تتواصل التعبئة في السودان ضد ما سماه تجمع المهنيين “الانقلاب العسكري”، إذ من المتوقع أن ينظم المهندسون وموظفو قطاع الاتصالات الثلاثاء وقفة احتجاجية أمام مقر الاتصالات للمطالبة بعودة شبكة الإنترنت ووسائل الاتصال المقطوعة من طرف المجلس العسكري. فيما تواصل اللجان الشعبية والمقاومة تحضير “مليونية” السبت المقبل لرفض الانقلاب وعودة الدولة “المدنية”.
“الشباب يريدها أن تكون مدنية (نقصد بذلك الدولة السودانية) وليس عسكرية. لأن مع العسكر، لا يوجد الأمن والآمان، فقط الضرب والعنف وانعدام الحلول”.
هذه هي الصرخة التي أطلقتها أم الرشيد عبد اللطيف خضر بعد أن تعرض أخوها للضرب من قبل قوات التدخل السريع السودانية التي كسرت قصبة ساقه يوم وقوع الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر/تشرين الأول.
وأضافت هذه الموظفة لفرانس24 بمزيج من الغضب والتشاؤم: “لغاية الآن، لم يقترحوا (العسكر) أي حل ولم يشكلوا الحكومة، بالرغم من أنهم قالوا سيغيرون الوضع. لكن أوضاع البلد لم تتغير والأمن غائب ونحن نشعر بأن البلاد تسير نحو الأسوأ، والدليل أن حتى عصابات المافيا بدأت تظهر في السودان”.
وتأتي تصريحات هذه الشابة بعد تنظيم يومين (الأحد والاثنين) من برنامج العصيان المدني دعا إليه تجمع المهنيين السودانيين وشارك فيه أكثر من 20 مكونا مهنيا فضلا عن عمليات تتريس للعديد من الشوارع خاصة في الأحياء الشعبية، كالدرايسة وبري وشارع الستين وشارع المعرض وفي حي البحري ومناطق متفرقة أخرى من الخرطوم وخارجها.
برنامج للتصعيد الثوري
وبالموازاة، تم تنظيم عدة مواكب ليلية في الأحياء ووقفات احتجاجية، كالتي قام بها المعلمون السودانيون الأحد الماضي أمام مقر وزارة التربية بحي البحري والتي قوبلت بالعنف من قبل قوات الأمن.
ورغم أن الوضع يبدو عاديا في العاصمة السودانية، إلا أن وقفات احتجاجية أخرى يجري التخطيط لها، كتلك التي ينظمها الثلاثاء المهندسون وموظفو قطاع الاتصالات أمام برج الاتصالات بالخرطوم للتنديد بقرار قطع خدمات الإنترنت ووسائل الاتصال حيث قطعت البلاد عن العالم.
من جهته، وضع تجمع المهنيين برنامجا للتصعيد الثوري على مراحل، بدأ بالعصيان المدني على مستوى التجمعات المهنية ثم تطور إلى مستوى الوقفات الاحتجاجية في الأحياء.
وفيما يتوقع أن يبلغ هذا التصعيد ذروته السبت المقبل بمناسبة المسيرة “المليونية” التي ستجوب شوارع الخرطوم للمطالبة “بعودة المدنيين إلى الحكم وعلى رأسهم رئيس الحكومة عبد الله حمدوك الذي هو قيد الإقامة الجبرية، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين والعودة إلى الوضع السياسي والمؤسساتي ما قبل 25 أكتوبر/تشرين الأول”.
شوارع العاصمة السودانية الخرطوم فارغة من السكان. تجمع المهنيين دعا إلى عصيان مدني واغلاق الشوارع بهدف الضغط على المجلس العسكري
المطالبة بعودة المؤسسات المدنية
ومن المتوقع أن تنظم مسيرة “مليونية” أخرى في 17 نوفمبر/تشرين الثاني، وهو اليوم المصادف لتسليم رئاسة مجلس السيادة للمدنيين وفق الوثيقة الدستورية. لكن بعض مواد هذه الوثيقة أصبحت غير صالحة بعد ما حل قائد الجيش عبد الفتاح البرهان هذا المجلس واستولى على الحكم.
وبعيدا عن الحسابات السياسية والتحليلات الصحفية، ما يهم السودانيين هي عودة المؤسسات المدنية والمدنيين بشكل عام إلى السلطة لكي تواصل الثورة مسيرتها وتحقق أهدافها. لكن في حال استمر حكم العسكريين، فإنه من الصعب جدا، حسب أم الرشيد عبد اللطيف خضر، أن “تشرق شمس الحرية والكرامة” على السودان.
وقالت لفرانس24: “مستقبل السودان غير معروف ولا أتوقع أن يتحقق التغيير في غضون سنتين لأن الوضع في الأسفل”.
تحطم نفسي ويأس لدى بعض الشبان السودانيين
وعن السؤال كيف ترين مستقبلك في هذا البلد، أجابت أم الرشيد: ” أنا لا أملك مستقبلا في هذا البلد الذي يكرر نفس الأخطاء. حاولت أن أحقق مشاريع، لكني أُصبت باليأس. الشباب يئس أيضا، يعاني من البطالة ومن المشاكل، يُقتل وحالته الجسدية والنفسية متدهورة جدا. لا أرى شيئا في السودان يمكن أن يبعث الأمل”.
وأنهت قائلة: “الجيل الذي كان من المفروض أن يسير البلد ويتحكم في زمام أموره تعرض إلى القتل. بعض الشبان ماتوا شهداء والبعض الآخر تحطم نفسيا وانتابه اليأس والتعب”.
من جهته، يصف محمد (اسم مستعار) الوضع في السودان بأنه “مزر” إلى درجة “أننا لا نستطيع معرفة ما يجري في بلدنا بسبب الإشاعات والتصريحات المتناقضة التي تصدر من هنا وهناك”.
“العسكري له دور في سودان المستقبل”
التقينا بمحمد في حي “بري” الشعبي. ورغم المشاكل والضغوطات التي تعرضت لها الثورة السودانية منذ سقوط الرئيس عمر البشير في 2019، فهو يرى بأن “الشارع لديه كلامه” في النهاية.
وقال: “في النهاية، ستمشي الحكومة بكلام الشعب غصبا عنها. فالشارع هو الأقوى”، فيما قررالمشاركة في “المليونية” المقبلة كما فعل في جميع المظاهرات السابقة لأنه “يريد التغيير وأن يعود السودان إلى أولاده الحقيقيين”.
تغريده من طاهر هاني تشمل على أربع صور لمواطنين سوادنيين
من ناحيته، صرح أمين يعقوب (62 عاما): “الشباب يقفل الطرقات لأن الوضع لا يعجبه وهو غير موافق على قرارات الجيش ويرفض الحكومة العسكرية. هم يريدونها مدنية”.
وتابع قائلا: “إذا استمر الوضع على هذا النحو، فسنشهد مشاكل أكثر وأكثر. يجب أن يتفق العسكريون مع المدنيين من أجل الخروج من الأزمة علما أن الرجل العسكري له دور في سودان المستقبل. الأهم اليوم هو خفض أسعار المواد الضرورية لأنها أصبحث ثقلا كبيرا على السودانيين ولن يتمكنوا من تحمل هذا الثقل أبدا”.
طاهر هاني، موفد فرانس24 إلى السودان