الخرطوم – وجدت الصحافة السودانية نفسها في “إجازة قسرية” منذ اندلاع الحرب في البلاد في أبريل الماضي، حيث توقفت الصحف والقنوات التلفزيونية والإذاعية، كما الحال بالنسبة إلى المطابع.
ولم تعد الصحف الورقية المحلية مصدرا للمعلومات وغابت عن المشهد في توقيت يحتاج فيه القراء إلى المعلومات المؤكدة كونها أقرب اتصالا بالجماهير ومراكز صنع القرار.
ولجأت بعض الصحف إلى تنشيط مواقعها الإلكترونية على الإنترنت بغية المحافظة على وجودها، لكنها أصبحت أقل نقلا للأخبار في ظل عدم وجود مراسلين لها على الأرض لصعوبة الحركة في العاصمة الخرطوم وانقطاع الإنترنت والكهرباء لفترات طويلة.
ولم يكن مستغربا أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الإقليمية والدولية هي صاحبة الريادة في تناول أخبار الحرب.
وأدت الحرب إلى توقف مؤسسات تلفزيونية وإذاعية، وحوالي 20 صحيفة ورقية سياسية ورياضية عن الصدور، وتحوّل بعضها إلى مواقع إلكترونية.
وتتمركز جميع الصحف في الخرطوم، ومنها توزع إلى بقية الولايات، كما تتواجد في العاصمة مقار الإذاعات والقنوات المحلية. وتعتمد الصحف على المراسلين الصحافيين في مدن الولايات الـ17 الأخرى.
ويقول رئيس تحرير صحيفة “مصادر” الخاصة عبدالماجد عبدالحميد إن الواقع الحالي يفرض على الصحافة السودانية تحديات جسيمة وجديدة، كما سيفرض واقعا جديدا على مستقبلها.
وأضاف عبدالحميد “اتضح أن الصحافة السودانية صحافة خرطومية ليس على مستوى الطباعة والتوزيع فقط، ولكن حتى على مستوى الاهتمام”.
ومضى قائلا “عندما اندلعت الحرب اتضح أن مركزية الدولة انسحبت حتى على الصحافة، وستفرض هذه الحرب واقعا جديد على الصحافيين”.
وأردف “بالتالي يمكن أن تبرز مؤسسات صحفية من الولايات وتكون حتى اهتماماتها بالشأن العام ربما محلية أكثر منها قومية”.
وتابع “كما تفرض هذه التحديات على الصحافيين ضرورة مراجعة أنفسهم في التعامل الشفهي مع الأحداث لأن أغلبية الصحافيين خرجوا عن الخدمة لعدم استطاعتهم مواكبة التحدي الحالي للحرب”.
وقال إن “الصحافيين أنفسهم هربوا من مناطق الحرب وإدارة العمل الإعلامي، وانتقلت القنوات السودانية والمواقع الإخبارية إلى خارج البلاد لإدارة أعمالها”.
واستطرد “لذلك فإن التحدي الأول يتعلق بالمكان والثاني يتعلق بإمكانيات الصحافيين، وعليه ستبرز مؤسسات صحفية جديدة تستفيد من واقع الصحافي الماضي وتعمل على معالجته”. و”هذا يعني ظهور جيل جديد من الصحافيين ومؤسسات صحفية جديدة تختلف بشكل كلي عن الأجيال السابقة”، وذلك بعد أن تسدل الحرب ستارها.
ويخوض الجيش وقوات “الدعم السريع” اشتباكات منذ منتصف أبريل لم تفلح سلسلة هدنات في إيقافها، ما خلّف أكثر من 3 آلاف قتيل، أغلبهم مدنيون، ونحو 4 ملايين نازح ولاجئ داخل البلاد وخارجها.
وقال الطاهر ساتي رئيس تحرير صحيفة “اليوم التالي” (الخاصة) “الآن الحرب أوقفت الصحافة الورقية واستمرت الصحافة الإلكترونية، لكن هذه الأخيرة تعاني من متاعب بسبب ضعف شبكة الإنترنت والكهرباء”. وأضاف “ظروف الحرب جعلت حتى الصحافة الإلكترونية غير منتظمة ناهيك عن الورقية”.
ورأى ساتي أنه “متى ما توقفت الحرب ستعود الحياة إلى طبيعتها ومن ضمنها الصحافة الورقية التي لا يستغني عنها الناس كما في كل الدول”.
وقال “المؤسف في الوقت الراهن بعد توقف الصحف الورقية والإلكترونية التشريد الكبير للإعلاميين والصحافيين لعدم التزام المؤسسات تجاههم، وعجزها عن توظيف الصحافيين وتحويلهم من الصحافة الورقية إلى الإلكترونية والاستمرار في أداء مهامهم من الولايات الآمنة”.
في المقابل أشار الصحافي السوداني محمد سعيد إلى أن الصحافة الورقية كانت في حالة موت سريري حتى قبل الحرب. وأوضح سعيد أن “الصحافة الورقية كانت تعاني اقتصاديا، وعندما اندلعت الحرب لم يتردد ملاك الصحف وأغلبها مملوكة للقطاع الخاص، من إغلاقها الى حين توقف الحرب وذلك بسبب صعوبة حركة الصحافيين في العاصمة، وكذلك صعوبة تغطية أخبار المعارك العسكرية لعدم وجود ضمانات أمنية والشكوك الموجودة لدى الطرفين (الجيش والدعم السريع)، بأن الصحافيين يعملون لصالح أحدهما”.