33 C
Khartoum

الدعم السريع تسيطر على الفاشر بعد 260 معركة.. سقوط آخر قلاع الجيش يفتح باب تقسيم السودان

Published:

بعد عام من المعارك العنيفة التي تجاوزت أكثر من 260 اشتباكًا، أعلنت قوات الدعم السريع صباح الأحد 26 تشرين الأول/أكتوبر 2025 سيطرتها الكاملة على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، في تطور يُعد من أبرز محطات الحرب السودانية المستمرة منذ عام ونصف. وأثار هذا الإعلان مخاوف متزايدة بشأن مصير المدنيين داخل المدينة التي تخضع لحصار خانق منذ أكثر من عام، رغم الدعوات المحلية والدولية وقرارات مجلس الأمن المطالِبة برفع الحصار عنها.

تُعد الفاشر آخر معاقل الجيش السوداني في إقليم دارفور، ومع سقوطها تكتمل سيطرة قوات الدعم السريع على الولايات الخمس المكوّنة للإقليم، في واقع يُنذر بانقسام فعلي للبلاد بين الشرق الخاضع للجيش والغرب الذي تهيمن عليه قوات الدعم السريع.

ورغم صعوبة التحقق من تفاصيل الأحداث بسبب استمرار المعارك وانقطاع الاتصالات، أظهرت تسجيلات مصوّرة نُشرت عبر قنوات الدعم السريع مقاتلين يحتفلون أمام لافتة كُتب عليها “مقر الفرقة السادسة”، بينما أظهرت مقاطع أخرى انسحاب عربات عسكرية تابعة للجيش من الموقع. كما تداولت المقاطع ذاتها مشاهد احتفالات مماثلة في نيالا، عاصمة جنوب دارفور الواقعة تحت سيطرة الدعم السريع.

تمثّل الفرقة السادسة مشاة في مدينة الفاشر أهمية عسكرية فائقة، كونها آخر الحاميات التابعة للجيش في دارفور بعد سيطرة الدعم السريع على باقي الولايات منذ اندلاع الحرب في أبريل/نيسان 2023. وعلى مدار نحو 600 يوم، تمكّن الجيش والقوات المشتركة من الصمود داخل مقر الفرقة والأحياء المحيطة رغم الهجمات المتكررة، بينما احتمى آلاف المدنيين في تلك المنطقة هربًا من قصف قوات حميدتي، بحسب لجان الطوارئ والعاملين في مجال الإغاثة.

وخلال الأيام الأخيرة، كثّفت قوات الدعم السريع ضغطها الميداني لتقتحم مقر القيادة في الساعات الأولى من صباح الأحد، معلنة السيطرة عليه بالكامل. لكن مصادر حكومية قالت إن قوات الجيش انسحبت نحو حي “الدرجة” ما اعتُبر “إعادة تموضع” لا انسحابًا من كامل المدينة. في المقابل، نفت لجان المقاومة في الفاشر رواية الدعم السريع، مؤكدة استمرار القتال داخل المدينة، وأن مقر الفرقة لم يعد مركزًا فعليًا للعمليات منذ فترة طويلة. واصفت تلك التصريحات بأنها “حملة دعائية تهدف إلى بث الرعب بين الأهالي وكسر معنويات المقاتلين”.

مصادر متطابقة تحدثت لـ”اليراع” أكدت أن الدعم السريع سيطر على مقر الفرقة السادسة، بينما لا تزال المواجهات مستمرة في مناطق أخرى من المدينة بين الجيش والقوات المشتركة.

حتى مساء الأحد، لم يصدر أي تعليق رسمي من الحكومة أو قيادة الجيش، في حين أعلنت قوات الدعم السريع عبر متحدثها الرسمي أنها “سيطرت بالكامل على الفاشر” ووصفت ذلك بأنه “انتصار مفصلي” نظرًا لما تمثله المدينة من رمزية عسكرية واستراتيجية في غرب السودان.

المدنيون في مواجهة الخطر

تعيش الفاشر أوضاعًا إنسانية كارثية، إذ أفاد عاملون في مجال الإغاثة بأن آلاف المدنيين عالقون داخل المدينة وسط غياب ممرات آمنة ونفاد مؤن الغذاء والوقود. وقالت مصادر إن السكان يقطعون مسافات طويلة سيرًا على الأقدام في محاولات يائسة للنزوح عبر مناطق تابعة لقوات الدعم السريع، ما يعرضهم لمخاطر جسيمة. وأكدت التقارير أن الآلاف ظلوا من دون طعام لشهور طويلة، وأن أي تحرّك دون ضمانات حماية كاملة قد يتحول إلى كارثة جديدة.

وبحسب وزارة الخارجية السودانية، فإن نحو 260 ألف مدني يعيشون تحت “حصار كامل” تفرضه قوات الدعم السريع، مع منع دخول المساعدات الإنسانية منذ شهور.

تحذيرات من فظائع جديدة

يحذر ناشطون منذ أسابيع من أن سيطرة الدعم السريع على الفاشر ستفتح الباب أمام أعمال انتقامية وهجمات ذات طابع عرقي مماثلة لما حدث في مخيم زمزم القريب.
ورغم إعلان الدعم السريع تسهيل خروج المدنيين والمقاتلين المستسلمين، فإن شهادات من فارين تحدثت عن عمليات نهب واعتداءات جنسية وقتل على أيدي عناصر القوة أثناء الهروب من المدينة.

وفي تسجيل مصوّر لمسؤول في حكومة “التأسيس” التي تقودها قوات الدعم السريع، ظهر جنود يقولون إنهم يحمون قافلة مغادرة من الفاشر، لكن لم يتسن التحقق من توقيت المقطع أو موقعه.
وكانت بعثة الأمم المتحدة قد وثّقت في تقاريرها الشهر الماضي ارتكاب قوات الدعم السريع “انتهاكات ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية” خلال حصار المدينة، كما وُجهت اتهامات إلى الجيش بارتكاب جرائم حرب.

وطالب توم فليتشر، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، بتأمين ممر إنساني عاجل للمدنيين، مؤكدًا في بيان أن مئات الآلاف “محاصرون ويعانون القصف والجوع وانعدام المأوى والرعاية الصحية”.

صور الأقمار الاصطناعية التي حلّلها “مختبر البحوث الإنسانية” بجامعة ييل الأميركية كشفت أن الدعم السريع أقام سواتر ترابية تمتد على 68 كيلومترًا تحيط بالفاشر، تاركًا منفذًا ضيقًا طوله نحو أربعة كيلومترات، يواجه فيه المدنيون الابتزاز والمضايقات عند محاولاتهم العبور. وأفادت منسقة الأمم المتحدة في السودان دنيز براون وشهود عيان بتعرض بعض الفارين لحوادث قتل وخطف وعنف جنسي على الطرق المؤدية خارج المدينة.

ضربة عسكرية ومعنوية قاسية

يمثل سقوط مقر الفرقة السادسة نهاية الوجود العسكري النظامي للجيش في دارفور، وضربة معنوية قاسية تفقده آخر موطئ قدم في الإقليم. وتكتسب ولاية شمال دارفور موقعًا استراتيجيًا مهمًا لكونها تربط غرب السودان بحدود كلٍّ من تشاد وليبيا ومصر، ما يمنح من يسيطر عليها نفوذًا إقليميًا واسعًا ويتيح فتح طرق إمداد عبر الحدود، وهو ما يثير مخاوف من تعزيز الدعم الخارجي لقوات الدعم السريع.

ويرى مراقبون أن هذا التطور يمكن أن يمهد فعليًا لتقسيم السودان بين سلطتين، خصوصًا مع إعلان الدعم السريع نيته تشكيل “حكومة تأسيس” في المناطق التي يسيطر عليها. كما اعتبر محللون أن السيطرة الكاملة على دارفور تمنح حميدتي أوراق ضغط قوية في أي مفاوضات سياسية مقبلة.

تعثر المساعي الدبلوماسية

وفي سياق الجهود الدولية، عقدت المجموعة الرباعية الخاصة بالسودان — التي تضم مصر والسعودية والإمارات والولايات المتحدة — اجتماعًا في واشنطن خلال الأسبوع الماضي في محاولة لدفع مسار السلام وإقرار هدنة إنسانية. غير أن المفاوضات لم تثمر عن نتائج ملموسة رغم المطالبات الأممية بوقف إطلاق النار، خصوصًا في الفاشر التي تعاني مجاعة متفاقمة وانتشار الأوبئة.

منذ بداية الحرب في أبريل/نيسان 2023، تحولت الفاشر إلى ملاذ لعشرات الآلاف من النازحين الفارين من مناطق القتال في دارفور، لكنها اليوم نفسها صارت تحت الحصار والنيران. تعرضت مخيماتها للقصف مرات عدة، ما أدى إلى مقتل المئات وتدمير أحياء كاملة. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن الأطفال يشكّلون نحو نصف سكان المدينة المحاصرين، البالغ عددهم 260 ألفًا، وسط انقطاع شبه تام للمساعدات الإنسانية الحيوية.

مواضيع مرتبطة

مواضيع حديثة