27.2 C
Khartoum

عودة الإبادة المعلنة في دارفور تفضح انهيار القيم الأخلاقية العالمية: الفاشر تنزف في بحر من التطهير العرقي والمجازر التي تتجاوز الوصف

Published:

بعد عام ونصف من الحصار والقتال، وفي ظل صمت دولي مريب وتنديدات شكلية، سيطرت قوات الدعم السريع على معظم أحياء مدينة الفاشر، العاصمة التاريخية لإقليم دارفور غرب السودان. ومنذ دخولها المدينة، تشهد الفاشر مشاهد مروعة وصفت بأنها “حمامات دم”، إذ تنفذ الميليشيا التي يقودها محمد حمدان دقلو “حميدتي” إعدامات جماعية وقتلاً على أسس عرقية، وفقاً لمصادر طبية وميدانية محلية.

صور ومقاطع مصوّرة نشرتها تنسيقية لجان المقاومة في الفاشر أظهرت مدنيين يفرّون هاربين من المدينة، وجثثاً متناثرة قرب سيارات محترقة، في مشاهد تعيد الذاكرة إلى أسوأ فصول حرب الإبادة في دارفور. وأكدت شبكة أطباء السودان أن قوات الدعم السريع نفذت عمليات تصفية بحق العشرات على أسس إثنية، مشيرة إلى نهب المستشفيات والصيدليات والمرافق الصحية. كما أوضحت أن عدد الضحايا يتجاوز العشرات في ظل صعوبة الوصول إلى المناطق المنكوبة بسبب الانفلات الأمني.

ووصفت لجان المقاومة الوضع في الفاشر بأنه “أسوأ أشكال التطهير العرقي”، لافتة إلى مقتل متطوعين في مبادرات الإطعام الجماعي الذين كانوا يسعون لتقديم مساعدات إنسانية للسكان. ومن بين الضحايا النائبة السابقة سهام حسن حسب الله، أصغر برلمانية في تاريخ السودان، والمتحدثة باسم الفرقة السادسة مشاة آسيا الخليفة، التي قُتلت خلال الهجمات. كما اعتقلت قوات الدعم السريع الصحافي معمر إبراهيم، وفقاً لنقابة الصحافيين السودانيين، التي طالبت بالإفراج الفوري عنه محذّرة من تدهور الوضع الإنساني والأمني بعد انقطاع الاتصالات وصعوبة إيصال الإمدادات.

وأعلنت هيئة محامي الطوارئ أن قوات الدعم السريع ارتكبت جرائم مروّعة جديدة في الفاشر، من بينها تصفية أسرى الجيش والمجموعات المساندة له رغم استسلامهم، مشيرة إلى أن الآلاف من المدنيين اضطروا للنزوح من المدينة قبل أن تتم مطاردتهم وتصفيتهم ميدانياً بدوافع انتقامية. وأشارت الهيئة إلى أن القوات وثّقت عمليات قتل جماعي للمواطنين والأسرى على نحو بارد وصادم داخل الفاشر، في مواصلة لجرائم الإبادة.

الهجوم الأخير على الفاشر، الذي بدأ في 26 أكتوبر 2025، جاء امتداداً لهجمات متكررة منذ أكثر من عام ونصف. وأعلنت منسقية النازحين واللاجئين في دارفور وصول 360 أسرة و1117 نازحاً إلى محلية طويلة شمال دارفور جراء المعارك الأخيرة. ورغم سيطرة قوات الدعم السريع على معظم المدينة، ما تزال وحدات من الجيش وقوات مشتركة من الحركات المسلحة تقاتل في الأطراف الغربية ومحيط مطار الفاشر.

الحكومة السودانية أدانت “الجرائم المروعة”، فيما دعا حاكم دارفور مني أركو مناوي إلى حماية المدنيين وإجراء تحقيق مستقل في الانتهاكات. أما مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر، فقد طالب بتوفير ممرات آمنة للمدنيين، وهو المطلب ذاته الذي ردده مستشار الرئيس الأمريكي للشؤون الأفريقية مسعد بولس، مؤكداً أن “العالم يراقب بقلق بالغ أفعال قوات الدعم السريع في الفاشر”.

مجزرة موازية في شمال كردفان

بالتزامن مع الأحداث في الفاشر، نفذت قوات الدعم السريع مجزرة جديدة في مدينة بارا بولاية شمال كردفان، راح ضحيتها 47 مواطناً بينهم 9 نساء، وفقاً لشبكة أطباء السودان التي أكدت أن الضحايا قُتلوا داخل منازلهم بتهمة الانتماء إلى الجيش.

وأوضحت الشبكة أن هذه الجريمة تأتي ضمن سلسلة من الانتهاكات المتواصلة منذ سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة، وتشمل عمليات إعدام ميداني ونهب للممتلكات واختطاف للمدنيين، في محاولة لبث الرعب وسط السكان. وقالت إن فرقها تتابع توثيق الجرائم وحصر المفقودين، محمّلة قوات الدعم السريع المسؤولية الكاملة عن هذه الانتهاكات، ومؤكدة أن صمت المجتمع الدولي يشكل شراكة ضمنية في الجريمة.

وناشدت منظمات حقوق الإنسان، الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، التحرك العاجل لفتح تحقيق دولي ومحاسبة المتورطين. وذكر محامو الطوارئ أن هجوم قوات الدعم السريع بدأ عقب انسحاب الجيش من بارا في 25 أكتوبر، حيث استهدفت القوات المهاجمة المدنيين مباشرة، وتسببت في مئات القتلى والجرحى، تزامناً مع اعتقالات ونهب واسع وسط انقطاع في شبكات الاتصال والإنترنت في محاولة للتعتيم على الجرائم.

كما حذرت الهيئة من خطابات تحريضية صادرة عن مناصرين لقوات الدعم السريع تدعو إلى القتل على أساس الهوية، ووصفتها بأنها تحريض مباشر على ارتكاب جرائم حرب.

وفي السياق ذاته، أدان حزب المؤتمر السوداني بولاية شمال كردفان المجزرة، واعتبرها جريمة ضد الإنسانية وانتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، مطالباً بتحقيق دولي عاجل وشفاف وبتدخل المجتمع الدولي لحماية المدنيين.

الهجمات المستمرة لقوات الدعم السريع في شمال كردفان تسببت في موجات نزوح واسعة، حيث لجأت آلاف الأسر إلى مدينة الأبيض التي تعاني أوضاعاً إنسانية وصحية حرجة بسبب تدفق النازحين وحصار المليشيا المستمر. ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023، يعيش ملايين المدنيين في السودان، خصوصاً في دارفور وكردفان، تحت وطأة جرائم قتل ونهب وتهجير قسري، وسط تدهور متسارع للوضع الإنساني وفشل دولي متكرر في وقف المأساة.

مواضيع مرتبطة

مواضيع حديثة