نيويورك تايمز: أمريكا والمجتمع الدولي يتحملون جزئيا مسؤولية ما يجري في السودان

قالت جاكلين بيرنز، المستشارة السابقة للمبعوث الأمريكي للسودان وجنوب السودان والزميلة حاليا في المؤسسة غير الربحية “راند” إن الولايات المتحدة مسؤولة جزئيا عن العنف في السودان.

وجاء في مقال لها في صحيفة “نيويورك تايمز” أن الخرطوم تعيش العنف منذ أكثر من أسبوع وقتل فيه حوالي 413 شخصا وعلق الملايين في بيوتهم بدون ماء أو كهرباء في وقت يقوم فيه زعيم الجنجويد السابق، وقوات الدعم السريع، الجنرال محمد حمدان دقلو، حميدتي بخوض معركة ضد الجيش في العاصمة السودانية.

وبعد اندلاع العنف أشار الكثيرون إلى أن السودان يعيش مرحلة لم تزد عن أربع سنوات في بناء الحكم المدني بعد عقود من الديكتاتورية. وتعاون حميدتي ومنافسه عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش والزعيم الفعلي للبلاد على التخلص من الرئيس السابق عمر البشير واستمرا في التعاون لوقف تسليم السلطة للمدنيين وقادا انقلابا في 2021 وأطاحا بالحكومة التي يقودها المدنيون.

وانفجر العنف الذي يغلي منذ أشهر بينهما وتحول إلى حرب مفتوحة مع قرب موعد تسليم السلطة للمدنيين. وقال محللون إن الحركة التي قادت الاحتجاجات للإطاحة بالبشير ضعيفة وغير منظمة ولا تستطيع التنافس مع زعيم ميليشيا والقوات المسلحة.

فيما أشار آخرون إلى “صراع السلطة العالمي” الذي قاد لاعبين مثل روسيا ودول الخليج، ومصر وحتى مجموعة مرتزقة مثل فاغنر لدعم أو بناء علاقات مع حميدتي أو البرهان اللذين يتصارعان على حكم السودان.

وهذه بالتأكيد عوامل في العنف، لكن المشكلة أبعد من هذا، فعندما لم ينته النزاع في السودان بعد اتفاقية السلام الشامل عام 2005 والتي أنهت حربا مضى عليها عقدان، عاد المجتمع الدولي للأشكال المعروفة من مفاوضات السلام التي لا تنتهي والتناوب من خلال وسطاء مختلفين حيث أحضر المتحاربون إلى عدة مواقع دولية للتفاوض وتقديم التنازلات التي قد تؤدي إلى نهاية العنف.

والمشكلة هي أن حل النزاعات ركز على اتفاقيات سلام قسمت السلطة بين الجماعات المسلحة، بدون النظر إلى البنود المتعلقة بالإصلاح السياسي والتي لم تقد أبدا إلى سلام دائم، وبل وحتى سلام على المدى القصير.

وتظهر آثار تلك الجهود الفاشلة في الحطام الذي نراه في الخرطوم. وتعرف الجماعات المسلحة والأنظمة الديكتاتورية جيدا طالما شاركت في عملية السلام أن الضغوط الدولية تخف سريعا. ولو أجبروا على توقيع اتفاقيات فإنهم يوقعون على وثائق بدون آليات لمحاسبتهم. وأكثر من هذا، فالوقت الذي تحدده هذه الاتفاقيات وعادة ما يكون عقودا يعطي الجماعات المسلحة الوقت الكافي لمراكمة السلطة السياسية والسلاح، كما في حالة السودان.

وقالت الكاتبة: “شاهدت هذا يحدث مرة بعد الأخرى في السودان وجنوب السودان، حيث كان قادة الجماعات المسلحة الذين تعاملت معهم مهتمين أكثر بمتابعة مباريات كرة القدم قرب مسبح الفندق وتحديد لقاءات تحقق مكاسب لهم أكثر من مناقشة العنف الذي يؤثر على شعبهم. وفي كل الوقت يعمل المفاوضون الدوليون، سواء من الاتحاد الأفريقي أو الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على إضفاء الشرعية على الجماعات المسلحة باعتبارها القوى الوحيدة التي تمثل السلطة والأصوات التي يجب الاستماع إليها، وفي الوقت نفسه الطلب من المواطنين السودانيين انتظار عودتهم”.

 وتقول إنها بدأت العمل للمبعوث الأمريكي للسودان وجنوب السودان عام 2011، فرغم اتفاقية السلام التي سمحت للجنوب بالانفصال إلا أن العنف استمر في دار فور وعاد بعد عامين إلى الحدود السودانية مع جنوب السودان. وتقول إنها كانت شابة ومتفائلة واعتقدت أن هناك فرصة للسودان للعثور على طريق وإن لم يكن مثاليا لإنقاذ حياة الناس.

وكانت الحكومة السودانية بحاجة ماسة للإعفاء من الديون وكذا شطبها من قائمة العقوبات الأمريكية. وكان هناك نوع من الأمل ببدء السودان عملية دمقرطة وإن كانت صغيرة لو وافق نظام البشير على مشاركة بعض السلطات. وعلى الأقل فلن يعيش المدنيون تحت رحمة القصف الجوي.

 لكن تفاؤلها تلاشى عندما أخبرت أن أيا من الجماعات المسلحة ليست مهتمة بالسلام، بل على العكس فهي مهتمة بتعزيز قاعدتها السياسية والحصول على سلطات أوسع. وظلت المفاوضات التي رعاها الأطراف الدوليون تتمحور حول هذه الجماعات، فقد تم استبعاد النساء والنازحين في بلدهم ممن لا ينتمون لأي من جماعات التمرد هذه من المفاوضات “فقد كنا نركز للحصول على تنازلات وتقسيم السلطة بين الجماعات المسلحة هذه وتوقيع اتفاقية سلام، رغم تشدقنا بضرورة الشمول والديمومة، وفقدنا رؤية هذا الهدف على المدى الطويل”.

وظهرت هذه الحركيات في عام 2019 عندما خرج المهمشون والنساء الذين عانوا من سياسات التقشف التي طالبت بها المؤسسات الدولية إلى الشوارع. ورغم دورهم الريادي في الانتفاضة التي أدت إلى سقوط عمر البشير، فلم يتم شمل النساء وبشكل جوهري في الحكومة الانتقالية وتم شملهن بطريقة هامشية في مفاوضات السلام. وبدلا من ذلك قام طرف ثالث بدعوة جماعات السلاح إلى طاولة المفاوضات وشملها في الحكومة الانتقالية.

وفي عام 2021 عندما سيطر النظام العسكري على السلطة منهيا الآمال بتحول ديمقراطي في السودان، فقد ضم النظام حركات مسلحة من دارفور التي انضمت إلى الميليشيا التي كانت تحاربها ولعدة عقود. وكانت هذه هي نفسها جماعات التسلح التي لم تعبر عن رغبة بالسلام ولكن الحصول على السلطة لنفسها وعبر العنف. وفي بداية العام اجتمعت حركات مسلحة مع ممثلين مدنيين للتوافق على اتفاق انتقال السلطة، ورغم شمل النساء والجماعات المهمشة هذه المرة إلا أن التحرك كان متأخرا وبثمار قليلة. وبعد أسبوع بدأت قوات الدعم السريع والجيش الذي اعتمد عليهما البشير في الحكم حربا في شوارع الخرطوم.

وتعلق الكاتبة أنه مع مواصلة المجتمع الدولي منح الأولوية للجماعات المسلحة والفاسدين بدلا من البحث عن إصلاح سياسي وتمثيل، فعلينا أن نتوقع استمرار دوامة العنف والمعاناة الإنسانية التي رأيناها الأسبوع الماضي. وليس على المجتمع الدولي التوقف عن محاولات وقف النزاعات، ولكن يجب أن تتعامل الجهود المستقبلية مع من يخدم السلام واستبعاد من لا يهتمون به. فالطبيعة الخبيثة لحل النزاعات الدولية هي أنها تركز على الجماعات المسلحة ودفعها للتخلي عن السلاح وعلى حساب الذين يقاتلون من أجل سلام دائم وإصلاحات حقيقية.

 

* “القدس العربي”

Share this post