الخرطوم – فاقمت أزمة الرواتب من معاناة العاملين في القطاع العام بالسودان، في وقت يشهد الجنيه تراجعا غير مسبوق على خلفية الحرب الدائرة منذ أبريل 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع.
ويعكس تأخر صرف الرواتب لأشهر حالة الانهيار التي يشهدها السودان جراء استمرار الحرب، والتي لا يبدو أن هناك أفقا لنهايتها قريبا، في ظل فشل جميع المبادرات التي طرحت للتسوية، أو حتى لتهدئة لبضعة أشهر، كما هو الشأن بالنسبة إلى الهدنة الإنسانية التي طرحتها الرباعية الدولية.
وتجد الحكومة السودانية صعوبة في تأمين رواتب الموظفين، حيث أن معظم الإيرادات تذهب لتشغيل الآلة الحربية، فيما يتسرب جزء منها عبر مسالك الفساد.
وأدى تأخر صرف الرواتب إلى تململ في صفوف الموظفين الحكوميين، ولم يعد يخفي البعض غضبه حيال الوضع الراهن، لتقابل سلطات الأمر الواقع تلك الأصوات بإجراءات “قمعية” على غرار ما تعرض له المعلم طارق ميرغني عبود، الذي تم اعتقاله، من منزله في الثامن من أكتوبر الجاري، من قبل ما تسمى اللجنة الأمنية المشتركة على خلفية مطالبته بصرف رواتب المعلمين المتأخرة.
الحكومة تجد صعوبة في تأمين رواتب الموظفين، حيث أن معظم الإيرادات تذهب لتشغيل الآلة الحربية، فيما يتسرب جزء منها عبر مسالك الفساد
واللجنة الأمنية المشتركة، هي جهاز يضم ممثلين عن الجيش والأجهزة الأمنية، ويعمل تحت إشراف مباشر من الوالي أو الحاكم العسكري.
وتثير تركيبة الجهاز انتقادات واسعة، خاصة بعد أن أعاد انقلاب أكتوبر 2021 عددا من عناصر النظام السابق إلى مواقعهم القيادية.
ويتهم نشطاء سياسيون ونقابيون الجهاز باستهدافهم، في محاولة لتكميم أفواههم وترهيبهم للتخلي عن مطالبهم المشروعة سواء في علاقة بإنهاء الحرب أو في ما يتعلق بتحسين الظروف المعيشية، التي وصلت مستويات خطيرة فبالكاد تغطي الرواتب الحاجيات الأساسية، كما أنها تصل متأخرة.
وأثار اعتقال ميرغني عبدو غضب لجنة المعلمين السودانيين التي طالبت السلطات المحلية في ولاية كسلا بالإفراج الفوري وغير المشروط عنه، متوعدة بالتصعيد.
ووصفت اللجنة في بيان الثلاثاء عملية الاعتقال بأنها جزء من حملة تضييق ممنهجة تستهدف المعلمين والنشطاء النقابيين، مؤكدة أن الاحتجاز تم دون أيّ سند قانوني، ومن دون السماح لأسرته أو محاميه بزيارته. وشددت اللجنة على أن المطالبة بالحقوق المشروعة لا تُعد جريمة، داعية إلى احترام الحريات النقابية ووقف الممارسات القمعية بحق العاملين في قطاع التعليم.
وتشهد المدارس الحكومية في السودان منذ عدة أشهر حالة من الشلل، نتيجة اعتصامات متكررة وإضرابات واسعة النطاق بسبب تأخر صرف الرواتب وتدني الأجور.
جميع العاملين بالدولة من معلمين وأطباء ومهندسين وموظفي الخدمة المدنية باتوا يعيشون تحت خط الفقر المدقع (أقل من 1.9 دولار يوميا)
ويرى مراقبون أن استخدام القوة في كبح الأصوات المطالبة بحقوقها الاجتماعية ستكون له ارتدادات عكسية، لافتين إلى أن المكون النقابي كان المحرك الأساس للاحتجاجات التي أطاحت بنظام عمر حسن البشير في العام 2019.
ويشير المراقبون إلى أن استعداء المكون النقابي، وعدم معالجة الأوضاع المعيشية للموظفين الحكوميين، سيؤلب حتى البيئة الشعبية التي يحتمي بها الجيش.
وكشفت دراسة أجرتها تنسيقية المهنيين والنقابات السودانية، أن الحد الأدنى لكلفة المعيشة لأسرة متوسطة تضم خمسة أشخاص بلغ نحو 1652000 جنيه سوداني (ما يعادل 485 دولاراً)، بينما ظل الحد الأدنى الأساسي للرواتب منذ عام 2022 ثابتا عند 12 ألف جنيه (3.5 دولار شهرياً) بالنسبة إلى الدرجة 17 أسفل السلم الوظيفي، بينما لا يتجاوز 60 دولارا بالنسبة إلى أعلى الدرجات الوظيفية في الخدمة المدنية.
وخلصت الدراسة إلى أن ذلك يعني أن جميع العاملين بالدولة من معلمين وأطباء ومهندسين وموظفي الخدمة المدنية باتوا يعيشون تحت خط الفقر المدقع (أقل من 1.9 دولار يوميا).
وكان تقرير للبنك الدولي أشار إلى أن نسبة الفقر في السودان تجاوزت 71 في المئة من السكان عام 2024، مع معدل تضخم يناهز 170 في المئة