قضت محكمة سودانية بعودة خدمة الإنترنت فورا وبعد انقطاع دام عدة أيام، إذ بدأ غداة الانقلاب العسكري الذي شهدته السودان في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ويأتي هذا في وقت يسعى فيه تجمع المهنيين السودانيين إلى حشد الجماهير من أجل إنجاح المسيرة “المليونية” التي سينظمها السبت المقبل للمطالبة بعودة “المؤسسات المدنية والمدنيين إلى السلطة”. لكن في غياب الاتصالات وشبكة الإنترنت، باتت عملية تعبئة الجماهير صعبة خاصة وأن الوضع يبدو هادئا.
في وقت تبدو فيه الحياة عادية في وسط الخرطوم حيث جميع المحلات مفتوحة والازدحام المروري خانقا، يواصل تجمع المهنيين السودانيين التحضير لـ”مليونية” السبت المقبل بهدف الضغط أكثر على المجلس العسكري لكي يتخلى عن السلطة ويعيدها للمدنيين.
ويشكل انقطاع خدمات الإنترنت منذ 15 يوما على الأقل تحديا كبيرا بالنسبة للتجمع، الذي يواجه مشاكل واقعية للتفاعل مع الجمعيات واللجان وعامة السودانيين وحثهم على المشاركة في هذه التظاهرة.
فبعدما كان يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي لتعبئة الشباب، كما وقع ذلك في ثورة 2019 التي أسقطت نظام البشير وأظهرت للعالم عزيمة الشعب السوداني لبناء مصيره بنفسه، يواجه هذه المرة مشاكل لوضع استراتيجية ناجحة للتواصل مع مكونات الشعب السوداني بسبب انقطاع الإنترنت.
ويرى فتحي، وهو شاب شارك في مظاهرات إسقاط نظام البشير في 2019 أن انقطاع خدمة الإنترنت تخدم بالدرجة الأولى مصالح المجلس العسكري الذي يريد ربح الوقت ومنع السودانيين من معرفة ما يجري في بلادهم بعد ما قام بـ”الانقلاب العسكري” ضد المدنيين في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
“هدف قطع الإنترنت هو معاقبة السودانيين”
وقال لفرانس24: “غياب الإنترنت وصعوبة التواصل بين المناضلين ولجان المقاومة وممثلي الأحياء أثر سلبا على التعبئة التي كنا نريد أن نقوم بها. فلقد أصبح من الصعب الاتصال بالآخرين لتبادل الأفكار و إرسال المعلومة والاتفاق على بعض الخطوات التي يمكن أن تقود إلى دحر المجلس العسكري وحتى من أجل تحديد أماكن تنظيم الوقفات الاحتجاجية والتظاهرات”.
وأضاف: “بسبب صعوبة التواصل ونشر الأخبار، تم إلغاء العديد من هذه الوقفات لأن المشاركين المحتملين لم يتم إخبارهم في الوقت المناسب”، داعيا المجلس العسكري ” إلى التخلي عن هذا الأسلوب القديم الذي يهدف فقط إلى معاقبة السودانيين وشل حركتهم اليومية وعزلهم عن باقي العالم في وقت نعيش الرقمية العالمية”.
هذا، وسبق لمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص إلى السودان فولكر بيرتس أن أعلن بداية الشهر الجاري رفضه لقطع خدمة الإنترنت من قبل المجلس العسكري.
وقال: “إن “خدمات شبكة الإنترنت لا تزال مقطوعة معظم الوقت، مما يؤثر في قدرة الناس على تلقي المعلومات والتعبير عن وجهات نظرهم والتواصل، والوضع لا يزال متوترا”.
“الوثيقة الدستورية تتيح حق الوصول إلى الإنترنت لكل الشعب “
هذا، وأثر انقطاع خدمات الإنترنت سلبا على المتعاملين الاقتصادين وعلى اقتصاد البلاد بشكل عام وشرائح كثيرة من المجتمع السوداني، مثل الطلاب الذين يزاولون دراساتهم عبر الإنترنت والأساتذة والمسافرين وكل الذين يستخدمون الشبكة العنكبوتية في حياتهم اليومية.
هذا الوضع جعل ياسر ميرغني عبد الرحمن، رئيس الجمعية السودانية لحماية المستهلك يرفع شكوى أمام القاضي في محكمة الخرطوم، وطلب منه أن يبث في هذه القضية التي أثارت استياء بالغا لدى المواطنين السودانيين.
ياسر ميرغني عبد الرحمان، رئيس الجمعية السودانية لحماية المستهلك رفع دعوى قضائية ضد شركات الاتصالات بالسودان. 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2019
ي
وصرح في مقابلة مع فرانس24: “رفعنا شكوى قضائية ضد أربع شركات اتصالات سودانية في 3 نوفمبر/تشرين الثاني نيابة عن 34 مليون مشترك ووفق المادة 572 من الوثيقة الدستورية التي تتيح حق الوصول إلى الإنترنت لكل الشعب السوداني. وهذه المادة لم يلغها القائد العام في الانقلاب الأخير”.
وتابع: “اليوم (يقصد أمس الثلاثاء) قاضي المحكمة أمر بإعادة خدمة الإنترنت فورا”. لكن رغم قرار القاضي لاحظت فرانس24 أن الإنترنت لم يعد بعد إلى الخدمة ولا يزال السودان مقطوعا عن العالم الخارجي ومعزولا عنه.
وعندما سألناه من يقف وراء عملية قطع خدمة الإنترنت، أجاب: “هناك شركات قالت صراحة بأن عسكريين حضروا بأسلحتهم وأمروا بوقف الخدمة ثم دخلوا حتى غرف التحكم وقطعوا “الكابل”، مضيفا: “نحن نقول بأن هذا السلوك يجد منا الإدانة وسنطالب بالمحاسبة”.
قطع الإنترنت للتستر على الاعتقالات والعنف
وأضاف حول أسباب انقطاع خدمة الإنترنت في السودان منذ عدة أيام قائلا: “ربما لإخفاء شيء ما وعدم الحصول على المعلومة”، مذكرا أن “وظيفة الإنترنت هو تسهيل الحياة خاصة في ظل جائحة فيروس كورونا والذي زاد عدد المصابين بهذا الوباء بسبب غياب الإنترنت “.
وتابع:” مع انقطاع الإنترنت عدنا إلى العصر الحجري. وهذا يمثل في حد ذاته جريمة ووراءها مجرم يجب معاقبته”.
وكان السودان قد عرف انقطاعا مماثلا لخدمة الإنترنت في 2019 دام 36 يوما كاملا. فيما كان المراد من ذلك عدم الكشف عن الاعتقالات والعنف والقتل التي كانت تمارسه المؤسسة العسكرية. كما تم أيضا قطع شبكة الإنترنت في بداية المظاهرات التي أدت إلى سقوط نظام عمر البشير في 11 نيسان/أبريل 201
ولنقل المعلومة وحشد السودانيين للمشاركة في المسيرة التي ستنظم السبت المقبل، قررت لجان الأحياء وجمعيات مشاركة في تنظيم المسيرة الشعبية التجول عبر أزقة الأحياء الشعبية والشوارع الأربعاء لإبلاغ المواطنين شفاهيا بهذه المسيرة وطلب المشاركة فيها.
ويأتي ذلك فيما أعلنت كيانات مهنية جديدة تنفيذ برنامج العصيان المدني يومي الأربعاء والخميس، منها لجنة العاملين في الهيئة القضائية” في السودان التي قررت الإضراب عن العمل والعصيان المدني الأربعاء رفضا لانقلاب الجيش على الحكومة الانتقالية. وكتبت اللجنة في بيان بأنها “ستنفذ الأربعاء إضرابا وعصيانا عن العمل، والخميس وقفة احتجاجية”.