مجلة الايكونوميست-بي بي سي – في يوم الإثنين 25 نيسان/إبريل الماضي، مضى على الانقلاب العسكري الذي شهده السودان ستة أشهر كاملة، تولى فيها الفريق عبد الفتاح البرهان السلطة في البلاد، في وقت ماتزال فيه الأوضاع تراوح مكانها، بل وتزداد تدهورا يوما بعد يوم، بين فراغ حكومي، وتردي غير مسبوق في الأوضاع الاقتصادية، وغياب للمواد الغذائية الأساسية، ساهم في إبرازه بصورة كبيرة حلول شهر رمضان المبارك.
ووصفت مجلة الإيكونومست البريطانية الرصينة، الأوضاع التي يعيشها السودانيون حاليا، في تقرير لها في التاسع من نيسان/ إبريل الماضي ، بأنها تعد بمثابة وصفة للإضطرابات، بين الشعب المحبط والغاضب من ناحية، والنخبة العسكرية القاسية، التي عاملته بطريقة سيئة من ناحية أخرى، وأضافت المجلة أن قلة من السودانيين، يتذكرون أوضاعا سيئة مرت على البلاد كالتي يعيشونها حاليا.
وعود لم تنفذ
ووفق مراقبين، فإن من يسترجع الوعود التي قطعها الفريق عبد الفتاح البرهان على نفسه، حين أعلن عن انقلابه، في الخامس والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، يمكنه أن يدرك ببساطة، أن أيا منها لم يتحقق رغم مرور نصف العام على تلك الوعود.
فقد تعهد البرهان في اليوم الأول من الانقلاب، بتشكيل حكومة كفاءات مستقلة، وتحقيق متطلبات العدالة والانتقال، وتشكيل مفوضية لوضع الدستور، ومفوضية للانتخابات، ومجلس للقضاء العالي، ومحكمة دستورية، ومجلس نيابي، كما حدد نهاية الشهر التالي للانقلاب، وهو تشرين الثاني/نوفمبر، موعدا نهائيا لتنفيذ وعوده، فيما يرى مراقبون أن أيا من تلك الوعود، لم يتحقق حتى الآن.
تدهور الحالة المعيشية
تشير كل التقارير عن الشأن السوداني، إلى أنه وعلى عكس ما وعد به الفريق عبد الفتاح البرهان، بعد انقلابه في تشرين الأول/ أكتوبرالماضي، بتحسين المستوى المعيشي للناس، فإن الأوضاع المعيشية للسودانيين، في تدهور متواصل منذ وقوع ذلك الانقلاب، إذ تدهورت قيمة الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية، إلى مستويات غير مسبوقة، كما شهدت أسعار السلع الأساسية والأدوية، ارتفاعات هائلة، في وقت ضاعفت فيه السلطات السودانية أسعار الكهرباء والخبز، والمشتقات النفطية بزيادات وصلت إلى 300%.
وكشفت إحصائيات صادرة عن إدارة الإحصاء القضائي والبحوث، التابعة للسلطة القضائية في السودان، عن ارتفاع كبير في حالات الطلاق في البلاد، خلال العام المنصرم، حيث سجلت البلاد 64315 حالة طلاق، بينها 19998 حالة في العاصمة الخرطوم فقط، وتشير الاحصائية إلى أن السودان، بات يشهد سبع حالات طلاق في الساعة الواحدة.
ونسب مراقبون تلك الزيادة، إلى تفاقم الظروف المعيشية في البلاد، التي وصل فيها التضخم لمستويات غيرمسبوقة، حيث وصل إلى 263%، بجانب تدهور قيمة العملة الوطنية، وهو ما أدى بدوره إلى ارتفاعات هائلة في أسعار المواد الأساسية، وتعرفة المواصلات وغيرها.
وبجانب تدهور المستوى المعيشي، وانهيار الخدمات، فإن الواضح وفق مراقبين أيضا، أن الإنقلاب في السودان لم ينجح في تحسين الوضع الأمني في المدن والأقاليم السودانية، في وقت تشير فيه التقارير إلى زيادة في نسب العنف.
وكان فولكر بيرتس، المبعوث الأممي للقرن الأفريقي، قد حذر من خطورة الأوضاع في السودان، حين قال أمام مجلس الأمن الدولي الشهر الماضي، إنه “حتى يتم تصحيح المسار الحالي فإن البلد يسير نحو الانهيار الاقتصادي والأمني ومعاناة إنسانية كبيرة”.
العزلة الدولية
يوما بعد يوم ومنذ وقوع الانقلاب العسكري في السودان، تتزايد العزلة الدولية للنظام، وهي تعيد البلاد إلى الحالة التي كانت عليها، إبان فترة حكم الرئيس السوداني المخلوع عمر حسن البشير، مابين عامي 1993 و2019.
وفي بداية شهر نيسان/ أبريل 2021، كان رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قد هدد بصورة صريحة، بطرد المبعوث الخاص للأمم المتحدة فولكر بيريتس من البلاد، متهما إياه بتجاوز صلاحيات تفويضه، فيما بدا أنه سعي للانتقام منه، بسبب شهادته المشار إليها سابقا، أمام مجلس الأمن الدولي، والتي حذر فيها من أن الوضع في السودان، يتجه إلى انهيار أمني واقتصادي.
وتعتبر أوساط مراقبين غربيين، أن التوجه الجديد للسلطات العسكرية في السودان، بالتقارب مع روسيا، في وقت تدير فيه ظهرها لإحلال ديمقراطية بدعم غربي وأممي، يثير مخاوف باتجاه البلاد إلى مزيد من العزلة الدولية، وكان قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو المعروف باسم “حميدتي”، قد أجرى محادثات في موسكو، في 24 شباط/ فبراير الماضي مع كبار المسؤولين الروس، بمن فيهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
ويذكر أن الاتحاد الإفريقي، مايزال يجمد عضوية السودان،منذ وقوع الانقلاب، في حين أوقفت عدة دول، ومؤسسات تمويل دولية، مساعداتها المالية للبلاد، و التي كان من المقرر لها، أن تصل إلى أربعة مليارات دولار خلال العام الحالي، في حين تبدو عملية إعفاء السودان، من نحو 50 مليار دولار، والتي بدأت في العام الماضي؛ مهددة بالإيقاف أيضا.
الإسلاميون إلى المشهد مجددا.
في ظل ما يجمع عليه مراقبون، من عدم وجود إنجازات للحكم العسكري في السودان، منذ وقوع الانقلاب، يعتبر هؤلاء أن الخطوة الأخيرة، بإعادة الإسلاميين إلى المشهد السياسي، تحت سمع وبصر الجيش، ربما تكون محاولة لتحريك المياه الراكدة، أو إظهار نوع من الحراك السياسي في البلا،د في ظل ما تشهده من جمود.
وكان لافتا ذلك الإعلان، من قبل أعضاء بعدة جماعات إسلامية، بينها حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقا، خلال مؤتمر صحفي عقدوه في الثامن عشر من نيسان/إبريل الجاري، عن تدشين ما سمي بـ “التيار الإسلامي العريض”، في إشارة إلى عودتهم الرسمية إلى الحياة السياسة.
وأثارت تلك الخطوة مخاوف، لدى القوى الثورية، والجماعات المطالبة بالديمقراطية، التي نجحت عبر حراكها، في الإطاحة بحكم الرئيس السوداني السابق عمر حسن البشير، وقد اعتبرت أن ذلك، ربما يمثل إيذانا بعودة الإسلامين للمشهد السياسي، وتحالفهم مع القوى العسكرية التي تحكم البلاد بعد الانقلاب، في إطار نظام شمولي.
ومنذ قيام الجيش بانقلابه في السودان قبل ستة أشهر، سُمح للكثير من حلفاء الرئيس المخلوع، عمر البشير بالعودة للخدمة المدنية، بينما أُخرج آخرون من السجون في محاولة على ما يبدو، لتشكيل حكومة وطمأنة المانحين، ويعتبر مراقبون أن تلك التطورات، تعكس جانبا من تحركات السلطات الموجودة في الحكم حاليا، في المنطقة العربية ضد القوى الثورية، التي كانت فاعلة في ماعرف بثورات الربيع العربي، التي انطلقت عام 2011، قبل النجاح في الإنقلاب عليها ووأدها في أكثر من بلد عربي.