29 C
Khartoum

هجوم كادوقلي يعمّق مأساة السودان: مقتل ستة من حفظة السلام في تصعيد خطير يعيد ملف الحرب إلى الواجهة الدولية

Published:

بورتسودان – 13 ديسمبر 2025 (تحليل خاص)
تصاعدت حدة الحرب السودانية مجددًا نهاية هذا الأسبوع بعد مقتل ستة من جنود حفظ السلام التابعين للأمم المتحدة في هجوم بطائرات مسيّرة استهدف قاعدة لبعثة الأمم المتحدة الأمنية المؤقتة في أبيي (يونيسفا) بمدينة كادوقلي عاصمة ولاية جنوب كردفان.
الحادث، الذي يعدّ الأول من نوعه ضد منشأة أممية منذ اندلاع الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع قبل نحو عشرين شهرًا، فتح بابًا واسعًا للتساؤلات حول مستقبل مهام حفظ السلام في السودان وحدود الصراع المتسع بين طرفي الحرب.

ضربة موجعة للأمم المتحدة و”اختبار عالمي” لحماية قواتها

أكدت بعثة يونيسفا أن الهجوم أسفر عن مقتل ستة جنود وإصابة ستة آخرين، جميعهم من بنغلادش، القوة الأكثر مشاركة في عمليات حفظ السلام الأممية.

ورغم أن المنظمة الأممية حرصت في بياناتها الأولية على عدم توجيه اتهامات مباشرة، فإن لهجة الأمين العام أنطونيو غوتيريش كانت لافتة، إذ وصف الهجوم بأنه “مروع” ودعا مجددًا إلى “وقف فوري للأعمال العدائية”.
غير أن الهجوم يتجاوز بعده الميداني ليشكل تهديدًا مباشرًا لمستقبل بعثات الأمم المتحدة في مناطق النزاع الإفريقية، لا سيما أن استخدام الطائرات المسيّرة – الذي كان سمة مميزة للحرب السودانية الأخيرة – بات ينقل النزاع إلى مستويات تكنولوجية غير مسبوقة في القارة.

صراع الروايات: الجيش يتهم والدعم السريع ينفي

في الخرطوم، تبادلت الحكومة السودانية وقوات الدعم السريع الاتهامات بشأن المسؤولية عن الهجوم.
الجيش السوداني تحدث عن “عمل إرهابي منظم” نفذته طائرة مسيّرة تابعة للدعم السريع، بينما وصفت الحكومة الهجوم بأنه “خرق جسيم للقانون الدولي الإنساني”، ودعت إلى تحرك عاجل من المجتمع الدولي لمحاسبة الجناة.

لكن بيان الدعم السريع، الذي نُشر على قنواتها الرسمية، نفى الاتهامات ووصفها بأنها “محاولة لتلفيق رواية جديدة بعد إخفاقات الجيش الميدانية”.
وفي ظل غياب أدلة ميدانية مستقلة أو تحقيق دولي فوري، تظل الحقيقة غارقة بين الحرب الإعلامية المتبادلة التي تتحكم بها الأطراف المتحاربة لتأطير السرد وفق أجنداتها السياسية.

كادوقلي: مدينة تحت الحصار والمجاعة

مدينة كادوقلي ليست مجرد موقع عسكري؛ إنها رمزٌ لمعاناة الجنوب السوداني منذ اندلاع الحرب. فخلال العام والنصف الأخير، فرضت قوات الدعم السريع ومجموعات متحالفة معها حصارًا خانقًا على المدينة، مما أدى إلى توقف الإمدادات واندلاع مجاعة أكدت الأمم المتحدة رسمياً وقوعها في نوفمبر الماضي.

خرطة توضح منطقة كادوقلي

الهجوم على قاعدة يونيسفا يأتي إذًا في سياق أوسع من الدمار المنهجي للبنى المدنية والإنسانية، حيث تُستهدف المستشفيات والمدارس كما حدث قبل أسبوع في مدينة كلوقي عندما أدى قصف جوي إلى مقتل 114 شخصًا، بينهم 63 طفلًا، طبقًا لبيانات منظمة الصحة العالمية.

البُعد الاستراتيجي: دعم سريع يتمدد والجيش يتراجع

من الناحية العسكرية، يمثل إقليم كردفان بولاياته الثلاث (جنوب، شمال، وغرب) نقطة استراتيجية فاصلة في المشهد السوداني.
فالإقليم الغني بالنفط يشكل رابطًا لوجستيًا بين دارفور غربًا – المعقل التقليدي للدعم السريع – والمناطق الوسطى والشمالية التي لا يزال الجيش يحتفظ فيها بسلطان نسبي.

محللون يرون أن استهداف كادوقلي وتكثيف العمليات فيها هو جزء من خطة الدعم السريع لتطويق الجيش من الجنوب الشرقي بعد سيطرتها على مدينة الفاشر في دارفور خلال أكتوبر الماضي.
ووفق مراقبين عسكريين، فإن استمرار انتشار الطائرات المسيّرة واستخدامها في ضرب أهداف عسكرية وإنسانية على حد سواء ينذر بمرحلة جديدة قد تُحول الحرب إلى نزاع طويل الأمد متعدد الجبهات.

عجز دولي وفوضى إنسانية

الحرب، التي اندلعت في أبريل 2023 بسبب خلافات حول دمج قوات الدعم السريع في الجيش النظامي، ما تزال بعيدة عن التسوية السياسية رغم وساطات إفريقية وعربية ودولية متكررة.
تسببت المعارك حتى الآن في مقتل عشرات الآلاف ونزوح أكثر من 13 مليون شخص، بحسب الأمم المتحدة، في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية المعاصرة التي تهدد الاستقرار في شرق ووسط إفريقيا.

وفي ظل إنهاء معظم البعثات الدبلوماسية الدولية لوجودها داخل السودان، تتراجع فرص التوصل إلى هدنة حقيقية، بينما يتحول البلد تدريجيًا إلى ساحة صراع إقليمي بالوكالة تتداخل فيها مصالح قوى خارجية من الشرق الأوسط والقرن الإفريقي.

واشنطن والرياض… وغياب الحل

ورغم تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الشهر الماضي عن “تحرك لإنهاء الحرب” بعد لقائه في واشنطن بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، فإن الدلائل على أي تحرك فعلي تبقى معدومة.
المشهد الميداني المتشظي، وانقسام الولاءات داخل المؤسسة العسكرية، وتضارب المصالح الإقليمية، تجعل من الحرب السودانية نموذجًا صارخًا لفشل النظام الدولي في احتواء النزاعات المعقدة داخل الدول المنهارة.

تداعيات محتملة وأفق غامض

هجوم كادوقلي الأخير لا يمثل مجرد حادث عابر في حرب منسية، بل هو جرس إنذار حقيقي للأمم المتحدة والمجتمع الدولي حول مدى هشاشة منظومات السلام والأمن الدولي في مواجهة الحروب الجديدة التي تمزج بين الكلاسيكي والتقني.
ومع استمرار الحصار والجوع والدمار، يبدو أن السودان يتجه نحو مرحلة انهيار شامل لمؤسساته المدنية والإنسانية، فيما تظل سماء كادوقلي شاهدًا على حرب لا تُبقي ولا تذر.

مواضيع مرتبطة

مواضيع حديثة