تتواصل الإدانات الدولية والعربية للانتهاكات التي تتحدث تقارير ميدانية عن ارتكابها في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، بعد سيطرة قوات الدعم السريع عليها مطلع الأسبوع، وسط دعوات متصاعدة لوقف إطلاق النار وفتح ممرات إنسانية عاجلة لإنقاذ عشرات الآلاف من المدنيين المحاصرين.
مقتل أكثر من ألفي مدني خلال يومين
وقالت القوة المشتركة الموالية للجيش السوداني، في بيان الثلاثاء، إن قوات الدعم السريع نفّذت “إعدامات جماعية بحق أكثر من ألفي مدني أعزل” يومي 26 و27 أكتوبر/تشرين الأول، معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن، واصفة ما حدث بأنه “جرائم فظيعة ضد الإنسانية” ارتُكبت عقب انسحاب القوات المسلحة من المدينة.
وأكدت تقارير من “مختبر البحوث الإنسانية” بجامعة ييل الأميركية، مدعومة بصور أقمار صناعية ومقاطع مصوّرة حلّلتها جهات مستقلة، وقوع “عمليات قتل جماعية” في الفاشر بعد سيطرة الدعم السريع عليها، في واحدة من أدمى الهجمات منذ اندلاع الحرب في أبريل/نيسان 2023.
صدمات وتحذيرات أممية
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عبّر عن “قلقه البالغ” إزاء تصاعد العنف، مندداً بما وصفه “بانتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي”، بما في ذلك الهجمات العشوائية، واستهداف المدنيين، والعنف القائم على النوع، والاعتداءات ذات الدوافع العرقية.
ودعا غوتيريش إلى “تأمين وصول المساعدات الإنسانية فوراً ومن دون عوائق”، محذراً من أن استمرار التدخلات الخارجية في النزاع “يقوض فرص السلام بشكل خطير”.
إدانات عربية وإسلامية متزامنة
انهالت الإدانات من السعودية وقطر ومصر والأردن وتركيا ومنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية ورابطة العالم الإسلامي، التي شجبت جميعها “الانتهاكات المروّعة ضد المدنيين” ودعت إلى “هدنة إنسانية فورية”.
الجامعة العربية قالت إنها تتابع “بقلق شديد” التطورات في الفاشر بعد انسحاب الجيش، مضيفة أن التقارير الواردة من الأمم المتحدة ووسائل الإعلام تشير إلى “جرائم مروعة تُرتكب بحق المدنيين العالقين في المدينة”.
ودعت في بيانها إلى “الوقف الكامل للأعمال القتالية”، محذّرة من أن استمرار القتال “يهدد وحدة السودان واستقراره ويقوّض السلم الإقليمي”.
مصر من جانبها أعربت عن “قلقها البالغ”، مطالبة بـ”اتخاذ كل الإجراءات الممكنة لفرض هدنة إنسانية فورية في جميع أنحاء السودان”. وأكدت القاهرة دعمها الكامل لوحدة السودان وسلامة أراضيه.
موقف أوروبي صارم
الاتحاد الأوروبي عبّر عن “قلقه العميق” من تصاعد الانتهاكات في الفاشر، ودعا جميع الأطراف إلى التهدئة.
وقال المتحدث باسم المفوضية الأوروبية، أنور العنوني، إن بروكسل “تعمل على توثيق كل الانتهاكات لضمان عدم إفلات أي طرف من العقاب”، مؤكداً التزام الاتحاد بمساءلة المسؤولين عن الجرائم ضد المدنيين.
الاتحاد الأفريقي وإيغاد: لا حل عسكرياً
رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي محمود علي يوسف أدان “الفظاعات وجرائم الحرب” الموثقة في الفاشر، داعياً إلى “وقف فوري للأعمال القتالية وفتح ممرات إنسانية عاجلة”، مجدداً التأكيد على أن “الحل العسكري للأزمة السودانية مستحيل”.
كما عبّرت الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) عن قلقها من “التدهور الخطير للوضع الإنساني”، مطالبة الأطراف كافة بالعودة إلى العملية السياسية.
تركيا تنضم إلى موجة الإدانة
الخارجية التركية أصدرت بياناً دانت فيه “بأشد العبارات الظلم المرتكب ضد المدنيين في مدينة الفاشر”، مؤكدة دعمها لوحدة السودان وسلامة أراضيه، وداعية إلى “وقف فوري للاشتباكات وضمان ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية دون عوائق”.
حرب مستمرة ومعاناة بلا أفق
منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 أبريل/نيسان 2023، يعيش السودان واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية في تاريخه الحديث. وتشير تقارير أممية ومحلية إلى مقتل نحو 20 ألف شخص وتشريد أكثر من 15 مليون نازح ولاجئ، بينما قدّرت دراسة أجرتها جامعة أميركية أن الحصيلة الحقيقية قد تتجاوز 130 ألف قتيل.
ويؤكد رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان أن الجيش “لن يضع السلاح قبل القضاء على قوات الدعم السريع”، في حين تنفي الأخيرة الاتهامات الموجهة إليها، وتقول إنها “تنفذ عمليات لتطهير المدينة من جيوب القوات المعادية” في الفاشر.
وفي ظل استمرار العنف، تتزايد المخاوف من تفاقم الانهيار الإنساني والضغط الدولي لوقف الحرب، بينما يبقى المدنيون في دارفور، كما في مناطق أخرى من السودان، الضحايا الأبرز لنزاع لا أفق لنهايته حتى الآن.
