينكن يهاتف البرهان للتشديد على مشاركة الجيش في مباحثات سويسرا

الخرطوم – «القدس العربي»: احتدم القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في عدة جبهات بالبلاد، أمس الخميس، مخلفاً عدداً من القتلى والجرحى وسط المدنيين، في حين هاتف وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبدالفتاح البرهان في إطار التشديد على المشاركة بمباحثات السلام في جنيف والتي أعلن الحكومة مقاطعتها بعد أن دفعت بعدة اشتراطات.
وفي خطوة جديدة، أعلن مجلس السيادة السوداني فتح معبر أدري الحدودي مع دولة تشاد لمدة ثلاثة أشهر حسب الضوابط المتعارف والمتفق عليها وذلك لضمان وصول المساعدات الإنسانية للمواطنين المتضررين.
وميدانياً، أفادت مصادر عسكرية لـ”القدس العربي”، بأن الطيران الحربي التابع للجيش نفذ هجمات مكثفة على تجمعات للدعم السريع في قرى “بيكا، مهلة، والطلحة” بولاية الجزيرة كانت تخطط لمهاجمة الدفاعات المتقدمة للجيش غرباً في منطقة المدينة.  وكذلك أشارت المصادر إلى قصف الطيران أهدافاً تتبع قوات حميدتي منطقة جبل موية في ولاية سنار وفي قرية “الهشابة حاج علي” في ولاية النيل الأبيض وقرية “أم بصل” غرب ولاية الجزيرة.
الطيران الحربي أغار أيضاً، حسب شهود عيان، على مواقع وتمركزات للدعم السريع في الأطراف الشرقية لمدينة الفاشر عاصمة إقليم دارفور غربي البلاد. بينما قال سكان محليون في مدينة أمدرمان غرب العاصمة الخرطوم، إن الدعم السريع جدد قصفه على الأحياء السكنية أمس الخميس مما أدى إلى سقوط قتلى وسط المدنيين.
وأكد السكان عن مقتل عائلة كاملة في حي الثورة ـ الحارة 75 ـ جراء سقوط قذيفة أطلقتها الدعم السريع على منزلهم وأدت على الفور لمقتل امرأة واثنين من أشقائها.
سياساً، لا تزال الضغوط من أطراف دولية تتواصل في سبيل دفع وإلحاق الحكومة السودانية للمشاركة في محادثات جنيف الهادف إلى وقف إطلاق النار في البلاد، إذ أعلنت الخارجية الأمريكية أن وزيرها أنتوني بلينكن أجرى محادثة مع رئيس مجلس السيادة وقيادة الجيش عبدالفتاح البرهان، أمس الخميس، مشدداً على ضرورة مشاركة الجيش في مباحثات السلام الجاري في سويسرا.
وأكد أن مشاركة الجيش ستحقق التنفيذ الكامل لإعلان جدة للالتزام بحماية المدنيين في السودان، مشيراً إلى أن المجتمع الدولي اجتمع لدعم هذه المفاوضات التي تستضيفها سويسرا والمملكة العربية السعودية للتوصل إلى الامتثال لإعلان جدة ووقف الأعمال العدائية ووصول المساعدات الإنسانية وإنشاء آلية مراقبة.
ولفت إلى أن هذه الأهداف تعكس الالتزامات الواردة في إعلان جدة وهدف المحادثات هو تحقيق التنفيذ الكامل له، مؤكداً على الحاجة للجيش والدعم السريع لإنهاء الحرب وضمان وصول المساعدات الإنسانية لملايين السودانيين الذين يعانون.
بالمقابل، قال بيان صادر عن مجلس السيادة في السودان إن البرهان تلقى اتصالاً من بلينكن، وأكد على الموقف السوداني الثابت المتمثل في التمسك بتنفيذ إعلان جدة حسب الرؤية التي تم تقديمها لأطراف منبر جدة.
وأشار البيان إلى أن البرهان أكد عدم الممانعة من الجلوس مع المسهلين لمنبر جدة للنقاش معهم حول كيفية التنفيذ مع تأكيد الرفض لتوسعة قائمة المسهلين.
وترفض حكومة السودان المشاركة في محادثات جنيف وتحتج بتنفيذ إعلان جدة الموقع بين الجيش وقوات الدعم السريع في مايو/ أيار العام الماضي، ووجود الإمارات العربية ضمن قائمة الدول المراقبة للمفاوضات وهي الدولة التي تتهمها الحكومة بتزويد الدعم السريع بالسلاح والمشاركة في قتل السودانيين.
وتتمسك الحكومة كذلك بمنبر جدة لحل الأزمة في السودان مشيرة إلى أن الجانب الأمريكي لم يقدم أي مسببات لنقل المنبر إلى جنيف، بالإضافة إلى اشتراطها الحضور بوفد يمثل الحكومة وليس الجيش كما ترغب واشنطن.
وفي تصريحات جديدة، قال وزير المالية السوداني ورئيس حركة العدل والمساواة، جبريل إبراهيم، إن الحكومة لن تقبل بوساطة مفروضة قهراً ولن تكون طرفاً في مباحثات هدفها تقنين “احتلال الميليشيات المجرمة للأعيان المدنية وحفظ مكان لها في المشهد السياسي والأمني في المستقبل”. وأضاف في تغريدة على منصة إكس: “طبع الشعب السوداني يرفض التهديد والوعيد وحكومته من ذات الطينة”.
وتستمر في جنيف، محادثات وقف الحرب في السودان ـ دون مشاركة وفد الحكومة السودانية ـ بين الفاعلين والدول المراقبة ووفد من الدعم السريع. وقال المبعوث الأمريكي، توم بيرييلو، إن المحادثات الدبلوماسية بشأن السودان في جنيف مستمرة لليوم الثاني، وأضاف في تغريدة على إكس: “نواصل عملنا الدؤوب مع الشركاء الدوليين لإنقاذ الأرواح وضمان تحقيق نتائج ملموسة على عملية تنفيذ إعلان جدة”.
وكانت قد أصدرت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا والمملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة والاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة بياناً مشتركاً الأربعاء، قالوا فيه إنهم يعملون بجد في سويسرا في جهود دبلوماسية مكثفة لدعم السودان ولتأمين وصول المساعدات ووقف الأعمال العدائية والامتثال وفقاً لمخرجات جدة السابقة والجهود الأخرى والقانون الإنساني الدولي. الكاتب والمحلل السياسي مجدي عبدالقيوم، قال لـ”القدس العربي” إن التساؤلات التي تقدم بها الوفد الحكومي في لقاء المشاورات مع الجانب الأمريكي في جدة مؤخراً منطقية ومشروعة، لا سيما التحفظ على مشاركة دولة الإمارات كمراقب في مباحثات جنيف بالنظر إلى أن السودان قدم شكوى رسمية ضدها في منبر دولي ـ مجلس الأمن ـ وبالتالي من الصعوبة هضم مشاركتها في لقاء يبحث إحلال السلام.
ورأى أن الحكومة، سواء أكانت حكومة أمر واقع كما يصفها البعض أو غيره، فهي تمثل السلطة في الدولة، بالتالي محاولة نزع الشرعية عنها لا تجد قبولاً لسببين أولهما أنه ليس هناك طرف داخلي مؤهل لطرح السؤال عن الشرعية، والسبب الثاني أن نزع الشرعية عن السلطة أمر خطير وهو أحد أهم أضلاع تفكيك الدولة في سيناريو الجيل الرابع من الحروب.
وتساءل عبدالقيوم قائلاً، إذا كان الوسيط الأمريكي فشل في إرغام الدعم السريع على تنفيذ مقررات جدة فما الضامن لتنفيذ ما يمكن الاتفاق عليه في جنيف؟ وأجاب: “في تقديري أن هناك سيناريو ما تعد له أمريكا في إطار سياستها المعروفة حول إدارة الأزمة لا حلها”.
ومضى بالقول، إن نقل المحادثات من جدة إلى جنيف، مع التأكيد يرتكز على ما تم التوصل إليه في جدة، يطرح سؤالاً منطقياً آخر، إذا كان الأمر كذلك فلم جنيف بدلاً من مواصلة منبر جدة؟ ويعتقد أن على أمريكا إذا أرادت أن تمضي المباحثات قدماً وتحقق نتائج إيجابية أن تغير من منهجها في التعاطي مع السودان، لافتاً إلى أن البرهان مهما مورست عليه من ضغوط فلن يستجيب لها لأن ما تطرحه الحكومة من تحفظات منطقي وموضوعي.
ويرى مراقبون أن غياب وفد الجيش عن محادثات السلام في ظل حضور وفد الدعم السريع سيضيف للطرف الأخير رصيداً سياسياً وقد يعول عليه في مسألة دخول وإيصال المساعدات الإنسانية في مناطق سيطرته بمعزل عن السلطة المركزية.
ويقول عبدالقيوم، إن وجود الدعم السريع منفرداً أو وحيداً لا يضيف لرصيده شيئاً “إلا في نظر المصابين بعمى الألوان” وذلك بالنظر للفظائع التي ارتكبتها هذه القوات. وأضاف: “كيف يمكن أن يكون مقبولاً حديث قوات حميدتي عن سعيها لضمان وصول الإغاثة لدرء آثار المجاعة التي يتعرض لها ملايين المواطنين وهو المتسبب في ذلك والعالم شاهد على التخريب الممنهج الذي قامت به مشروع الجزيرة لحد إتلاف التقاوي والبذور.
ويشار إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت قد صرحت بأنها يمكن أن توصل المساعدات الإنسانية للمحتاجين في السودان بطريقة الوضع في سوريا نفسها وبمعزل عن سلطة حكومة البرهان، وبل واقترح مشروعاً حول هذا الصدد بمجلس الأمن الدولي الأسابيع الماضية إلا أنه اصطدم برفض روسي، وفقاً لمتابعين فإن قرار مجلس السيادة الأخير بفتح معبر أدري الحدودي لمدة ثلاثة شهور يمكن أن يخفف الضغط على الحكومة في هذه القضية رغم مخاوفها السابقة باستغلال الدعم السريع لإيصال المساعدات لتمرير شحنات السلاح لمناطق سيطرتها هناك ومن ثم إلى المحاور المختلفة.
وحول هذه الموضوع، قال الكاتب والمحلل السياسي مجدي عبد القيوم: “إدارة بايدن لا تستطيع توصيل الإغاثة بدون موافقة الحكومة السودانية لأنها تحتاج إلى إيصالها للمتضررين في المناطق تحت سيطرة الجيش وقطعاً ذلك لن يكون ممكناً دون اتفاق مع الحكومة”. وأضاف: “فيما يتصل بإمكانية أن تفرض واشنطن عقوبات على الأفراد أو الهيئات الاعتبارية فهذا سلاح كثيراً ما استخدمته أمريكا وأثبت عدم جدواه وهو مجرد فزاعة لإسناد سياسة العصا والجزرة التي تمارسها”.

Share this post