25.2 C
Khartoum

لوموند: هكذا تحاول قوات “الدعم السريع” محو آثار جرائمها في الفاشر

Published:

باريس- “القدس العربي”: تحت عنوان “في الفاشر.. تحاول القوات شبه العسكرية محو آثار جرائمها”؛ قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية إنه وبعد أكثر من أسبوع على الهجوم الأخير لقوات “الدعم السريع” على المدينة السودانية، والذي قد يكون أوقع عدة آلاف من القتلى من المدنيين دون توفر حصيلة موثوقة، تتوالى الشهادات تباعًا مع فرار المدنيين. فباستثناء الصور التي صورها رجال الجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي، لم تتسرّب سوى معلومات قليلة من المدينة.

ماتيلد فو: تصل أسرة من كل 9 معها أطفال ليسوا أبناءها. فقد تفرّقت العائلات بسبب المعارك. وفي لحظات الذعر، يحملون أطفالًا قُتل أو اعتُقل أو اختفى آباؤهم

وقد جمعت صحيفة “لوموند” العديد من الشهادات- صوتية ومرئية ومكتوبة- نقلتها مصادر مستقلة من طويلة، بما في ذلك شهادة مريم (تم تغيير الاسم)، وهي من سكان الفاشر لجأت إلى منطقة طويلة، على بعد حوالي خمسين كيلومترًا غرب الفاشر، والتي تقول: “كانت الشوارع مغطاة بالجثث. لقد قتلوا، نعم قتلوا… أطفالًا، نساءً، رجالًا. بعضهم سُحق تحت المركبات. كان مشهدًا مرعبًا. لقد اختطفوا أيضًا أطفالًا وفتيات، وحتى الآن لا نعرف أين هنّ. لم نعثر عليهنّ، ولا حتى على جثثهنّ”.

صراع مستمر منذ أكثر من عامين ونصف

ومع اقتحام الجنود للمنازل واحدًا تلو الآخر، قفزت مريم وأقاربها فوق جدار الجيران وفرّوا نحو الشمال. أوقفتهم قوات “الدعم السريع” عند حاجز، فتعرّضوا للتفتيش والنهب والاستجواب والضرب. تقول الأم، البالغة من العمر 28 عامًا: “لقد أخذوا منا كل شيء، حتى ملابسنا”.
وبعد تسعة أيام من السير عبر الصحراء، حاملة أطفالها المنهكين، وسلكت الطرق الوعرة لتجنّب الحواجز، وصلت أخيرًا إلى طويلة، عند سفوح جبل مرة، حيث تسيطر جماعة متمردة بقيت رسميًا محايدة في الصراع المستمر منذ أكثر من عامين ونصف، توضح صحيفة “لوموند”.
وبحسب الأطباء هناك، يصل الناجون في حالات مزرية، وتظهر على معظم الأطفال علامات سوء التغذية الحاد.
تقول مريم: “نحن مرهقون. نحن الآن في مكان آمن، لكن قلوبنا ليست مطمئنة. لم نستطع العثور على أزواجنا. لا نعرف إن كانوا أحياء أم أمواتًا”. ويروي الشهود أنه مع وصول كل مجموعة جديدة من الناجين، تهرع النساء إليهم بحثًا عن وجه أب أو أخ أو ابن.
وكحال مريم، فرّ أكثر من 71 ألفًا من سكان الفاشر منذ سيطرة قوات “الدعم السريع” على المدينة، وفقًا للمنظمة الدولية للهجرة. ومن بين هؤلاء، لم يصل إلى طويلة سوى حوالي 7 آلاف شخص؛ فيما يُقدّر أن نحو 15 ألفًا لجأوا إلى مدينة دبة في شمال السودان؛ بينما انتقل بضعة آلاف إلى شرق دارفور. وقد عبّرت ماتيلد فو، مسؤولة المناصرة في المجلس النرويجي للاجئين، عن قلقها قائلة: “لكن أين الباقون؟ هذه الأرقام ضئيلة مقارنة بأعداد النازحين جراء الهجمات. أين ذهبوا؟ هذا أمر مرعب!”.


وبحسب منظمة إنقاذ الطفولة، استقبلت طويلة ما لا يقل عن 170 قاصرًا غير مصحوبين. بينما يُحصي مكتب تنسيق النازحين واللاجئين في دارفور حوالي 750 يتيمًا. وتضيف ماتيلد فو: “وفق تقديراتنا الأولية، تصل أسرة من كل تسع معها أطفال ليسوا أبناءها. فقد تفرّقت العائلات بسبب المعارك وأحيانًا عند نقاط التفتيش. وفي لحظات الذعر، يحملون أطفالًا قُتل أو اعتُقل أو اختفى آباؤهم”.

إدانات دولية

وتتابع صحيفة “لوموند” موضحةً أن معظم الناجين الذين يصلون إلى طويلة فقدوا أثر أحد أفراد عائلتهم على الأقل. كما يُفضّل الكثيرون عدم الإفصاح عن هوياتهم خوفًا من الانتقام ضد أقاربهم المحتجزين لدى قوات “الدعم السريع” في الفاشر، أو في معسكرات اعتقال حولها.
وإن لم يُقتلوا فورًا، فقد اعتُقل مئات المدنيين عند الحواجز المحيطة بالمدينة. وتُظهر العديد من مقاطع الفيديو رجالًا يجبرون الأسر تحت تهديد السلاح على دفع فديات تصل إلى آلاف اليوروهات، تُحوَّل عبر تطبيقات مصرفية إلكترونية مقابل إطلاق سراحهم. وتنقل صحيفة “لوموند” عن عامل إنساني طلب عدم الكشف عن اسمه، تأكيده أن الأمر أصبح تجارة.
وأمام موجة الإدانات الدولية، اعترف حميدتي، في خطاب مسجّل، بوجود “تجاوزات” من قواته، ووعد بفتح لجنة تحقيق. وأكدت قوات “الدعم السريع” أنها أوقفت عددًا من مقاتليها، من بينهم قائد يُلقَّب بأبي لولو، ظهر في مقاطع مصوّرة وهو يُتَّهم بارتكاب جرائم، وقد وُضع في الاعتقال أمام كاميرات الجماعة. غير أن منظمات حقوقية سودانية عديدة نددت بهذه اللقطات باعتبارها محاولة لتبييض صورة قيادة قوات “الدعم السريع”، لا سيما أن عبد الرحيم دقلو، شقيق حميدتي، الذي دعا قواته إلى “عدم أخذ أسرى”، كان يقود الهجوم الأخير على الفاشر.

مقابر جماعية وردم للطمس

وتتابع صحيفة “لوموند” القول موضحةً إنه مع تزايد الضغط الدولي، بدأت قوات “الدعم السريع” وحلفاؤها المدنيون في حملة مضادة إعلامية، حيث نفت، عبر المتحدث باسم تحالف “تأسيس”، بشكل قاطع، اتهامات جرائم الإبادة في الفاشر، واعتبرت نفسها ضحية “حملة تضليل”.
كما نشرت لقطات ادّعت فيها نشر الشرطة في شوارع المدينة، وتوزيع قوات “الدعم السريع” مساعدات إنسانية. وظهرت مقاطع لأطباء تقول إنها تثبت أنهم يُعاملون بشكل جيد وأن الوضع هادئ. بل وظهر حميدتي نفسه ليلاً وهو يربت على رؤوس أطفال بدوا مذعورين.
لكن كل الدلائل تشير إلى أن قوات “الدعم السريع” تعمل على طمس آثار الجرائم، تؤكد صحيفة “لوموند”، مُشيرةً إلى أنه من خلال صور الأقمار الصناعية، أكد مختبر الأبحاث الإنسانية بجامعة ييل ظهور ما لا يقل عن مقبرتين جماعيتين في الفاشر، حُفرت لدفن جثث كانت مرئية من الجو. وقال ناثانيال ريموند، الباحث في المختبر: “لا يمكننا تقدير عدد الجثث لأنها كانت مكدسة فوق بعضها. كما لاحظنا حركة بلدوزرات وشاحنات يُرجَّح أنها تنقل جثثًا، وهذه التحركات تتسارع”، محذّرًا من مصير نحو 190 ألف مدني محاصرين بالفاشر ويعانون خطر المجاعة.
كما تشير صور الأقمار الصناعية إلى أن قوات “الدعم السريع” أضرمت النار في مقبرتين جماعيتين: الأولى قرب المستشفى السعودي، والأخرى على أطراف خندق رملي بطول 55 كيلومترًا حول المدينة. ويقول الباحث الأمريكي: “كل المؤشرات تدل على أن قوات الدعم السريع تخفي أدلة المجازر”.

باحث: لا يمكننا تقدير عدد الجثث لأنها كانت مكدسة فوق بعضها. كما لاحظنا حركة بلدوزرات وشاحنات يُرجَّح أنها تنقل جثثًا، وهذه التحركات تتسارع

مشروع هدنة

ومضت صحيفة “لوموند” مشيرةً إلى أنه سبق لقوات “الدعم السريع” شبه العسكرية أن اتبعت هذه الأساليب.. ففي أعقاب المجازر والتطهير العرقي في الجنينة غربي دارفور، في يونيو عام 2023، والتي أوقعت ما بين 10 آلاف و15 ألفًا قتيلًا خلال أيام، قامت القوات بالتخلص الممنهج من الجثث عبر شاحنات ورميها في ما لا يقل عن ثلاث عشرة مقبرة جماعية، وفق الأمم المتحدة.
ويشدّد ريموند: “يتوجب على الأمم المتحدة إرسال بعثة تحقيق مستقلة إلى الفاشر فورًا. لا يمكن أن نسمح لقوات الدعم السريع بمحو آثار جرائمها”.
وقد عبّر مكتب الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية، يوم الإثنين 3 نوفمبر، عن “قلقه البالغ” حيال التقارير المتعلقة بعمليات قتل وانتهاكات أثناء الهجوم على الفاشر، وأكد أنه يملك الولاية للتحقيق في الجرائم المرتكبة منذ شهر أبريل عام 2023.
ومع تنفيذ قوات “الدعم السريع” سلسلة هجمات دامية في إقليم كردفان، عقب سيطرتها على الفاشر، بما فيها هجوم بطائرة مسيّرة أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 40 شخصًا أثناء جنازة في الأبيض، أعلنت الجماعة، مساء الخميس، عن استعدادها لتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار مع الجيش النظامي ضمن مفاوضات غير مباشرة تقودها الولايات المتحدة منذ أسابيع.
لكن ريموند يرد قائلًا: “في كل مرة قالت قوات الدعم السريع إنها مستعدة لهدنة، ارتكبت مجزرة. إنهم يستغلّون المفاوضات الدولية لتغطية الفظائع التي يرتكبونها. وفي المقابل، تخلي القوات المسلحة السودانية المدنيين دائمًا كلما تعرضت قواتها للتهديد”.
ويبدو- بحسب صحيفة “لوموند” دائمًا- أن مشروع الهدنة بلا حظوظ للنجاح. فبعد اجتماع طارئ لمجلس الدفاع في بورتسودان، رفض الجنرال البرهان، قائد الجيش السوداني، أي تفاوض ما لم تنسحب قوات “الدعم السريع” من المناطق المأهولة بالسكان. كما دعا للتعبئة العامة لـ“القضاء على الميليشيات المتمردة”، وكثّف الاتصالات مع حلفائه المصريين والأتراك للحصول على دعم عسكري أكبر.

مواضيع مرتبطة

مواضيع حديثة