32.3 C
Khartoum

حركة الحلو تقلب المشهد العسكري وتستعيد السيطرة على حامية مبسوط بجنوب كردفان

Published:

الخرطوم – أعلنت الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، أن قواتها المعروفة بـ”الجيش الشعبي” تمكنت من استعادة السيطرة على حامية مبسوط الواقعة في مقاطعة تقلي الجديدة بولاية جنوب كردفان.

وجاء في بيان الحركة الصادر امس الخميس أن السيطرة على الحامية تمت بعد انسحاب القوات المسلحة التي وصفتها الحركة بأنها “تابعة لتنظيم الحركة الإسلامية الإرهابية”، مؤكدة أن العملية تمثل خطوة جديدة في مسارها العسكري.
وأضاف البيان أن قوات الجيش الشعبي ستواصل تقدمها لتحرير كافة الحاميات والمواقع العسكرية في الإقليم، مشددًا على أن الهدف هو فرض السيطرة الكاملة على المناطق الحيوية في جنوب كردفان.
تطورات سيطرة الجيش الشعبي على حامية مبسوط في ولاية جنوب كردفان تعكس حلقة جديدة في مسار صراع طويل بين الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال والسلطات المركزية في الخرطوم، وتؤشر إلى رغبة جناح عبد العزيز الحلو في تكريس واقع ميداني جديد يمنحه وزناً أكبر في أي تسوية سياسية مقبلة. هذه الخطوة لا تُقرأ كتحرك تكتيكي معزول، بل كجزء من استراتيجية عسكرية تستهدف إعادة رسم خريطة النفوذ في إقليم ذي أهمية استراتيجية واقتصادية وأمنية بالغة.​

خلفية الحركة والصراع

تعود جذور الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال إلى الحرب الأهلية السودانية الثانية عندما انخرطت قيادات من جبال النوبة وجنوب كردفان في صفوف الحركة الأم بقيادة جون قرنق، مطالبة بإعادة هيكلة الدولة السودانية على أسس جديدة قائمة على المواطنة المتساوية. وبعد انفصال جنوب السودان عام 2011، استمر جناح الشمال بقيادة شخصيات منها عبد العزيز الحلو في حمل السلاح احتجاجاً على ما يعدّه تهميشاً سياسياً وتنموياً وثقافياً لمناطق الهامش.​

يركز جناح الحلو على مطلب رئيس يتمثل في إقامة دولة مدنية علمانية تضمن حقوق المكونات غير العربية وغير المسلمة، وعلى رأسها سكان جبال النوبة، باعتباره شرطاً جوهرياً لأي اتفاق سلام مستدام. هذا الطرح أوجد فجوة تفاوضية عميقة مع الحكومات المتعاقبة في الخرطوم، وأدى كذلك إلى انقسامات داخل الحركة نفسها بين تيار متشدد على هذا المطلب وتيارات أخرى تميل إلى حلول وسط.

الأبعاد العسكرية للسيطرة على الحامية

تمثل السيطرة على حامية مبسوط تعزيزاً لقدرات الجيش الشعبي في عمق جنوب كردفان، بما يسمح له بتأمين خطوط الإمداد وتوسيع نطاق العمليات في مناطق متاخمة. عسكرياً، تعني خسارة الحكومة لحامية كهذه تراجعاً في قدرتها على مراقبة الطرق والمسارات الحيوية، وتقييداً لحركتها الميدانية في إقليم تتميز تضاريسه الوعرة بصعوبة السيطرة من دون حاميات متقدمة.​

كما أن انسحاب القوات الحكومية سواء كان انسحاباً تكتيكياً أم نتيجة ضغط ميداني يبعث برسالة إلى بقية الوحدات في المنطقة بأن ميزان القوة على الأرض يميل تدريجياً لصالح الحركة الشعبية شمال في بعض الجيوب. هذا قد يشجع الحركة على تكرار مثل هذه العمليات ضد حاميات أخرى، تنفيذاً لما ورد في بيانها بشأن مواصلة التقدم لتحرير كافة المواقع العسكرية في الإقليم.​

التداعيات السياسية والإقليمية

سياسياً، يمنح التقدم الميداني جناح الحلو ورقة قوة إضافية في أي مفاوضات سياسية قادمة، إذ يثبت قدرته على فرض وقائع على الأرض وليس مجرد الاعتماد على الضغوط الدبلوماسية. هذا التطور قد يدفع أطرافاً إقليمية ودولية إلى إعادة تقييم مقارباتها تجاه الصراع في جنوب كردفان، خاصة في ظل تداخل الأزمة هناك مع الحرب الأوسع في السودان والتنافس بين الفاعلين المسلحين.​

كما أن تشديد الحركة على ربط التقدم العسكري بمشروع سياسي يقوم على إعادة صياغة علاقة المركز بالأقاليم يجعل من كل انتصار ميداني أداة لرفع سقف المطالب، لا مجرد مكسب جغرافي. وفي المقابل، قد يثير ذلك مخاوف في الخرطوم من تحوّل السيطرة على مناطق إضافية إلى نقطة انطلاق لمطالب تقرير مصير أو إعادة ترسيم للحدود الداخلية إذا تعثرت المسارات التفاوضية.​

الانعكاسات على السكان المحليين

على المستوى الإنساني، تحمل هذه التطورات وجهين متناقضين لسكان المنطقة: فمن جهة، ترى بعض المجتمعات في جبال النوبة في تقدم الجيش الشعبي فرصة للحصول على هامش أكبر من الإدارة الذاتية وحماية خصوصيتها الثقافية والعرقية. ومن جهة أخرى، يخشى المدنيون من تجدد موجات النزوح والانتهاكات المرتبطة بالقتال، خاصة إذا تحولت الحاميات والمواقع العسكرية إلى بؤر مواجهة مستمرة بين الطرفين.​

وجود قوة عسكرية معارضة تسيطر على حاميات ومراكز حيوية قد يؤدي إلى إعادة تشكيل إدارة الخدمات المحلية من تعليم وصحة وأمن، وهو ما تسعى الحركة إلى توظيفه سياسياً لكسب الحاضنة الشعبية عبر تقديم نموذج بديل للحكم في مناطق نفوذها. لكن بقاء الإقليم ساحة تنازع بين سلطتين متوازيتين يزيد من هشاشة الاستقرار، ويُبقي حياة السكان رهينة تفاهمات ميدانية قابلة للانهيار في أي لحظة.​

آفاق التصعيد أو التهدئة

إذا واصلت الحركة الشعبية – شمال توسيع نطاق عملياتها واستعادة المزيد من الحاميات، فستتجه الأزمة في جنوب كردفان إلى طور تصعيدي قد ينعكس سلباً على مجمل المشهد السوداني المتخم أصلاً بالصراعات المسلحة. هذا السيناريو قد يدفع القوى الإقليمية والوساطة الدولية إلى إدراج ملف الحلو وجناحه ضمن أولوية أي مبادرة شاملة لوقف إطلاق النار وإطلاق مسار سياسي جديد يشمل كل الفاعلين.​

أما إذا استُثمر هذا التحول الميداني كرافعة للضغط من أجل مفاوضات جدية تتناول جذور الأزمة، مثل قضايا العلمانية، وتقاسم السلطة والثروة، وضمان حقوق الأقاليم المهمشة، فقد يتحول حدث السيطرة على حامية مبسوط من مجرد انتصار عسكري إلى محطة مفصلية على طريق تسوية أوسع. غير أن تحقيق ذلك يتوقف على استعداد جميع الأطراف للانتقال من منطق كسر الإرادة إلى منطق بناء ترتيبات سياسية جديدة تعيد تعريف الدولة السودانية وعلاقتها بأطرافها.

مواضيع مرتبطة

مواضيع حديثة