موفد فرانس24 إلى مهرجان كان – يحضر المخرج المغربي عز العرب العلوي في مهرجان كان بفيلمه “أفريكا بلانكا”، وهو عمل متميز يعالج قضية الألبينو، التي قلما نجدها في السينما العربية إضافة إلى ما يسميه بالهجرة المعاكسة، 90 بالمئة من الممثلين فيه أفارقة، وهي سابقة في تاريخ الفن السابع بالمملكة. ويعتبر السينمائي المغربي من المنادين إلى عمل مشترك مغاربيا وعربيا وأفريقيا. ويرفض استغلال الفن السابع في الخلافات الظرفية والعابرة، واستثمارها في المصالحة والتكتل، مشددا على أنه “لا يمكن أن تكون لنا سينما عربية قوية إلا بإنتاجات مشتركة”.
عرض المخرج المغربي عز العرب العلوي فيلمه الجديد “أفريكا بلانكا” في إطار سوق الأفلام بمهرجان كان، وهو عمل يتطلع العلوي إلى أن يشارك به في مهرجانات دولية مختلفة، لاسيما وأنه يعالج إشكالية الهجرة التي تهم العالم بأجمعه، والتي يقول المخرج إنه اتخذها كخلفية للحديث عن معاناة الألبينو (أو المهق) في دول أفريقية عديدة.
العمل يؤكد أن الشراكة الأفريقية-الأفريقية سينمائيا يمكن أن تكون لها نتائج مهمة، علما أن هذا الفيلم المغربي شارك فيه 90 بالمئة من الممثلين الأفارقة وهي سابقة في تاريخ السينما بالمملكة، بحسب المخرج نفسه، من المنتظر أن تتواصل في السنوات المقبلة في أعمال أخرى.
“أفريكا بلانكا”
يحكي الفيلم فرار أم وابنها الألبينو من الأخطار التي تلاحق هذا الأخير خاصة في أفريقيا، فقط لأنه لا يشبه الآخرين من أبناء القارة السمراء، أي لكونه من الألبينو. وحسب معتقدات محلية، فهناك من ينظر له أنه فأل شؤم يجب القضاء عليه، والبعض يرى فيه مصدرا للخير والصحة وغير ذلك، ما يمكن أن يعرضه للقتل أيضا والاتجار بأعضائه.
وكانت وجهة الأم ونجلها أوروبا، في مشوار صعب ومعقد، يعيد المشاهد إلى مآسي ومعاناة المهاجرين على دروب الهجرة السرية الخطيرة والقاتلة. لكن الارتباط بالقارة بقي أقوى بداخليهما، لأنها هي الحل بالنسبة للمخرج في كل الحالات، حتى عندما يكون وضع المهاجر في بلاده صعبا.
واستغل المخرج المغربي سيرهما في مشوار أفريقي محفوف بالمخاطر نحو “الجنة” الأوروبية، لخلق القليل من المتعة وسط الألم، بعرض مشاهد فاتنة من الصحراء، والسفر بالجمهور إلى مدينة فاس، إحدى المدن التاريخية في المغرب، وزيارة الزاوية التيجانية بها لما يشكله الارتباط الروحي بين المملكة وبقية الدول الأفريقية من أهمية.
والفيلم عميق ومؤثر، يحمل المشاهد إلى عوالم تأملية وشاعرية، حاول فيها المخرج تمرير رسائل، عبر الحديث أولا عن الألبينو ثم في الوقت نفسه عن أزمة الهجرة في أفريقيا وعذاباتها وأحزانها، وارتباطه الشخصي بهذه القارة رغم كل شيء، خاصة وأنه يؤكد أنه من السينمائيين الذين لا يؤمنون بالهجرة كحل، وأن مفاتيح هذه الأزمة توجد في أفريقيا أولا وأخيرا.
فرانس 24 التقت بعز العرب العلوي في كان وأجرت معه المقابلة التالية.
“أنا ضد الهجرة من أفريقيا نحو أوروبا”
لماذا اختيار موضوع الهجرة تحديدا لفيلمك؟
في الحقيقة، لا يتناول الفيلم موضوع الهجرة بشكل مباشر. الهجرة كانت فقط الخلفية التي تؤطر العملية ككل، لأن الأصل فيها هو علاقة الابن بطل الفيلم بأفريقيا. البطل الرئيس ألبينو أي مصاب بالمهق، وهو ما خلق له مشاكل كثيرة في حياته بأفريقيا، لذلك عنونت الفيلم “أفريقيا البيضاء”. ونكون أمام تناقض، ففي الوقت الذي نجد فيه العديد من الأفارقة يتشبهون بالأوروبيين، هذا الألبينو يعاني بسب لونه.
هل هي ظاهرة منتشرة في دول أفريقية؟
هي ظاهرة معروفة، وهؤلاء منبوذون في بلدان أفريقية. في تنزانيا بني لهم مركز خاص حيث يُجمعون فيه، ويوجد به أكثر من خمسة آلاف شخص. فهناك من يتاجر في أعضائهم لأنها، حسب معتقدات، تجلب الغنى والصحة، وفي قبائل أخرى يعتبرونهم مصدر شؤم. وبنات الألبينو يسخرونهن كدواء لمرضى الإيدز بافتضاض بكارتهن من قبل المصابين. وهناك عائلات تاجرت بأعضاء أطفالها.
ولماذا اخترت الاهتمام بهذه الظاهرة بعيدا عن المغرب؟
لأني اشتغلت بعمق على هذه الظاهرة من خلال وثائقي. وأنا أنطلق دائما من الوثائقي لأنتقل للفيلم الروائي الطويل. لأني أعتبر الوثائقي دراسة معمقة للماضي وبحث من أجل الوصول فيما بعد إلى فيلم روائي. وهكذا آخذ الأشياء الواقعية وأعززها بخيالي كمخرج.
أول ملاحظة يمكن أن تثير انتباه المشاهد غياب الترجمة للغة العربية. هل لأن الفيلم موجه للناطقين باللغة الفرنسية؟
هو ليس بغياب وإنما بحكم أنه موجه لسوق الأفلام في كان. عندما يوجه للجمهور العربي ستنجز له الترجمة بالعربية وحتى بالإسبانية.
في أي سياق طرح الفيلم في كان؟ وهل سيعرض في الأشهر المقبلة بمهرجانات سينمائية؟
يوجد في كان بسوق الأفلام، وابتداء من شهر يوليو/تموز سنقدمه في مهرجانات من فئة أ، وهي تظاهرات سينمائية كبرى كمهرجان البندقية، تورنتو وغيرها…
ما هي علاقتك بالهجرة؟
أنا ضد الهجرة من أفريقيا لأوروبا. وكنت أدافع على أن يبقى الأفارقة في أفريقيا وأن الحلول موجودة في قارتهم، ولدينا كل شيء. الفيلم يشرح ذلك، فالأشخاص الذين ألغوا رحلتهم عبر قارب إلى أوروبا هم من بقوا على قيد الحياة، وعادوا إلى أمهم التي هي أفريقيا وهي الأرض. أما من ركبوه فقد غرقوا بأكملهم.
هل يحمل الفيلم رسائل أم هو تنديد بواقع؟
بطبيعة الحال، هو تنديد بالاعتقاد بأن النجاة والنجاح والحلول كلها موجودة في أوروبا. والأم في الفيلم تجسد أفريقيا التي من الصعب بل من المستحيل على ابنها الابتعاد عنها. وانتاب ابنها حزن شديد عندما فارقت الحياة. وفي ظل هذه الأجواء خلقت بعدها خاتمة سعيدة، بكون بطل الفيلم تزوج ممن كان يحب وأصبح سعيدا وشاعرا معروفا. إذن نحن قادرون.
بمعنى أن الفيلم هو انتقاد صريح لسياسات الحكومات الأفريقية التي تفشل في توفير فرص شغل لشبابها وتثبيتهم ببلدانهم؟
نعم، هو انتقاد صريح. لأنه من المفروض أن نوفر لهذا الشباب فرصا على أرضه، وليس أن نفتح له باب البحر.
يجب استثمار السينما المغاربية في الصلح بين المغرب والجزائر
اعتمدت على عدد كبير من الممثلين الأفارقة ولربما هي سابقة في فيلم مغربي. هل هذا التعاون المغربي-الأفريقي ضروري سينمائيا؟
المغرب تربطه اتفاقيات ثنائية في المجال السينمائي مع عدد من الدول الأفريقية. وتجمعه شراكة متقدمة مع ساحل العاج مثلا. وهو أول فيلم 90 من الممثلين فيه غير مغاربة ومن جنسيات أفريقية.
هل يوجد تعاون مغاربي سينمائي؟
في الوقت الحالي لا يوجد تعاون مغاربي. كان قبل سنوات تعاون مع تونس لكن في الظرف الحالي ليس هناك أي تعاون. السياسة غطت على كل شيء.
هو هل فشل للسينمائي المغاربي وانتصار للسياسة في المنطقة؟
نعم، لأنه من المفروض أن يكون العكس. فالسياسة غير ثابتة وبإمكان المواقف الحكومية أن تتغير في أي لحظة. لكن السينما والثقافة تبقى نفسها مهما كان مستوى الخلافات. فمثلا اليوم المغرب والجزائر بينهما خلافات وغدا ستسوى العلاقات وتعود الأمور لمجاريها، والسينما إن مشت في هذ الاتجاه حول هذه خلافات اليوم فكأنها ترسم في الماء. الأفضل أن ندفع دائما في اتجاه الصلح والإيجابي. السلطة السياسية متلونة حربائية. ما يجب هو استثمار السينما لجر السياسة نحو التصالح. قوة السينما في هوليوود مثلا أكثر من قوة السياسة.
رغم زخم السينما العربية، لا نراها كثيرا في المسابقة الرسمية بمهرجان كان، ولم تحصل إلا على تتويج يتيم بالسعفة الذهبية. لماذا؟
تتويج فيلم عربي بالسعفة الذهبية صعب إن لم يكن مستحيلا. لأن اختيار الأفلام ينبني على قواعد، تكون بموجبها الأعمال السينمائية مجبرة أن تأخذ من الفكر الغربي. أفلام هجينة. لا يتعلق الأمر دائما بالجودة كأساس في اختيار الأفلام. الكثير من الأعمال وجدت في المنافسة لا تستحق المشاركة، والعديد من الأفلام العربية تستحق نيل السعفة الذهبية. فهي تقبل للمشاركة، لكن لا تصل إلى التتويج بالسعفة. لا أظن…
رسالة للسينمائيين المغاريين والعرب عموما
يمكن أن نصنع الكثير من الأشياء، فقط يجب أن تكون لدينا الإرادة والتضامن. ولا يمكن أن تكون لدينا سينما عربية قوية إلا بإنتاجات مشتركة. وإن أردنا أن نثبت قوتنا، يجب خلق صناديق عربية عربية أو صناديق عربية أفريقية أو صناديق عربية آسيوية مع دول الخليج.
كلمة أخيرة:
أتمنى أن فيلم “أفريكا بلانكا” يأخذ مكانته الحقيقية، ويصل إلى مهرجانات كبرى حتى يشاهد على قدر واسع، لأنه يحمل قضية كبرى تتعلق بقضية الألبينو، وفي نفس الوقت مسألة الهجرة المعاكسة. أفريقيا هي قوة، ويمكن أن تجد حلولها بداخلها. وفي نفس الوقت أقول إن السينما العربية قادرة على المنافسة والحضور، فقط هناك في بعض الأحيان تحيز للفكر الأوروبي الذي يتناقض في بعض الأحيان مع الفكر العربي في الكثير من القضايا.