25.2 C
Khartoum

نيويورك تايمز: السودان في سقوط حر.. والصمت الدولي سيقود لانهياره

Published:

تحذّر مقالة منشورة في نيويورك تايمز من أن استمرار الصمت الدولي سيقود إلى سقوط السودان وانهيار القرن الإفريقي، مؤكدة أن الحياد أمام الإبادة خيانة للضمير الإنساني.

ويشهد السودان انهيارًا إنسانيًا غير مسبوق مع تصاعد مجازر قوات الدعم السريع في دارفور وبلوغ عدد القتلى مئات الآلاف، وسط صمت دولي وتواطؤ إماراتي يمول ويسلّح الميليشيا وفق تقارير استخباراتية.

وجاء في المقالة أنه بينما كان آلاف المدنيين يفرّون من حمّام الدم في مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور، قرر الصحافي السوداني معمّر إبراهيم البقاء لتوثيق الجرائم. اختطفته ميليشيات قوات الدعم السريع، ولا يزال مصيره مجهولًا.

أما محمد المكّي، أستاذ الهندسة المعروف بخدمته لمجتمعه، فأرسل عائلته إلى برّ الأمان وبقي ليعتني بجده المسن. وعندما حاول الهروب من المدينة، أُلقي القبض عليه في بلدة قريبة، ثم أُعدم.

هاتان القصتان ليستا سوى غيضٍ من فيض مئات الحكايات لأشخاص خاطروا بحياتهم لإنقاذ غيرهم، في وقتٍ يعيش فيه السودان أفظع مراحل الحرب منذ اندلاعها قبل عامين ونصف بين الجيش النظامي وميليشيا الدعم السريع.

تقدّر بعض التقارير أن عدد القتلى تجاوز 400 ألف شخص — قُصفوا أو أُعدموا أو ماتوا جوعًا. والآن دخلت المأساة فصلها الأكثر ظلامًا في الفاشر

تقدّر بعض التقارير أن عدد القتلى تجاوز 400 ألف شخص — قُصفوا أو أُعدموا أو ماتوا جوعًا. والآن دخلت المأساة فصلها الأكثر ظلامًا في الفاشر، التي قال عنها منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فلتشر إنها “انحدرت إلى جحيمٍ أكثر سوادًا”.

مجازر لا توصف

منذ سيطرة ميليشيا الدعم السريع على الفاشر الأسبوع الماضي، ارتُكبت سلسلة من الفظائع الجماعية:

قتل مئات المرضى والأطباء في آخر مستشفى عامل في المدينة.

إحراق المدنيين وهم أحياء.

إجبار الرجال على حفر قبورهم قبل دفنهم أحياء.

اقتحام المنازل وقتل من فيها، بمن فيهم ذوو الإعاقة الذين لم يتمكنوا من الفرار.

الجرائم موثّقة بشهادات ناجين ومنظمات إغاثة وصور أقمار صناعية، بل وبمقاطع مصوّرة نشرها القتلة أنفسهم.

مختبر الأبحاث الإنسانية في جامعة ييل استخدم صور الأقمار الصناعية والبيانات الميدانية لتأكيد أن القتل والاغتصاب يتم على نطاق لا يمكن للعقل تصوّره.

الميليشيا تستهدف، كما منذ بداية الحرب، المجموعات الإفريقية الأصلية مثل قبيلة المساليت.

وبحسب هيومن رايتس ووتش، قتل عناصر الدعم السريع ما بين 10 إلى 15 ألف مدني في مدينة الجنينة بغرب دارفور عام 2023 وحده.

المموّل الرئيسي: الإمارات

بحسب الصحيفة، هذه الإبادة كان يمكن إيقافها لو مورِس الضغط على الجهة التي تملك مفتاحها المالي والعسكري: الإمارات العربية المتحدة.

فوفقًا لتقارير منظمات حقوقية وصحافيين ومصادر استخباراتية أمريكية، تعدّ الإمارات المموّل والمجهّز الرئيس لآلة الحرب التابعة للدعم السريع — رغم نفيها المتكرر لذلك.

تشير التحقيقات إلى أن أبوظبي تمد الميليشيا بالسلاح والطائرات المسيّرة والوقود عبر شبكات لوجستية تمتد من تشاد وليبيا وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان إلى أوغندا، وتدير بذلك اقتصاد حربٍ إقليميًا يوفّر للدعم السريع سبل البقاء.

الهدف، كما يوضح الخبراء، هو السيطرة على الذهب السوداني وساحل البحر الأحمر، ومنع قيام نظام ديمقراطي في الخرطوم قد يعيد السودان إلى محورٍ مدنيٍّ غير موالٍ للأنظمة السلطوية في المنطقة.

واشنطن… صمت وتواطؤ

ورغم هذه الأدلة، لم تتخذ إدارة ترامب أي خطوات جدّية للجم الإمارات. لم تُعيّن مبعوثًا خاصًا للسودان، ولم تضغط عبر نفوذها الأمني، رغم أن واشنطن تبيع لأبوظبي مليارات الدولارات من الأسلحة وتمنحها وضع “الشريك الدفاعي الرئيسي”.

حتى الآن، لم تُحدث محادثات السلام الرباعية (الولايات المتحدة، السعودية، مصر، الإمارات) أي تغييرٍ ملموس على الأرض، فيما المجازر مستمرة.

لكن لدى الولايات المتحدة أدوات ضغطٍ فعّالة: يمكنها تجميد مبيعات الأسلحة إلى الإمارات حتى توقف دعمها للميليشيا. كما يمكنها توسيع العقوبات على شبكات الذهب والتمويل التي يستخدمها الدعم السريع، وتطبيق العقوبات القائمة بصرامة.

مشروعات قوانين بهذا الشأن قُدّمت بالفعل في الكونغرس — ويجب تمريرها بسرعة.

الشركات العالمية متورطة بالصمت

النفوذ لا يقتصر على الحكومات. فالإمارات، في سعيها إلى تلميع صورتها، تعتمد على تحالفاتها مع كبرى الشركات والمؤسسات الثقافية والرياضية الغربية، من أبرزها: رابطة كرة السلة الأمريكية (NBA)، التي تنظم كأس الإمارات في أبوظبي، وشركة ديزني، التي تستعد لافتتاح مدينة ترفيهية ضخمة في العاصمة الإماراتية.

هؤلاء الشركاء يستطيعون الضغط — بل عليهم واجبٌ أخلاقي بذلك.

فإذا أعلنت الـ NBA مثلًا أن كأس هذا العام سيكون الأخير ما لم تتوقف الإمارات عن دعم الميليشيا، فإن صدى القرار سيتجاوز الملاعب ليصل إلى قصور الحكم في الخليج.

انهيار إنساني وجيوسياسي وشيك

اليوم، مئات الآلاف من المدنيين محاصرون أو نازحون حول الفاشر، بينهم 650 ألفًا في بلدة طويلة جنوب غربي المدينة.

في حال نجح الدعم السريع في ترسيخ سيطرته، سيكون العالم قد سمح رسميًا لميليشيا إبادة جماعية بأن تنتصر دون عقاب

وفي حال نجح الدعم السريع في ترسيخ سيطرته، سيكون العالم قد سمح رسميًا لميليشيا إبادة جماعية بأن تنتصر دون عقاب.

سقوط السودان لن يكون مأساة محلية فقط؛ بل سيعني انهيار القرن الإفريقي بأكمله، وتدفّق موجات لجوء ضخمة نحو الساحل وأوروبا، وتشجيع الميليشيات المسلحة في المنطقة على تكرار النموذج.

بين الصمت والضمير

قال الناجي من الهولوكوست إيلي فيزل: “الحياد يساعد الجلاد، لا الضحية. الصمت يشجع المعذِّب، لا المعذَّب”. إن كسر هذا الصمت بات مسؤولية مشتركة — من الرؤساء إلى الشركات إلى المشاهير.

قد تكون كلفة اتخاذ موقفٍ اقتصاديةً وسياسيةً، لكن كلفة الاستمرار في الصمت تُقاس بالأرواح: بـ“معمّر” آخر، و“محمد” آخر، وبمستقبل وطنٍ يُمحى أمام أعين العالم.

وتختتم المقالة: الوقوف الحازم مع الشعب السوداني ليس خيارًا أخلاقيًا فحسب، بل هو الطريق الوحيد لإنقاذ ما تبقّى من إنسانيّة هذا القرن.

عرض صحيفة: “القدس العربي

مواضيع مرتبطة

مواضيع حديثة