30.5 C
Khartoum

فورين بوليسي:بوادر حرب جديدة بين إثيوبيا وإريتريا تهدد الاستقرار في القرن الأفريقي

Published:

لندن – تزايدت احتمالات اندلاع حرب مدمرة أخرى بين إريتريا وإثيوبيا. وقد أعرب مراقبون وشخصيات سياسية ذات خبرة مرارا وتكرارا عن مخاوفهم من تفاقم الخلاف بين زعيمي البلدين، وتصاعد حدة الخطاب، والاستعدادات العسكرية الواضحة، باعتبارها المؤشرات الأكثر إثارة للقلق.

حتى الآن، حافظت حالة الغموض المخيّمة على الجانبين على سلام هش، لكن التطوّرات الأخيرة في منطقة تيغراي الإثيوبية تهدد بزعزعة هذا التوازن ودفع الوضع نحو الصراع.

وكان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد علي والرئيس الإريتري أسياس أفورقي حليفين مقربين من 2018 إلى 2022، لكن علاقتهما تدهورت في أعقاب الحرب في تيغراي وجهود إثيوبيا المتجددة لتأمين الوصول إلى البحر.

وشكك القادة الإثيوبيون علنا في شرعية استقلال إريتريا عام 1993، وتبادلت الحكومتان اتهامات بالعدوان وسوء النية. ويُنظر بشكل متزايد إلى التقارير المتعلقة بشراء الأسلحة والانتشار العسكري بالقرب من ميناء عصب الإريتري على ساحل البحر الأحمر، الذي تطمع فيه إثيوبيا، على أنها موثوقة.

مع تآكل ضبط النفس، لا بد من اتخاذ إجراءات فورية لمنع نشوب حرب أخرى بين إريتريا وإثيوبيا تكون كارثية على البلدين والإقليم

ورغم هذه التوترات، لم يلجأ أيّ من الطرفين إلى إعلان الحرب، ويعود ذلك إلى حد كبير إلى عدم يقين كل من أديس أبابا وأسمرة بشأن فرص انتصار أحدهما على الآخر.

ويشير تقرير نشرته فورين بوليسي، وشارك فيه مايكل وولدمريم وأبيل أباتي ديميسي، إلى أن التنبؤ بمسار أيّ حرب أمر صعب بطبعه، إلا أنه يصعب أكثر على طول الحدود الممتدة لمسافة 620 ميلا بين إريتريا وإثيوبيا، حيث خاضت الدولتان سابقا حروبا آلت إلى نتائج سيئة.

ولا تزال النتيجة المحتملة لمثل هذا الصراع غير مؤكدة إلى حد كبير، وهي حقيقة تدركها كلتا الحكومتين على الرغم من ثقتهما الظاهرية. ولقد سبق لقادة كلا الجانبين أن أشعلا حروبا خرجت عن السيطرة وانتهت بشكل كارثي. ففي 1998، لم تقدر إريتريا الاشتباكات الحدودية المحدودة مع إثيوبيا، معتقدة أنها يمكن أن تردع التصعيد أو تُنهيه. وشهدت الحرب الناتجة التي استمرت عامين اختراق القوات الإثيوبية الدفاعات الإريترية، واحتلال جزء كبير من أراضي البلاد الغربية، وإجبار أسمرة على قبول شروط سلام غير مواتية.

وبالمثل، تحولت حملة إثيوبيا عام 2020 لقمع تمرد مسلح في تيغراي (بدعم من إريتريا) بسرعة إلى كارثة. فبحلول منتصف 2021، انهارت السيطرة الإثيوبية على تيغراي، وتقدمت قوات تيغراي نحو المناطق التي تسيطر عليها الحكومة. كما واجهت عمليات مكافحة التمرد في منطقتي أمهرة وأوروميا صعوبات، وإن كان بدرجة أقل حدة.

ويضيف السياق الدولي المزيد من الغموض. وفي عصر يشهد تحولات في ديناميكيات القوة العالمية، لا يمكن لأديس أبابا ولا أسمرة الجزم بكيفية تنسيق الدعم الدبلوماسي أو المادي الدولي. ويحاول كلاهما إعادة بناء علاقات تتجاوز التوتر مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. ولا تزال إثيوبيا تواجه تحديات بشأن سد النهضة الإثيوبي الكبير، حيث تشير تصريحات ترامب إلى أنه يتناول القضية من منظور مصر بالدرجة الأولى.

وتواجه إريتريا تحديا دبلوماسيا أشد وطأة بعد عقود من الخطاب المناهض للولايات المتحدة الذي تركها معزولة. وبالمقارنة مع إثيوبيا، لا تُقدم إريتريا الكثير لواشنطن: فاقتصاد إثيوبيا الأكبر وتعاونها المتنامي مع الولايات المتحدة في مجال الطيران التجاري يجعلها شريكا أكثر جاذبية. وقد تُبرز إريتريا موقعها على البحر الأحمر كبديل إستراتيجي لجيبوتي فيما يتعلق بالأصول الأميركية، لكن أرض الصومال تبدو حاليا في وضع أفضل لتكون مركزا لتواجد أميركي مُوسّع في المنطقة.

رغم التوترات، لم يلجأ أيّ من الطرفين إلى إعلان الحرب، ويعود ذلك إلى عدم يقين كل من أديس أبابا وأسمرة بشأن فرص انتصار أحدهما على الآخر

ولا يزال الوضع في تيغراي العامل الأكثر تقلبا. فمع تدهور العلاقات بين أديس أبابا وأسمرة، سعى كل منهما إلى كسب دعم هذا الجانب. وتمتد تيغراي على طول جزء كبير من الحدود الإريترية – الإثيوبية، وتضم قواها حوالي 250 ألف مقاتل مُجنّد، ومن المتوقع أن تلعب دورا حاسما في أيّ صراع. وتدرك الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، التي تسيطر على المنطقة، جيدا هذا النفوذ.

وفي خضم كل هذا الغموض السائد، يبقى السلام بعيدا كل البعد عن أن يكون مضمونا. ولا يوفّر ضبط النفس الهش الذي شوهد في السنوات الماضية الطمأنينة مع تزايد خطر الحرب المفتوحة، ومع ظهور تيغراي كمحفز رئيسي.

ويؤكد تطوران حديثان هذا التحول. ففي يونيو، أعيد فتح معبر حدودي بين إريتريا وإثيوبيا في زالامبيسا، شمال تيغراي. وشكّل هذا أول إعادة فتح من نوعه منذ سنة 2020. ولأن ذلك حدث دون تدخل الحكومة الإثيوبية، فقد نشأت شكوك في أنه قد يسهّل حركة البضائع أو حتى الأسلحة بين إريتريا والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي. وفي وقت لاحق من نفس الصيف، سيطرت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بعنف على الإدارات الإقليمية المنشقة في جنوب تيغراي. وأشارت هذه التحركات مجتمعة إلى تنامي هيمنة فصيل دبرصيون داخل تيغراي وتوطيد علاقاته مع إريتريا.

وبدأت هذه التوجهات في مارس، عندما طرد فصيل دبرصيون منافسيه من حكومة تيغراي المؤقتة ودفعهم إلى المنفى في أديس أبابا، ما قوّض اتفاقية بريتوريا لعام 2022 التي أنهت حرب تيغراي وهدفت إلى مصالحة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي مع حكومة آبي أحمد. وعلى الرغم من أن تعيين تاديسي ويريدي رئيسا مؤقتا خفف التوترات مؤقتا، إلا أن التحولات الأوسع استمرت. وتشير التقارير الآن إلى أن الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي تحاول تقييم المشاعر العامة في تيغراي من خلال المنتديات المحلية، ربما للتحضير لتجدد الصراع مع الحكومة الفيدرالية. كما أصبح خطاب المجموعة أكثر ميلا إلى الموالاة لأسمرة والمعارضة لأديس أبابا.

وينبع توجه الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي نحو إريتريا (خصمها السابق) من الإحباط من تعثر تنفيذ اتفاقية بريتوريا. ولا تزال الخلافات حول تسريح القوات، والحدود، وعودة النازحين من تيغراي، وتطبيع الجبهة سياسيا قائمة. ويتقاسم الطرفان مسؤولية انهيار الاتفاق. ولكن مع انهياره فعليا، سعت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، تحت ضغط الشعب، إلى كسب النفوذ والحماية من خلال التحالف مع إريتريا.

الرهان على وساطة إماراتية، بعد أن نجحت أبوظبي في وساطة 2018 في جسر الهوة بين الطرفين وإنهاء حالة الحرب بين بلديهما التي استمرت قرابة عقدين من الزمان

يزيد هذا التحول من خطر أن تختبر الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي قوتها ضد أديس أبابا بالتعاون مع إريتريا وجماعات معارضة محلية أخرى، أو أن تتحرّك إثيوبيا استباقيا لمواجهة العلاقات المتنامية بين منافسيها الشماليين من خلال عمليات في تيغراي أو حتى إريتريا.

ومع تآكل ضبط النفس، لا بد من اتخاذ إجراءات فورية لمنع نشوب حرب أخرى بين إريتريا وإثيوبيا. وبما أن ديناميكيات تيغراي هي التي تدفع التصعيد، ينبغي تركيز الجهود عليها أولا. ويُعد إحياء الحوار بين الحكومة الفيدرالية وتيغراي، ودفع عجلة تنفيذ اتفاقية بريتوريا، خطوتين حاسمتين. وينبغي على الداعمين الغربيين للاتفاق، وخاصة الولايات المتحدة وأوروبا، المطالبة بتحقيق تقدم ملموس وتقديم حوافز وضمانات لتشجيع الالتزام. كما تجب إدانة الاستفزازات ومحاسبة أيّ طرف علنا عند انتهاكه التزاماته، وهو أمر لطالما تجنبه الغرب.

ومع ذلك، فإن استقرار تيغراي وحده لن يكفي. فعلى المدى الطويل، تحتاج إثيوبيا إلى منفذ بحري موثوق، ويفضّل أن يكون ذلك عبر الموانئ الإريترية. وتجب معالجة هذه القضية بطريقة تحترم سيادة إريتريا واحتياجاتها الاقتصادية. ويمكن أن يشمل النهج البنّاء وساطة من إدارة ترامب والشركاء الأوروبيين والدول الأفريقية والخليجية الرئيسية، مع تقديم مزيج من الاستثمارات وتخفيف العقوبات وتقوية العلاقات لتشجيع السلام.

ويراهن مراقبون على وساطة إماراتية على وجه الخصوص، بعد أن نجحت أبوظبي في وساطة 2018 في جسر الهوة بين الطرفين وإنهاء حالة الحرب بين بلديهما التي استمرت قرابة عقدين من الزمان.

وعلى نطاق أوسع، يمكن لإثيوبيا مواصلة تنويع خياراتها من الموانئ من خلال إجراء محادثات مع الصومال وأرض الصومال، واستكشاف مقترحات جيبوتي، والنظر في بدائل مثل لامو في كينيا أو بورتسودان. ويمكن لهذا النهج الإقليمي أن يخفف من مخاوف إريتريا بشأن التوسع الإثيوبي.

وسيكون سيناريو الحرب بين إريتريا وإثيوبيا كارثيا. ومن شأن الصدام أن يزيد من زعزعة استقرار منطقة تعاني أصلا من صراعات تمتد من السودان إلى الصومال، ويترك ندوبا عميقة سيستغرق شفاؤها أجيالا. ومع تصاعد التوترات وظهور تيغراي كخط فاصل، يجب أن يتحرك العالم بشكل عاجل للحفاظ على السلام الهش قبل انهياره.

مواضيع مرتبطة

مواضيع حديثة