أكد وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم أن الحرب المستمرة في السودان منذ أبريل 2023 تسببت في خسائر فادحة للاقتصاد الوطني، واصفًا إياها بأنها “مكلفة جدًا”. جاء ذلك خلال لقائه بالجالية السودانية في العاصمة الروسية موسكو، حيث أوضح أن الحكومة فقدت نحو 80% من إيراداتها العامة بعد خروج العاصمة الخرطوم عن سيطرتها، ما اضطرها إلى البحث عن بدائل مالية في مدن أخرى، أبرزها بورتسودان التي أصبحت مقرًا إداريًا مؤقتًا للدولة.
وأشار إبراهيم إلى أن الإيرادات الحكومية في بورتسودان كانت لا تتجاوز 55 مليون جنيه في البداية، قبل أن ترتفع إلى نحو 900 مليار جنيه. ورغم هذا التحسن، أكد أن المبلغ لا يغطي احتياجات الحرب ولا استجابة الحكومة للأوضاع الإنسانية المتفاقمة، مشددًا على أن بلاده لم تتلق أي دعم مالي مباشر من الخارج، وقال: “ربما وصلت مساعدات عسكرية لا تمر عبر وزارة المالية، لكن لم نستلم أي شيكات مالية لدعم الخزانة”.
وفي حديثه عن الوضع النقدي، أوضح الوزير أن الاقتصاد السوداني لم ينهَر بالكامل كما يُشاع، رغم التراجع الكبير في قيمة العملة الوطنية نتيجة زيادة الطلب على العملات الأجنبية لتمويل العمليات العسكرية. وأضاف أن الحكومة لجأت أحيانًا إلى الاقتراض من البنك المركزي لتغطية العجز، ما أدى إلى تفاقم التضخم وارتفاع الأسعار. وبيّن أن التوقعات السابقة كانت تشير إلى إمكانية بلوغ سعر الدولار عشرة آلاف جنيه بنهاية العام الأول للحرب، إلا أن البلاد ما زالت قادرة على الاستيراد، معتبرًا ذلك من “طبائع الحروب”.
كما كشف إبراهيم عن تحرك حكومي لتنظيم تجارة الذهب باعتباره أحد الموارد الأساسية للدولة من النقد الأجنبي، مشيرًا إلى أن إحكام الرقابة على التهريب وتصدير الذهب عبر القنوات الرسمية يمكن أن يغطي جزءًا كبيرًا من الاحتياجات المالية. وأوضح أن هذا التوجه يأتي ضمن استراتيجية أوسع لتنويع الإيرادات في ظل انحسار الدعم الخارجي.
وفيما يتعلق بقطاع الطاقة، أوضح الوزير أن إنتاج السودان من النفط يبلغ حاليًا نحو 25 ألف برميل يوميًا، مشيرًا إلى أن زيارته لموسكو تهدف إلى تعزيز التعاون مع روسيا في مجالات النفط والكهرباء. ولفت إلى أن السودان كان قبل الحرب ينفق أكثر من 1.65 مليار دولار سنويًا لدعم الكهرباء، لكنه يسعى الآن إلى الاعتماد بشكل أكبر على الطاقة المائية لتقليل التكاليف على الدولة والمواطنين.
وأكد جبريل إبراهيم أهمية الاستثمار في البنية التحتية الحيوية تمهيدًا لمرحلة إعادة الإعمار، مشيرًا إلى ضرورة تطوير شبكات المياه والكهرباء والموانئ والطرق والمطارات، باعتبارها ركيزة أساسية لأي تعافٍ اقتصادي مستقبلي. كما أشار إلى تحسن الإنتاج الزراعي مقارنة بالسنوات السابقة، مثمنًا جهود المواطنين الرامية للعودة إلى العاصمة رغم الصعوبات.
واختتم وزير المالية السوداني بأن الوضع الاقتصادي الراهن، رغم تعقيداته، أفضل مما كان متوقعًا، مؤكدًا أن الحكومة ماضية في أداء مهامها متجاوزة التحديات المالية والإدارية التي فرضتها الحرب.