37.2 C
Khartoum

سرقة “أسطورية” تهز باريس: لصوص ينتزعون مجوهرات “لا تُقدّر بثمن” من متحف اللوفر في سبع دقائق

Published:

في عملية جريئة وغير مسبوقة منذ أكثر من ربع قرن، شهدت باريس صباح الأحد سرقة مجوهرات ملكية “لا تقدّر بثمن” من داخل متحف اللوفر، في واقعة أثارت صدمة واسعة داخل فرنسا وخارجها، وأعادت فتح النقاش مجدداً حول هشاشة أمن المتاحف الفرنسية أمام عصابات الجريمة المنظمة.

وقعت الحادثة في وضح النهار، تحديداً بين الساعة التاسعة والنصف والتاسعة وأربعين دقيقة صباحاً، حين توقفت شاحنة صغيرة مزودة برافعة أمام رصيف نهر السين الملاصق للمتحف، وصعد منها أربعة لصوص نحو نافذة في الطابق الأول. وباستخدام أدوات قصّ محمولة، حطموا الزجاج واخترقوا قاعة أبولون الشهيرة التي تضم مجوهرات التاج الفرنسي. هناك، حطموا واجهتين محصنتين تعرضان قطع المجوهرات الملكية، قبل أن يفرّوا من المكان في غضون دقائق معدودة.

وفق مصادر أمنية فرنسية، كان اللصوص مجهّزين بمناشير كهربائية صغيرة، وقد عُثر لاحقاً على دراجة كهربائية تركوها أثناء فرارهم. ولم يصدر عن إدارة المتحف أي تعليق فوري، مكتفية بإعلان إغلاق أبوابه “لأسباب استثنائية”.

سبع دقائق تغيّر تاريخ المتحف

وصف وزير الداخلية لوران نونيز العملية بأنها “محكمة وسريعة”، مشيراً إلى أن الجناة “محترفون على درجة عالية من التنظيم” وربما “أجانب”. وأضاف أن عملية السرقة استغرقت سبع دقائق فقط، مستبعداً أن تكون عملاً عشوائياً.

وتتابع السلطات التحقيق عبر أكثر من 60 محققاً من فرقة مكافحة الجريمة التابعة للشرطة القضائية والمكتب المركزي المختص في مكافحة الاتجار بالممتلكات الثقافية. فيما قدّرت وزارة الثقافة أن اللصوص سرقوا ثماني قطع تراثية “لا تقدّر قيمتها بثمن”، جميعها من القرن التاسع عشر.

من بين المسروقات عقد من الياقوت والماس يعود إلى الملكة ماري-إميلي، زوجة الملك لوي فيليب الأول، يضم ثمانية أحجار ياقوت وأكثر من 600 ماسة، إلى جانب عقد آخر من الزمرد مؤلف من 32 حجر زمرد وأكثر من ألف ماسة تعود للزوجة الثالثة لنابوليون بونابرت. كما أسقط اللصوص أثناء فرارهم تاج الإمبراطورة أوجيني، زوجة نابوليون الثالث، وهو قطعة فريدة تحتوي نحو ألفي ماسة.

دوافع غامضة وسط تحذيرات من “اختراق أمني”

أكدت المدعية العامة في باريس، لور بيكو، أن الجناة كانوا “ملثمين” وهربوا على دراجات نارية، مرجّحة احتمالين أساسيين: إما أنهم نفذوا العملية لصالح جهة معينة، أو سعوا للاستفادة من الأحجار الكريمة في عمليات غسل أموال، نظراً لاستحالة بيع المجوهرات المسروقة بصيغتها الأصلية.

وزارة الثقافة الفرنسية أقرّت بأن تدخل موظفي المتحف السريع أجبر اللصوص على الفرار، تاركين خلفهم بعض معداتهم، لكن ذلك لم يمنع من تصاعد الانتقادات المتعلقة بضعف إجراءات الحماية في الصرح الثقافي الأهم في العالم.

أمن المتاحف في دائرة الاتهام

السرقة هي الأولى من نوعها في متحف اللوفر منذ عام 1998، وجاءت بعد حوادث مشابهة استهدفت متاحف فرنسية خلال الأشهر الماضية، بينها سرقة عينات ذهبية من المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي في باريس، وقطع خزفية من متحف ليموج وسط البلاد، بلغت قيمة خسائرها ملايين اليوروهات.

ورداً على تساؤلات حول الخلل الأمني، قال وزير الداخلية إن “أمن المتاحف الفرنسية هشّ”، مضيفاً أن خطة أمنية جديدة أطلقتها وزارة الثقافة “تشمل اللوفر ضمن أولوياتها”.

صدى سياسي واسع: “فرنسا نُهبت”

وأثارت العملية ردود فعل غاضبة في الأوساط السياسية الفرنسية، إذ اعتبر زعيم حزب التجمع الوطني جوردان بارديلا أن ما حدث “إهانة لا تُحتمل”، متسائلاً: “إلى متى سيستمر انهيار الدولة؟”، فيما قال لوران فوكييه، رئيس كتلة الجمهوريين في الجمعية الوطنية، إن “فرنسا نُهبت، وعلينا حماية أثمن ما لدينا: تاريخنا”.

إرث مُستباح ودلالات مقلقة

يعدّ متحف اللوفر، الذي استقبل نحو تسعة ملايين زائر في عام 2024، 80% منهم من خارج فرنسا، من أهم رموز الهوية الثقافية الأوروبية والعالمية. ويضم على مساحة 73 ألف متر مربع حوالي 35 ألف عمل فني، من أبرزها لوحة الموناليزا وتماثيل العصور الكلاسيكية.

وفي يناير الماضي، كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد تعهد بترميم المتحف وتحديث مرافقه، بعد تحذيرات من إدارته حول تدهور بنيته التحتية. وقال ماكرون حينها إنه يأمل بزيادة عدد الزوار إلى 12 مليوناً سنوياً بعد انتهاء أعمال التوسعة.

لكن عملية السرقة الأخيرة، التي نفذت بدقة وجرأة نادرتين، أعادت إلى الأذهان أكثر قصص السطو جرأة في تاريخ الفن، وألقت بظلال ثقيلة على صورة فرنسا كحارسة لتراث الإنسانية، في بلد يبدو أنه يواجه اختباراً حقيقياً بين ذاكرته الثقافية وواقعه الأمني.

مواضيع مرتبطة

مواضيع حديثة