31.1 C
Khartoum

صور الأقمار الصناعية كشفت “نمط ممنهج من القتل والتطهير العرقي” في الفاشر

Published:

الفاشر – دارفور: أكثر من ألفي مدني – معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن – أُعدموا بدم بارد خلال 48 ساعة فقط بعد أن اجتاحت قوات شبه عسكرية مدينة الفاشر، وفقاً لمسؤولين ومراقبين حقوقيين.

قوات الدعم السريع، المتهمة بارتكاب بعض من أبشع الفظائع خلال الحرب السودانية المستمرة منذ عامين، أحكمت سيطرتها على المدينة بعد حصار دام 18 شهراً، لتستكمل بذلك سيطرتها على جميع عواصم ولايات دارفور. وسقوط الفاشر يمثل نقطة تحول مأساوية في حرب طاحنة حصدت آلاف الأرواح.

تطهير عرقي متعمد

كشف تقرير صادر عن “مختبر البحوث الإنسانية” في جامعة ييل الأميركية، استناداً إلى مقاطع فيديو وصور ملتقطة بالأقمار الصناعية، عن وقوع “عمليات قتل جماعي” عقب سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة.

وأوضح التقرير أن الصور أظهرت “نمطاً ممنهجاً من التطهير العرقي المتعمد” يستهدف المجموعات غير العربية، وتحديداً قبائل الفور والزغاوة والبرتي. كما أظهر تحليل الصور وجود “أجسام بحجم الإنسان” قرب مواقع تابعة للدعم السريع تحيط بها “بقع حمراء على الأرض” يُعتقد أنها آثار دماء.

وتم أيضاً رصد جثث في أطراف المدينة، ما يدعم صحة المقاطع التي نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي منذ الأحد، والتي توثق إعدامات جماعية للمدنيين أثناء محاولتهم الفرار. كما أظهرت صور أخرى بالأقمار الصناعية حركة نزوح كثيفة للسكان باتجاه الجنوب، مما يعكس حجم الكارثة الإنسانية المتفاقمة.

عمليات قتل من منزل إلى آخر

وصفت “القوات المشتركة” الموالية للجيش ما جرى بأنه “جرائم فظيعة ضد المدنيين الأبرياء”، مؤكدة أن قوات الدعم السريع نفذت مداهمات منظمة من منزل إلى آخر بين 26 و27 أكتوبر/تشرين الأول، أعدمت خلالها أكثر من ألفي مدني أعزل.

وأكدت مقاطع موثّقة من قبل محللين مستقلين ظهور أحد مقاتلي الدعم السريع – المعروف بمشاركته في مجازر سابقة – وهو يطلق النار على مجموعة من المدنيين من مسافة قريبة. وحذر باحثون في الشأن الإنساني من أن ما حدث يحمل بصمات “حملة تطهير عرقي منسقة” تستهدف الجماعات غير العربية.

وقال شهود ومشاركون في عمليات الإغاثة إن قوات الدعم السريع كانت “تطرق الأبواب منزلاً منزلاً وتقتل الأسر بأكملها”، بينما تصاعد الدخان في أحياء مقطوعة عن شبكات الاتصال لأكثر من أسبوعين.

مخاوف من تطهير واسع

نددت منظمات حقوق الإنسان بما اعتبرته “عملية منظمة ومتعمدة للقضاء على السكان الأصليين غير العرب في دارفور” من خلال القتل الجماعي والنزوح القسري واستخدام سياسة الأرض المحروقة.

دعوات لإنهاء الإفلات من العقاب

وقال “مختبر البحوث الإنسانية” في جامعة ييل: “على العالم التحرك فوراً لممارسة أقصى الضغوط على قوات الدعم السريع وداعميها – لا سيما دولة الإمارات العربية المتحدة – لوقف جرائم القتل”، مشدداً على أن هذه الأحداث الموثقة ترقى إلى “جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”.

من جهته، أعرب الاتحاد الأوروبي عن “قلقه العميق” من تصاعد العنف، ودعا جميع الأطراف إلى التهدئة. وأوضح المتحدث باسم الشؤون الخارجية في الاتحاد، أنور العنوني، “نحن نوثق كل الانتهاكات للقانون الإنساني والدولي لحقوق الإنسان، ولا يمكن السماح بالإفلات من العقاب”.

كما حذّر مفوّض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك من “انتهاكات وجرائم ذات دوافع عرقية”، مؤكداً أن مكتبه تلقى “تقارير مقلقة ومتزايدة عن عمليات إعدام ميدانية” في المدينة.

مدينة أنهكها الحصار والجوع

تأتي المجزرة بعد قرابة عامين من الحصار الذي حوّل الفاشر إلى منطقة منكوبة إنسانياً. وكانت الأمم المتحدة قد حذّرت قبل سقوط المدينة من أن أكثر من 260 ألف مدني – نصفهم من الأطفال – محاصرون داخلها دون طعام أو دواء.

وأعلنت منظمات الإغاثة أن مخيمات النازحين المحيطة بالمدينة دخلت بالفعل في مرحلة المجاعة، فيما اضطر السكان داخل المدينة إلى أكل علف الحيوانات للبقاء على قيد الحياة.

بسقوط الفاشر، أصبحت قوات الدعم السريع تسيطر على جميع عواصم ولايات دارفور، مما يعزز قبضتها على غرب السودان، ويثير مخاوف من ارتكاب فظائع جديدة مع تراجع الاهتمام الدولي بالنزاع.

حرب بلا نهاية

منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 أبريل/نيسان 2023، يعيش السودان في أتون صراع دموي أودى بحياة عشرات الآلاف وشرّد أكثر من 15 مليون شخص، في ما وصفته الأمم المتحدة بأنه “أكبر أزمة جوع ونزوح في العالم”.

ورغم أن كلا الطرفين متهم بارتكاب جرائم حرب، فإن مجزرة الفاشر تمثل مرحلة غير مسبوقة من الوحشية في حرب تنزلق بوتيرة متسارعة نحو العنف العرقي والإبادة الجماعية.

مواضيع مرتبطة

مواضيع حديثة