إشارات واعدة من محادثات جدة المغلقة التي ترعاها السعودية -بقلم جميل الذيابي

تتجه كل أنظار الشعب السوداني ودعاة السلام نحو جدة في غرب المملكة العربية السعودية ، مع “بصيص أمل” في إنهاء الحرب الدموية التي تدور رحاها بين فصيلين متنافسين في السودان. جمعت محادثات جدة أولئك الذين حكموا الدولة الأفريقية المجاورة قبل اندلاع الحرب في 15 أبريل ، والفصائل التي انقسمت بسبب أطماع أن تكون الحزب الحاكم الوحيد ، دون الآخر!

وعلى الرغم من مرارة الحرب وقسوتها ومآسيها على الأرض، إلا أن الأطراف المشاركة فيها اجتمعت على منصة جدة. كان ذلك من منطلق رغبة حقيقية في طي صفحة أقسى وأشرس حرب شهدها السودان منذ استقلاله عام 1956.

وتشير الإشارات القادمة من أبواب المفاوضات المغلقة إلى أن الأطراف تريد، هذه المرة، سلاما حقيقيا من خلال هذه الجولة من المحادثات، التي سبقتها عدة جولات فشلت في وقف إراقة الدماء في البلاد الواقعة بين نهري النيل الأبيض والأزرق في القرن الأفريقي أو عودة النازحين إلى ديارهم بعد “حرب عقيمة”.

أودت الحرب بحياة 9000 شخص، وأسفرت عن تدمير 30000 مبنى في الخرطوم، وفرضت الهجرة القسرية لخمسة ملايين سوداني وسودانية. وينتظر عشرات الآلاف منهم عند المعابر الحدودية، على أمل أن يتمكنوا يوما ما من المغادرة إلى بلدهم.

يمكننا القول إن بصيص الأمل في إنهاء الاقتتال السوداني السوداني، تحت رعاية المبادرة السعودية الأمريكية، أصبح أكثر إشراقا من أي وقت مضى. وسخرت هذه المبادرة كل جهودها لفتح ممرات آمنة للإغاثة وإطفاء الحرائق المشتعلة في قلب “العاصمة الثلاثية” وضواحيها، والتي تمتد أيضا حتى ولاية دارفور التي بالكاد تفلت من القتال. وعلاوة على ذلك، فإن دارفور، بعد أن غرقت في الحرب، تخوض قتالا أكثر ضراوة مما خاضته في أي وقت مضى.

في محاولة لوقف بحار الدماء وإغاثة الثكلى ، سهلت الحكومة السعودية بناء جسور الأمل والحياة إلى الخرطوم ومختلف مدن السودان الأخرى من خلال مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية (KSrelief) من أجل تقديم المساعدات لضحايا الحرب التي لا معنى لها. وصلت السلال الغذائية وإمدادات الأدوية والمستشفيات المتنقلة إلى جميع أنحاء السودان.

وقد سبقت هذه المبادرة الإنسانية أكبر عملية لإجلاء السعوديين وآلاف رعايا الدول الأخرى من جحيم الحرب في الخرطوم إلى أرض آمنة في المملكة العربية السعودية، قبل أن يغادروا إلى بلدانهم في جميع أنحاء العالم عبر مدينة جدة التي فتحت ذراعيها “كمعبر” للأمان ومنصة للسلام.

في 29 أكتوبر، صدر بيان مشترك عن المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد) إلى جانب الاتحاد الأفريقي بشأن جولة جديدة من المحادثات بين أطراف النزاع – القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع شبه العسكرية.

وحصر الميسرون البنود المدرجة في جدول أعمال المفاوضات بثلاث نقاط محورية هي: تيسير إيصال المعونة الإنسانية؛ وتيسير وصول المعونة الإنسانية. تحقيق وقف إطلاق النار، وتحقيق تدابير بناء الثقة وإمكانية تحقيق وقف دائم للأعمال العدائية، ومن ثم الامتناع عن تناول أي قضايا ذات طابع سياسي خلال مرحلة بناء الثقة.

وأكدت الرياض وواشنطن في بيان مشترك أن الميسرين هم المتحدث الرسمي المشترك الوحيد للمحادثات، من أجل ترسيخ قواعد السلوك التي اتفق عليها الطرفان، والتي توجه المحادثات. كان القرار يهدف إلى قطع أي تكهنات أو أجندات من شأنها أن تعرقل تقدم عملية السلام، وبالتالي الوصول إلى أي معلومات من الأبواب المغلقة للمفاوضات على ساحل البحر الأحمر كان أشبه بالبحث عن إبرة في “كومة قش”!

الجديد هذه المرة هو أن المدنيين السودانيين، الذين افترضوا أن أي تسوية محتملة ستمنحهم إدارة بلادهم، قرروا بناء جبهة موحدة لوقف القتال وتحديد سبل استئناف العملية السياسية.

وجاءت قيادات مدنية وشخصيات بارزة، على رأسها رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، إلى العاصمة الإثيوبية لتحديد أطر التحالف المدني الجديد، الذي تأمل المبادرة السعودية الأمريكية أن يكون توحيدا حقيقيا للجماعات المدنية المعارضة للحرب، حتى يتمكن الوسطاء من الاتفاق معهم على ترتيبات ما بعد توقف الحرب.

رحبت القوات المدنية السودانية باستئناف “منصة جدة للتفاوض” وقدمت شكرها للمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية ، البلدين الراعيين للمحادثات. واختتموا اجتماعهم بقرارات لتطوير الموقف التفاوضي للقوات المدنية، وكذلك الإصلاح الأمني والعسكري، وإعادة البناء المؤسسي لأجهزة الدولة، والسلام، وتقوية النسيج الاجتماعي، ومكافحة خطاب الكراهية، وإعادة بناء وإعمار ما دمرته الحرب.

تعد القضية السودانية واحدة من أبرز اهتمامات السياسة الخارجية السعودية، في ظل إعلان ولي عهد ورئيس الوزراء محمد بن سلمان أنه لا ينبغي السماح بأي شيء قد يؤجج الاضطرابات والاضطرابات في المنطقة. كما أنه مهم نظرا للعلاقات التاريخية العريقة والقوية بين المملكة العربية السعودية والسودان ، خاصة وأن السودان يمثل دولة ذات عمق استراتيجي للمملكة العربية السعودية على الساحل الشرقي للبحر الأحمر.

دعونا لا ننسى أن العلاقات في بعدها الشعبي مليئة بالعاطفة والمودة والاحترام. السعوديون يحبون إخوانهم السودانيين لطفهم وصدقهم وإخلاصهم في عملهم. ولا يفوتني أن أشير، كما فعلت مرارا، إلى أن شريحة كبيرة من الأشقاء السودانيين يشعرون بأن الأمل في حل أزمة بلادهم يكمن حصرا في المبادرة السعودية الأمريكية.

وهذا رأي مهم وجيد، ويعزى إلى إدراكهم أن السعودية صديقة وشقيقة لكل السودانيين، بغض النظر عن توجهاتهم ورؤاهم لمستقبل السودان. ومن الضروري الإشارة إلى أن المملكة لعبت دورا حيويا من خلال حضورها في التحالفات الغربية والدولية الساعية لحل الأزمة السودانية.

كان للسفير السعودي في الخرطوم دور بارز كان له دور بارز وكان له دور في المبادرات الناجحة، بدعم من بلاده، ونتج عن ذلك التوصل إلى “الاتفاقية الإطارية” التي تم توقيعها في ديسمبر 2022. وهذا ما يتفق الخبراء والمحللون على أنه أفضل حل ممكن لمشكلة بلد يضم مئات القبائل، ويتحدث أهله مئات اللهجات، والعديد من الأديان، والطرق الصوفية، والحركات السياسية ذات الجذور اليسارية واليمينية والوسطية.

ومن المؤكد أن هناك أملا كبيرا في أن تنجح مفاوضات جدة في التوصل إلى اتفاقات تضمن استئناف العملية السياسية بين الأطراف المتحاربة وتحويل الاتفاق الإطاري إلى اتفاق سياسي كامل. ومن شأن مثل هذا الاتفاق أن ينظم العلاقة بين المدنيين والعسكريين من أجل خير السودان وأمنه واستقراره. هذا ما تريده السعودية للسودان الشقيق وشعبه المحب.

Share this post