شهد السودان أمس الأحد تحوّلا عسكريا كبيرا مع سيطرة قوات ميليشيا «الدعم السريع» على مناطق الفرقة السادسة مشاة في مدينة الفاشر وانسحاب قوات الجيش منها نحو المحور الغربي للمدينة، حيث بدأت اشتباكات برية عنيفة بين الطرفين، وخيارات صعبة للمقاومين من الجيش و«القوات المشتركة» الداعمة لها تزيد احتمالات السيطرة الكاملة للدعم على المدينة.
تزامن الحدث العسكريّ مع محادثات في واشنطن بين وفدين سودانيين رفيعين، ضم الأول الممثل للجيش، وزير الخارجية محي الدين سالم ورئيس هيئة الاستخبارات العسكرية أحمد علي صبير، ونائب المدير العام لجهاز المخابرات عباس بخيت، يمثّلون الجيش السوداني، ووفد آخر من «الدعم السريع» شمل القوني حمدان دقلو، الشقيق الأصغر لقائد «الدعم» محمد حمدان دقلو (حميدتي) ورئيس فريقها المفاوض عمر حمدان ومحمد مختار النور، فيما قاد مسعد بولس، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي للشؤون العربية والأفريقية، الوفد الأمريكي.
يقوم رهان الحكومة السودانية على إجراء «صفقة» تقايض بها الخرطوم «ورقة الفاشر» بـ«تصنيف واشنطن قوات الدعم السريع كمنظمة إرهابية» مع استخدام ملف حصار المدينة، وما أحاط به من مجازر عرقية ارتكبتها «الدعم» والمجاعة التي تسبب بها الحصار، لدعم تحقيق هذه الصفقة.
تشير مصادر أمريكية إلى وجود مسعى لـ«مقايضة استراتيجية كبرى» تشمل ابتعاد الحكومة السودانية عن المحور الروسيّ عبر الانقلاب على الاتفاقيات مع موسكو، وإلغاء فكرة قاعدة بحرية روسية في مدينة بورتسودان، بشكل يؤمن مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في البحر الأحمر، مقابل قيام واشنطن بالضغط الحقيقي والفعال على الإمارات لوقف دعمها العسكري واللوجستي لقوات «الدعم السريع».
واحد من سيناريوهات المقايضة المعروضة أيضا هو إقناع الولايات المتحدة بخطأ فكرة تسوية سياسية تفضي إلى حكومة مدنية، والقيام بدلا من ذلك، بإنشاء حكومة كفاءات موسعة، تحت إدارة الجيش، بهدف تحقيق الأمن والاستقرار وإدارة ملفات الإغاثة وإعادة الإعمار بشكل يرضي إدارة ترامب بالتعامل مع دولة قادرة على «فرض النظام».
تكشف مصادر أخرى عن طرح وفد الجيش على الإدارة الأمريكية صفقة تتضمن تمكين الولايات المتحدة من المعادن النفيسة في السودان وسواحل البحر الأحمر، مقابل الضغط على «الدعم السريع» لرفع الحصار عن الفاشر والتنازل عن المضي في مسار سياسي. في المقابل، قدّم وفد «الدعم السريع» تعهدات بقطع علاقات السودان مع إيران، وتصفية «الحركة الإسلامية» من المشهد السياسي، وتسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية.
طرح الوفد الأمريكي خطة متفقا عليها من «اللجنة الرباعية» (التي تضم الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات) تهدف للوصول إلى هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، وفتح مسارات إنسانية، وتشكيل لجان لإعادة الإعمار، ولكن الطرفين لم يبديا أي استعداد جاد لإنهاء الصراع، فأعلن الوفد الحكومي تمسكه بخريطة الطريق التي أرسلها «مجلس السيادة» إلى الأمين العام للأمم المتحدة في آذار/ مارس الماضي، و«إعلان جدة» الموقع في أيار/مايو 2023، فيما اشترك وفد «الدعم» اعتماد «اتفاق المنامة» الذي وقّع بالأحرف الأولى في البحرين عام 2024 كمرجع أساسي في التفاوض.
يفتح التطوّر العسكريّ الأخير المجال لانقسام جغرافي أكثر وضوحا حيث تسيطر حكومة السودان على الولايات الشمالية والشرقية، حيث تتمتع بحدود مع البحر الأحمر وإريتريا وإثيوبيا ومصر، فيما تسيطر «الدعم السريع» على الجنوب الغربي، وعلى الحدود مع أفريقيا الوسطى وقسم كبير من حدود تشاد وجنوب السودان.
المخاوف الآن أن يستكمل هذا الانقسام الجغرافي دينامية الانقسام السياسي الذي تمثّله حكومة الخرطوم، الموالية للجيش، وحكومة نيالا الموالية لـ«الدعم» وأن يتركّز الرهان بين الطرفين على من يقدّم أكثر للولايات المتحدة الأمريكية بحيث يصبح العامل الخارجيّ، بعد العسكريّ، هو الأكثر رجحانا.
القدس العربي: سقوط الفاشر و”سباق الصفقات”!
Published:
