حضّ وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو الاثنين الطرفين المتحاربين في السودان على وقف إطلاق النار، مع تنديد باريس بالطابع الإتني لانتهاكات نُسبت إلى قوات الدعم السريع، في وقت أكد فيه التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، التابع للأمم المتحدة، وقوع مجاعة في مدينتي الفاشر وكادقلي بعد شهور من الحصار والقتال، وبالتزامن بدأ ممثلو الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية بجمع الأدلة على أعمال قتل جماعي واغتصاب بمدينة الفاشر.
وقال بارو خلال زيارة إلى إقليم لواريه في شمال فرنسا “منذ بضعة أيام، تشهد الأوضاع في السودان تفاقما مع سقوط مدينة الفاشر في دارفور والمخاوف المدفوعة بحقائق تبدو مؤكدة، من وقوع فظائع جسيمة بحق عشرات الآلاف من الأبرياء”.
من جهة أخرى، قال متحدّث باسم الخارجية الفرنسية إن “فرنسا تدين بشدّة الفظائع ذات الطابع الإتني التي ارتكبتها قوات الدعم السريع في الفاشر والتي تشمل إعدامات ميدانية ومجازر وعمليات اغتصاب وهجمات ضد طواقم مساعدة إنسانية ونهب وخطف وتهجير قسري”.
وشدّد على أن فرنسا “تحضّ قوات الدعم السريع على وقف هذا الهجوم في شمال دارفور، وخصوصا عدم توسيع نطاق عملياتها في المناطق التي لجأ إليها المدنيون هربا من جرائمهم. يجب محاسبة مرتكبي هذه الجرائم وتقديمهم إلى العدالة”.
واعتبر أن “الوساطة التي قادتها الولايات المتحدة والتي سمحت بالتوصل إلى توافق بين دول عدة ذات ارتباط مباشر بهذا النزاع، هي خطوة أولى مهمة”.
وأضاف “يجب الآن أن يوقف الطرفان المتحاربان إطلاق النار، وأن يلتزما بالقانون الإنساني الدولي لوضع حد نهائي لهذه المأساة”.
وحذّر مكتب المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية الاثنين من أن الفظاعات التي ارتُكبت في مدينة الفاشر “إذا تم إثباتها، قد تشكّل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بموجب نظام روما”.
وتأتي هذه التطورات في ظل حرب مستمرة منذ عامين ونصف بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني، أدت إلى تفشي الجوع وسوء التغذية ونزوح الملايين، وسط تصاعد العنف العرقي في دارفور وتراجع المساعدات الدولية.
الفاشر.. حصار طويل وانهيار إنساني
خضعت مدينة الفاشر لحصار استمر نحو 18 شهرًا قبل سقوطها بيد قوات الدعم السريع أواخر الشهر الماضي، وخلال الحصار، أفاد السكان بانقطاع الإمدادات الغذائية واضطرارهم إلى أكل علف الحيوانات وجلودها، فيما استهدفت طائرات مسيّرة مطابخ عامة كان الناس يتجمعون فيها للحصول على الطعام.
وقال منسق منظمة أطباء بلا حدود سيلفان بينيكود إن جميع الأطفال الذين فروا من الفاشر إلى بلدة طويلة المجاورة وصلوا في حالة سوء تغذية حاد، فيما بدا البالغون في حالة إنهاك شديد. وأعلن ممثلو الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية أنهم يجمعون أدلة على عمليات قتل جماعي واغتصاب ارتكبت بعد سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة.
دارفور وكردفان.. تفاقم الجوع والاقتتال
أوضح التقرير أن مدن طويلة ومليط والطويشة، وهي وجهات للنازحين من الفاشر، معرّضة لخطر المجاعة، وأشار إلى أن عدد السودانيين الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد انخفض بنسبة 6% إلى نحو 21.2 مليون شخص (45% من السكان) بفضل تحسن الأوضاع في وسط السودان، لكنه حذّر من تدهور خطير في دارفور وكردفان مع تركّز القتال هناك.
وأضاف التقرير أن تراجع المساعدات الدولية والعوائق البيروقراطية التي تواجهها الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية فاقم الأزمة ومنع إيصال الغذاء والخدمات إلى المناطق المتضررة.
كادقلي.. مجاعة تحت الحصار
أما في كادقلي، عاصمة ولاية جنوب كردفان، فتخضع المدينة لحصار تفرضه الحركة الشعبية لتحرير السودان المتحالفة مع قوات الدعم السريع، حيث ينتشر الجوع منذ بداية الحرب وأشار التقرير إلى أن مدينة الدلنج المجاورة قد تكون في وضع مماثل، لكن نقص البيانات حال دون التأكيد.
وفي سياق متصل، أعلن الهلال الأحمر السوداني مقتل ثلاثة من متطوعيه في مدينة بشمال كردفان تسيطر عليها قوات الدعم السريع، بعدما ظهروا في مقطع فيديو يتعرضون للضرب قبل وفاتهم.
الجنائية الدولية تحقق بأعمال قتل جماعي في الفاشر
وقال ممثلو الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية الإثنين إنهم يجمعون أدلة على أعمال قتل جماعي واغتصاب مزعومة بعد أن فرضت قوات الدعم السريع شبه العسكرية سيطرتها على مدينة الفاشر، آخر معقل للجيش في منطقة دارفور بالسودان.
وتجري المحكمة الجنائية الدولية تحقيقا في مزاعم الإبادة الجماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبت في دارفور منذ عام 2005 عندما أحالها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لأول مرة، قبل وقت طويل من اندلاع الحرب الأهلية الحالية عام 2023.
وقال ممثلو الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية في بيان “في إطار التحقيق الجاري، يتخذ المكتب خطوات عاجلة فيما يتعلق بالجرائم المزعومة في (الفاشر) للحفاظ على الأدلة ذات الصلة وجمعها لاستخدامها في الملاحقات القضائية في المستقبل”.
وفر أكثر من 70 ألف شخص من الفاشر حتى الآن، وتحدث ناجون لرويترز عن تعرض رجال، غادروا مدينة دارفور بحثا عن الأمان، للقتل.
وقال خبراء إن أعمال العنف المُبلغ عنها تحمل سمات حوادث سابقة في دارفور وُصفت على نطاق واسع بأنها إبادة جماعية. ولا يزال مصير ما يقرب من 200 ألف شخص يعتقد أنهم محاصرون في المدينة مجهولا.
وقالت رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر لرويترز في مطلع الأسبوع إن التاريخ يعيد نفسه في منطقة دارفور، وذلك بعد سقوط الفاشر في قبضة قوات الدعم السريع مما يمنحها سيطرة فعلية على أكثر من ربع السودان.
وفي الشهر الماضي، أدانت المحكمة الجنائية الدولية، ومقرها لاهاي، أول زعيم لميليشيا الجنجويد يمثل أمام المحكمة بتهمة ارتكاب فظائع في دارفور قبل أكثر من عشرين عاما.
