الخرطوم-: نفذ الطيران الحربي التابع للجيش السوداني غارات جوية على تجمعات الدعم السريع المتمركزة في عدد من الطرق الرئيسية حول مدينة الأُبيّض في ولاية شمال كردفان.
وقال شهود عيان لـ «القدس العربي» إن الهجمات تركزت على قوات الدعم في غرب المدينة اتجاه حي (الوحدة 13) وجنوبا في (دونكي موسى) و(خور المريكب)، بينما قامت الأخيرة بإطلاق المضادات الجوية، وقذائف المدفعية صوب القيادة العسكرية في المدينة.
وأفاد أحد الضباط الإداريين في الأبيض، عبد الرحمن النمير، بسقوط 2 من قذائف المدفعية على حي الصحافة، تسببا في وقوع إصابتين من المواطنين.
وتأتي غارات الجيش بعد تواتر أنباء عن اتفاق ثلاثي بين الإدارة الأهلية و»الدعم السريع» والحكومة المحلية، حول تأمين الطرق وضمان انسياب الخدمة للمدينة المحاصرة من قبل الدعم. ووفق مراقبين، هجمات الجيش تعني ضمنياً انهيار الهدنة غير الرسمية بين المكونات الأهلية وقوات «الدعم السريع»، وسط احتمال تجدد المواجهات المسلحة داخل المدينة.
وكشفت وسائل إعلام محلية عن إبرام اتفاق الإدارة الأهلية التي ضمت أمراء المسيرية والحوازمة وإمارة البديرية والدعم السريع. وقضى الاتفاق أن يتولى الأخير تأمين الطرق الرابطة بين الأُبيّض ومدن (الدبيبات، الفولة، الدلنج، الرهد) من عصابات النهب المسلح التي تهاجم السيارات التجارية، بالإضافة إلى تأمين محطة كهرباء الأُبيّض.
كما نص على أن تتعهد قوات الدعم بعدم اعتراض السيارات التي تحمل المؤمن الغذائية وضمان انسياب السلع ووقود الزراعة لولايتي غرب وجنوب كردفان، فضلا عن الكف عن مهاجمة مدينة الأُبيّض مهما كانت الأسباب.
ومنذ أسابيع تفرض قوات الدعم حصارا على مدينة الأُبيّض واحتلالا لمواقع استراتيجية وخدمية مهمة، مما أدى إلى توقفها عن العمل وخلق واقع مأسوي في المدينة.
وفي وقت سابق حاولت قوات الدعم مهاجمة المدينة عدة مرات، إلا أن قوات الجيش «الهجانة» قامت بصدهم وتدمير عدد من العربات العسكرية، وأدت تلك المعارك إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى من المدنيين.
مهاجمة المدينة
ويقود قوات «الدعم السريع» التي تحاصر المدينة كل من العقيد عبد المنعم شريا والعقيد التاج التجاني. وتتمركز قواتهما في جنوب الأبيض بالقرب من حوض (بنو) للإمداد المائي، وفي الجنوب الشرقي حيث مدخل المدينة ومحطة الكهرباء بالإضافة إلى الطريق الدائري الرابط المدينة بولاية جنوب كردفان، كذلك بقية الطرق التي تربط الأُبيّض بمدن السودان الأخرى.
وتقع مدينة الأُبيّض على سهل رملي منخفض وترتفع الأراضي من حولها تدريجياً في الشمال والجنوب، وتبعد حوالى 588 كيلومترا جنوب غرب الخرطوم العاصمة، فيما تمتد مساحتها مقدرة 130 كيلومترا مقسمة على 245 حياً سكنياً موزعة على أربع وحدات إدارية وهي الأُبيّض المدينة، أرياف الأُبيّض، ابوحراز، كازقيل.
وترتبط الأُبيّض بالعاصمة الخرطوم بطريقين رئيسيين، طريق امدرمان – بارا وهو حديث الإنشاء بالإضافة للطريق القديم الذي يمر عن طريق ربك كوستي وعدد آخر من المدن وصولا إلى الأُبيّض، كذلك هناك حظ السكة حديد القادم من الشرق ومحطة بابنوسة، بالإضافة لعدد من الطرق البرية الأخرى، وأيضا يوجد في الأُبيّض مطار يبعد 4 كيلومترات عن مركز المدينة.
وتعتبر المدنية استراتيجية بالنسبة لطرفي النزاع ، فهي بالنسبة للدعم السريع تعد معبرا مهما لإمداد قواته من دارفور للخرطوم، أما بالنسبة للجيش فهي مدينة ذات ثقل سكاني واقتصادي كبير وموقع عسكري استراتيجي، خصوصا وأن فيها مطارا عسكريا يلعب دورا مهما في المعركة الدائرة في العاصمة الخرطوم.
ويتوقع مراقبون وخبراء عسكريون أن يستمر القصف الجوي من قبل الجيش على ارتكازات الدعم بهدف فك الحصار المضروب على المدينة وإبعاد الدعم عن الطريق القومي الرابط الأبيض بالعاصمة، باعتبار أن ذلك سيؤثر على وصول أي إمدادات للدعم، خاصة دخول شهر الخريف الذي يصعب التحرك معه في الطرق الترابية الأخرى.
وفقا للضباط النمير، الأوضاع المعيشية في الأبيض بالغة السوء، الأسواق تشهد حركة حذرة من المواطنين الذين أصبحوا يعتمدون بصورة رئيسية على الذرة المنهوبة.
وأوضح النمير أن الأبيض تعتمد في إمدادها المائي على مصادر رئيسية، جنوبية وأخرى شمالية في اتجاه مدينة (بارا) وهي آبار ارتوازية والمنطقة بشكل عام آمنة ولا وجود للدعم السريع هناك، لافتا إلى أن هذه الآبار تسقي الأحياء الشرقية في المدينة.
أما المصادر الجنوبية كما قال فهي تقع تحت أيادي الدعم السريع ومتوقفة عن العمل، مما أدى إلى حالة عطش واسع في الأحياء الغربية من الأبيض.
أحد مهندسي المياه في المدينة، أفاد لـ»القدس العربي» أن الأعطال ليست كبيرة وأنه متى انتفت التهديدات الأمنية وسمح لهم بالدخول فإن مشكلة المياه في الأجزاء المقطوعة من الأبيض ستعالج في وقت وجيز.
ووفق ما بين الصحافي منصور عثمان، لـ»القدس العربي»: «تعيش مدينة الأبيض واقعا خدميا ومعيشيا سيئا، بعد الحصار الخانق الذي تم ضربه في مختلف الاتجاهات، إضافة لوقوع بعض المواجهات المباشرة بين طرفي الصراع داخل المدينة خاصة في الفترة الأولى من الأحداث، الأمر الذي ترتب عليه شلل تام في الحركة التجارية التي كانت تعتمد بصورة أساسية على الخرطوم، حيث أدى ذلك إلى ندرة كبيرة في السلع وزيادة أسعارها بصورة كبيرة في ظل واقع اقتصادي سيىء زاد منها تعطل جهاز الدولة منذ أول يوم إضافة لخروج النظام المصرفي عن الخدمة وتعثر سحب الودائع وسداد المرتبات والمعاشات».
تفاقم المعاناة
وأضاف: «تفاقمت المعاناة بعد خروج محطات المياه عن الخدمة للشهر الثاني توالياً وانقطاع التيار الكهربائي لما يقارب الأسبوعين، كذلك انعكس الوضع على القطاع الصحي الذي يشهد تدهوراً مريعاً».
وقبل أيام، حذرت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان من كارثة غذائية وشيكة في الأبيض جراء الحصار العسكري.
وقالت في بيان إن «معظم المواد التموينية نفدت من الأسواق وإن الدقيق على وشك النفاد». وأشارت إلى «كارثة غذائية وشيكة في حال عدم إيصال المواد الغذائية إلى المدينة».
وأوضحت أن «حصار المدينة أثر أيضاً على الخدمات الصحية والكوادر الطبية وحركتها وتوصيل المعينات، مما أدى إلى تدهور الخدمة الصحية المقدمة في المستشفيات والمرافق الصحية في المدينة ونقص حاد في الأدوية حتى على مستوى الصيدليات التجارية».
ولفت إلى تدهور الأوضاع الصحية ونقص حاد في الأدوية وتأثر مراكز غسيل الكلى بالمدنية، مشيرة إلى أن حالات الوفاة بين مرضى غسيل الكلى بلغت (12) حالة وفاة منذ بداية الحصار بنسبة (8%) من العدد الكلي لمرضى غسيل الكلى.
وتوقعت ازدياد سوء الأوضاع مع اقتراب نفاذ جميع علاجات مرضى الكلى واحتمالية خروج المراكز الصحية عن الخدمة.
وفي إطار البحث عن حلول، قال عثمان «تحركت الإدارة الأهلية لولايات كردفان مجتمعة باعتبار تأثير الوضع على بقية المدن الإقليم، خاصة في قطاع الكهرباء وعدم انسياب السلع الأساسية للبحث عن حلول من خلال التواصل مع قيادة قوات الدعم السريع مع موافقة ورعاية حكومة الولاية التنفيذية قبل إقالة الوالي، وبالفعل تلقت الإدارة الأهلية موافقة فعلية من قوات الدعم السريع بعدم الممانعة في تذليل الصعوبات التي من شأنها رفع المعاناة عن كاهل المواطن والالتزام بعدم الدخول الى داخل المدينة وضمان انسياب السلع».
وأشار إلى أن «الدعم السريع اشترطت توقف التدوين العسكري من قبل قوات الجيش صوب أماكن تمركز قواتهم وإيقاف كافة أشكال المناوشات».
ووفقا له «نجحت هذه الجهود في إعادة التيار الكهربائي إلى شمال وجنوب وغرب كردفان، وكان من المنتظر أن توضع اليوم اللمسات النهائية لضخ المياه من المصادر الجنوبية لمدينة الأبيض ولكن توقفت المحاولات بعد القصف الجوي الذي حدث».
قصف طيران الجيش لعدد من تمركزات قوات الدعم في غرب وجنوب المدينة «يعني ضمنياً انهيار الاتفاق، واحتمالية تجدد المواجهات المسلحة داخل المدينة تحت اي لحظة من اللحظات»، وفق عثمان.
ـ «القدس العربي»