بعد اللقاء الذي جمع العديد من القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني نهاية الأسبوع الماضي في أديس أبابا تحت إشراف أفريقي، تعتزم الولايات المتحدة تنظيم محادثات أخرى في 14 آب/أغسطس بين ممثلي الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، والجنرال حميدتي، قائد قوات الدعم السريع. لكن الحكومة السودانية أكدت بأنه لا يوجد أي مبرر لإنشاء منبر جديد للتفاوض.
تحت إشراف الاتحاد الأفريقي، نظمت الأسبوع الماضي في أديس أبابا بإثيوبيا سلسلة من الاجتماعات بين الفرقاء السودانيين ومختلف القوات السياسية والجمعيات المحلية.
الهدف هو وضع ترتيبات الحكم وخطة لما بعد الحرب تأخذ بعين الاعتبار كل مكونات الشعب السوداني وتراعي مطالب القوى السياسية لبناء مستقبل جديد وواعد بعد نهاية الحرب.
هذه الأخيرة اندلعت في أبريل/نيسان 2023 بين الجيش السوداني النظامي بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع التي يقودها الجنرال محمد حمدان دقلو المدعو “حميدتي”.
واستغرقت هذه الاجتماعات ثلاثة أيام على الأقل. شارك فيها التحالف للقوى الديمقراطية تحت تسمية “تقدم” وقوى سياسية وحزبية أخرى، على غرار “حركة تحرير السودان” في دارفور بقيادة عبد الواحد نور. بالمقابل، لم يحضر ممثلو الجيش السوداني وقوات الدعم السريع هذا اللقاء.
وقال الناطق الرسمي باسم تحالف “تقدم” بكري الجاك إن “اجتماعات أديس أبابا جاءت في إطار إطلاق عملية سياسية تؤسس لواقع ما بعد الحرب وذلك بالتزامن مع مباحثات وقف إطلاق النار”.
وأضاف أن الهدف أيضا منها هو “تطوير رؤية مشتركة تضع تصورات حول الأجندة وأطراف العملية السياسية لتصحيح البداية الخاطئة، التي صاحبت اجتماع الاتحاد الأفريقي الشهر الماضي والذي جمع مجموعة جلها مناصرة لرؤية الحرب وسلطة الأمر الواقع”.
قمة أمريكية عربية بسويسرا لحل الخلافات بين حميدتي والبرهان
وفي نفس الأثناء، دعت الولايات المتحدة الأمريكية الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي إلى اجتماع أخر في سويسرا في 14 آب/أغسطس الحالي بهدف انهاء النزاع المسلح في السودان.
وقال وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن في بيان إن واشنطن “دعت القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع للمشاركة في محادثات بشأن وقف إطلاق النار، بوساطة الولايات المتحدة، تبدأ في 14 أغسطس/آب في سويسرا”.
وأضاف أن المحادثات التي ترعاها أيضا السعودية، ستضم الاتحاد الأفريقي ومصر والإمارات والأمم المتحدة بصفة مراقب، مشيرا أن هذه االلقاءات “ترمي إلى تحقيق وقف العنف في جميع أنحاء البلاد، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى جميع من يحتاجون إليها، ووضع آلية مراقبة وتحقّق قوية من أجل ضمان تنفيذ أي اتفاق”.
هذا، وأكد قال قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو في بيان إن قواته ستشارك في المحادثات على نحو بنّاء لتحقيق “وقف شامل لإطلاق النار في جميع أنحاء البلاد، وتسهيل الوصول الإنساني لجميع المحتاجين”.
تنفيذ إعلان جدة شرط لإجراء أية محادثات بالنسبة للجيش السوداني
وأضاف: “نحن نجدد موقفنا الثابت وهو الإصرار على إنقاذ الأرواح ووقف القتال وتمهيد الطريق إلى حل سياسي تفاوضي سلمي يعيد البلاد إلى الحكم المدني ومسار التحول الديمقراطي”.
بالمقابل، يبدو أن الحكومة السودانية غير مهتمة بهذا اللقاء ولن تحضره. فلقد قال وزير الاعلام السوداني جراهام عيد القادر في بيان عقب انتهاء المشاورات مع الوفد الأمريكي في جدة الأسبوع الماضي :”إن الوفد الأمريكي لم يقدم ما يبرر إنشاء منبر جديد للتفاوض”.
وسبق لمحمد بشير أبو نمو، رئيس وفد حكومة السودان أن قال في وقت سابق “إن الاجتماعات التشاورية مع الولايات المتحدة في مدينة جدة السعودية انتهت دون التوصل إلى اتفاق على مشاركة وفد حكومي سوداني في محادثات مقررة في جنيف يوم 14 أغسطس/آب”.
أما وزارة الخارجية السودانية، فقد أكدت عبر بيان أن: “أي مفاوضات قبل تنفيذ إعلان جدة الذي ينص على الانسحاب الشامل ووقف التوسع لن يكون مقبولا للشعب السوداني”.
وأضافت: “بدلا من فتح منابر جديدة، نطالب بإجبار المتمردين على وقف عدوانهم وفرض عقوبات تردعهم وداعميهم”، في إشارة إلى قوات الدعم السريع.
وأوضحت قائلة إن “أطراف مبادرة جنيف ذات أطراف منبر جدة والموضوعات متطابقة لما تم الاتفاق عليه سابقا”، مشددة على أن “منبر جدة وما تم فيه من اتفاق هو الأساس لأي مفاوضات قادمة”.
المجاعة تهدد السودانيين
وتجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من النية الحسنة التي أظهرها كل من عبد الفتاح البرهان وحميدتي وإصرارهما على إيجاد حل سياسي للحرب، إلا أن جميع المحادثات التي نظمت في السابق بين الشخصيتين الرئيسيتين في السودان لم تفض إلى أية نتيجة إيجابية ولم توقف الحرب.
الحرب عقدت الوضع السياسي والإنساني إلى درجة أن ما يقارب مليوني شخص في السودان مهددون بالمجاعة بسبب عدم تمكن منظمات الإغاثة إيصال مساعدات غذائية وطبية للمتضررين وللنازحين.
وتسببت الحرب الدائرة في السودان منذ أكثر من 15شهرا في نزوح حوالي 5 مليون شخص من منازلهم وفق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
فيما بلغ عدد اللاجئين وفق نفس المفوضية إلى حوالي 800 ألف شخص هربوا إلى الدول المجاورة كمصر وأوغندا وإثيوبيا…
السودان واحد من بين الدول التي تمتلك ثروات طبيعية كبيرة في القارة الأفريقية، على غرار الأراضي الزراعية والقطن والمعادن، إضافة إلى موقعه الجغرافي الإستراتيجي.
كما شكلت عملية سقوط نظام البشير الذي حكم البلاد 30 عاما تقريبا فرصة سانحة لبناء مستقبل جديد.
فبعد بضع سنوات من شبه الاستقرار السياسي الذي عرفته البلاد من 2017 إلى غاية 2023 انقلب الوضع السياسي رأسا على عقب بسبب تناحر الرجلين القويين في البلاد وهما عبد الفتاح البرهان وحميدتي. فهل ستشرق الشمس من جديد على بلد النيلين الأزرق والأبيض؟