السودان يدرس تطوير التأمين التكافلي لتوسيع مظلة سوق التأمين المحلية

الخرطوم – يدرس السودان مسألة تطوير التأمين التكافلي لتوسيع مظلة سوق التأمين المحلية، التي تضررت طيلة سنوات بفعل الحظر وسوء إدارة الحكومات المتعاقبة طيلة ثلاثة عقود لهذا المجال.

ويأتي هذا التحرك في إطار سعي الحكومة الانتقالية لتنفيذ برنامجها الإصلاحي، والذي تهدف من خلاله إلى تنويع الاقتصاد ومعالجة الاختلالات المالية المزمنة.

ويقول خبراء في قطاع التأمين إن الخطوة ستعطي زخما جديدا لمجال الصيرفة الإسلامية، والذي يُتوقع أن يرفع من نسبة المواطنين، الذين يتعاملون مع القطاع المصرفي، وسيُلبي حاجيات شريحة واسعة من الأفراد.

ويعتبر قطاع التأمين مكونا أساسيا في القطاع المالي وازدادت أهميته مع التوسع في أعمال التأمين والتعامل مع شركاته وبات القطاع جزءا مكملا للنظام المصرفي، حيث لا يقل أهمية حينما تكون الأصول المالية المتداولة ضخمة.

واعتبر آدم أحمد حسن رئيس الاتحاد العالمي لشركات التكامل والتأمين الإسلامي خلال مؤتمر احتضنته العاصمة الخرطوم في وقت سابق هذا الأسبوع أن السودان “يعتبر مهدا للتأمين الإسلامي منذ العام 1979”.

والتأمين التكافلي أهم منتج في المنظومة المالية الإسلامية (المالية التشاركية)، فهو مرتبط بجميع المنتجات الأخرى، من قبيل المرابحة على العقارات أو السيارات.

وأكد حسن أن تطوير أنشطة التكافل سيؤدي إلى إشراك رأس المال العامل في شركات التأمين التكافلي الإسلامي حتى يصبح جاذبا للشركات لاسيما وأن السودان يشهد تطورات كبيرة من بينها الانفتاح على العالم الخارجي ودخول شركات جديدة للبلاد.

وعقد مؤتمر تطوير تجربة التأمين التعاوني الإسلامي تحت شعار “التأمين التكافلي أصالة وتطوير”، بمبادر من الجهاز القومي للرقابة على التأمين والاتحاد العالمي لشركات التكافل والتأمين الإسلامي، بهدف بلورة تصور يتيح للسلطات القيام بمراجعة شاملة للقطاع وجعله مساهما في التنمية.

ووسط مساع لجذب البنوك العالمية وشركات الصرافة، قررت الحكومة في فبراير الماضي اتباع نظام مصرفي يضم الصيرفة الإسلامية أيضا مع العمل على توسيع المنتجات المقدمة للمتعاملين.

وقال محافظ البنك المركزي السوداني محمد الفاتح زين العابدين حينها إن “السلطات اتخذت قرارا باتباع نظام مصرفي مزدوج يشمل البنوك الإسلامية وغير الإسلامية”.

وأضاف “كان في السودان النظام الإسلامي للبنوك فقط، ولكن سيكون هناك النظام التقليدي للبنوك وندعو البنوك العالمية وشركات الصرافة الكبرى للعمل في السودان”.

ويقول الأمين العام للجهاز القومي للرقابة على التأمين محمد ساتي علي إن الخرطوم تريد القيام بمراجعات وتقويم مسيرة التأمين التعاوني الإسلامي بالبلاد بعد أكثر من أربعة عقود من التطبيق العملي وذلك بالنظر إلى التحولات التي حدثت في المشهد الاقتصادي العالمي والسوداني بما ينبئ بميلاد بيئة منافسة.

وأضاف خلال كلمة له في المؤتمر “نسعى إلى تحفيز رأس المال بالقدر الذي يجعل نظام التأمين التكافلي الإسلامي جاذبا للاستثمار فيه وذلك بالاستفادة من تجارب الدول الأخرى”

وحتى تنجح الخطة، فإن هناك حاجة ماسة لتعديل نسبة توزيع العائد من الاستثمار نظير الإدارة بين أصحاب رأس المال وحملة الوثائق لتصبح 70 في المئة لحملة الأسهم و30 في المئة لحملة الوثائق.

وإلى جانب ذلك رفع نسبة المصروفات الإدارية إلى نحو 30 في المئة من الأقساط المحصلة فعليا على أن تصرف نسبة 2.5 في المئة لتدريب العاملين، وتطبيق كل الصيغ الإسلامية في الاستثمار المشترك وإعادة تقييم أصول حملة الأسهم كلما اقتضى الأمر الزيادة في رأس المال.

وفي مايو الماضي، كشف ساتي أن جهاز الرقابة يعكف على إجراء إصلاحات شاملة في قطاع التأمين، في خطوة تستهدف تمكينه من أداء دوره المنوط لتحقيق النهضة الشاملة في السودان، خاصة في المجال الزراعي.

ورغم هذا التفاؤل من قبل المسؤولين السودانيين إلا أن هناك عراقيل تقف حتى الآن أمام مساهمة قطاع التأمين في التنمية الاقتصادية للبلاد.

ويفترض الكثير من المحللين أن المتغيرات المتمثلة في ضعف السياسة الاستثمارية للبلاد بعد سنوات من العزلة عن الاقتصاد العالمي وعدم الوصول إلى النظام المالي العالمي بسبب العقوبات الأميركية، وضعف القوة العاملة وكذلك ضعف رأس المال، تشكل أهم هذه التحديات.

وخلصت دراسة بعنوان “معوقات مساهمة قطاع التأمين في التنمية الاقتصادية في السودان” أعدها حمد محمود الزين ومجدي المنصور وبابكر فلكي ونشرتها مجلة العلوم والتقانة في العام 2013 إلى أن قطاع التأمين مر بظروف صعبة ولم يتمكن من الصمود ويحتاج إلى عملية إصلاح كبيرة.

وقال معدو الدراسة آنذاك إنه من الضروري إتباع سياسة استثمارية لتحفيز رأس المال العامل في شركات التأمين التعاوني الإسلامي بأسلوب المضاربة والإجارة مع الاهتمام بالتأمين التكافلي لكي يزيد الاستثمار طويل الأجل.

وأشاروا أيضا إلى أن وضع القطاع يقتضي زيادة نسبة الأقساط المعادة في شركة إعادة التأمين الحكومية بدلا من الإعادة في الشركات الأجنبية، إلى جانب فتح فروع جديدة لشركات التأمين السودانية في الولايات لزيادة فرص العمل من أجل استيعاب عمالة جديدة.

ويؤكد خبراء على ضرورة أن يسرع الجهاز المصرفي السوداني في استعادة الثقة بينه وبين عملائه إذ أنه يحتاج إلى بث رسائل تطمينية وتشجيعية، وتعزيز الثقة في التعامل في مختلف الخدمات المالية المتاحة.

وعانى السودان من نقص في السيولة النقدية بينما كانت تخضع تحويلات العملة الأجنبية لرقابة صارمة ما أوصل البلاد إلى مرحلة لم يتمكن فيها المسؤولون من السيطرة على انفلات الأوضاع الاقتصادية.

Share this post