بدأت هذا الأسبوع محاكمة 10 متهمين بالتنمر الإلكتروني ضد بريجيت ماكرون، زوجة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، التي تتعرض منذ عام 2021 لشائعة تزعم أنها امرأة “متحولة جنسيا”. فيما يلي عودة إلى جذور هذه النظرية التآمرية وانتشارها العالمي.
منذ 4 سنوات، تتعرض بريجيت ماكرون لحملة تضليل تدّعي أنها امرأة “متحولة جنسياً” وُلدت باسم جان ميشيل ترونيو. نظرية معادية للمتحولين جنسيا، نشأت في الأوساط التآمرية الفرنسية، وسرعان ما تجاوزت الحدود. مثل أمام محكمة باريس الجنائية يوم الإثنين 27 أكتوبر/تشرين الأول 10 أشخاص بتهمة التنمر الإلكتروني ضد السيدة الأولى في فرنسا.
وتأتي هذه المحاكمة، التي رافقها أيضاً ادعاء موازٍ في الولايات المتحدة، بعد 7 هجمات عبر الإنترنت ومقاطع الفيديو التي أصبحت واسعة الانتشار حتى وصلت إلى دوائر مؤيدة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
تعود القضية إلى ديسمبر/كانون الأول 2021. حين ظهرت على موقع “يوتيوب” مقابلة مدتها 4 ساعات بين “الوسيطة الروحية” أماندين روا والصحافية المزعومة ناتاشا ري، التي زعمت أنها تكشف نتائج “تحقيق استمر ثلاث سنوات” حول “كذبة دولة”.
ووفقاً لها، فإن بريجيت ماكرون ليست الأم البيولوجية لأطفالها الثلاثة. بل هي في الحقيقة شقيقها جان ماري ترونييه الذي غيّر جنسه. خلال يومين فقط، حصد الفيديو مئات الآلاف من المشاهدات، وبدأت الشائعة بالانتشار.
“لا يوجد أي دليل ملموس”
قبل نشر الفيديو، حاولت ناتاشا ري إقناع موقع “ميديا بارت” الاستقصائي بنشر ادعاءاتها، لكنه رفض رفضاً قاطعاً. وقال الصحافي أنطوان روجيه لقناة BFMTV: “لم يكن هناك أي عنصر ملموس يسمح حتى بالشك في هذه الادعاءات”.
ورغم ذلك، واصلت المعلومات المضللة انتشارها، خاصة بين بعض نشطاء “السترات الصفراء”، الذين تربطهم صلة بناتاشا ري .
بعد عامين، عبرت الشائعة المحيط الأطلسي. فقد نقل كزافييه بوسار، وهو رئيس تحرير سابق لمجلة اليمين المتطرف”Faits et documents” النظرية إلى مؤيدي ترامب. وسرعان ما تبنتها المؤثرة المحافظة كانديس أوينز، التي كتبت في مارس/أذار 2024: “أنا مستعدة للمخاطرة بسمعتي المهنية كلها لأؤكد أن بريجيت ماكرون رجل في الحقيقة”.
وفي يناير/ كانون الثاني 2025، ازدادت شهرتها بفضل سلسلة من المقاطع المنتشرة بعنوانBecoming Brigitte أي أن تصبح بريجيت مستوحاة من كتاب كزافييه بوسار الذي تتعاون معه بشكل وثيق.
وفي 2024، أكدت مايا-أنايس ياتاغين، الصحافية في فرانس24 بأن المعلومة “مضللة وتحتوي على جميع مقومات نظرية المؤامرة الفعالة” وأضافت: “إنها تمس قمة الدولة وتشير إلى أن السلطة التنفيذية الفرنسية تكذب على المواطنين لإخفاء حياة مزدوجة، إضافة إلى أنها نظرية معادية للمتحولين جنسياً”.
من جهتها، وضعت أليسيا ترانشيزي، أستاذة اللسانيات والنسوية ووسائل الإعلام الرقمية في جامعة بورتسموث، هذه الشائعة في سياق أوسع لما تسميه “الحرب على الحقيقة”. فحسب قولها، “يتعلق الأمر أولاً وقبل كل شيء بظاهرة سياسية حزبية تهدف إلى إضعاف الخصوم وتقويض شرعيتهم”.
وتضيف أن حملات التضليل غالباً ما تستهدف النساء لأن “التمييز الجنسي والتمييز على أساس العمر والتمييز العنصري يجد صدى لدى فئات واسعة من الجمهور ويمكن استخدامه استراتيجياً لإضفاء المصداقية على بعض الخطابات”.
وترى أن هذه الديناميكية كثيراً ما تُستغل من قبل “المانوسفير”، (أي المجتمعات الإلكترونية التي تروج لأفكار وسلوكيات معادية للنساء في إطار هجمات منسقة).
“التحقيق في التحول الجنسي”
الشائعات التي تطال بريجيت ماكرون تشبه حملات أخرى طالت نساءً بارزات مثل ميشيل أوباما وكمالا هاريس ورئيسة وزراء نيوزيلندا السابقة جاسيندا أرديرن، جميعهن اتُهمن بأنهن متحولات جنسياً سراً.
تندرج نظريات المؤامرة هذه “ضمن حركة تُدعى “transvestigation” (التحقيق في التحول الجنسي) والتي تدّعي الكشف عن مؤامرة تقودها شخصيات متحولة جنسياً سراً للتلاعب بالسكان من غير المتحولين جنسياً”، يشير ساندر فان دير ليندن، أستاذ علم النفس في جامعة كامبريدج.
ويبدو أن بريجيت ماكرون أصبحت هدفاً مثالياً بسبب حياتها الشخصية التي طالما أثارت الفضول. لا سيما فارق العمر الكبير بينها وبين الرئيس ماكرون وقصة لقائهما في المدرسة الثانوية، والتي يستغلها أصحاب نظريات المؤامرة لترويج مزاعم خبيثة وحتى اتهامات ضمنية بـ”التحرش بالقاصرين”.
وأمام استمرار الهجمات، رفعت بريجيت ماكرون في أغسطس/ آب 2024 شكوى قضائية، مشيرة إلى “الأضرار النفسية والاجتماعية التي تسببت بها هذه الإشاعات”.
وقالت في إفادة للشرطة “لقد كان لهذه الادعاءات أثر بالغ على حياتي وعلى مقربين مني. لم أسافر إلى بلد إلا وسمعت من يذكرها. لا يوجد زوج أو زوجة زعيم دولة إلا ويعرف عنها.”
“أدلة علمية”
تستهدف المحاكمة في باريس 10 أشخاص تتراوح أعمارهم بين 41 و65 عاماً، من بينهم ناتاشا ري، وأماندين روا (التي تُحاكم باسم مستعار هو دلفين ج.)، وأورليان بويرسون-أتلان المعروف على الإنترنت باسم “زوي ساغان”. أما في الولايات المتحدة، فلقد تم رفع دعوى منفصلة ضد كانديس أوينز.
وقال توم كلير، محامي الزوجين ماكرون إنهما مستعدان لتقديم “أدلة علمية” أمام القضاء الأمريكي تثبت أن بريجيت ماكرون وُلدت أنثى.
لكن الباحث فان دير ليندن يحذر من أن هذه الاستراتيجية قد تأتي بنتائج عكسية “عادةً ما يُفسَّر أي جهد لدحض نظرية مؤامرة من قبل المؤمنين بها كدليل إضافي على أنها صحيحة.”
وتوافقه أليسيا ترانشيز قائلة: “مهما كان الحكم، فلن يغيّر قناعات من صدقوا هذه النظريات. فكل قرار مؤسسي يُعتبر لدى هؤلاء تعبيراً عن السلطة “النخبوية” التي لا يثقون بها. حتى لو قُدم اختبار الحمض النووي كدليل، سيزعم المشككون أنه مزيف.”
ومع ذلك، يرى فان دير ليندن أن الانتصارات القضائية “قد تكون ضرورية لتذكير الرأي العام ومرتكبي هذه الأفعال بأن هناك حدوداً للمساءلة، وأن التشهير ليس حرية تعبير”.
