فيما وصفه المسؤولون بأنها أحد أوسع حملات محاربة الجريمة الإلكترونية في التاريخ الحديث، فرضت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة معًا عقوبات على إمبراطورية احتيالية إلكترونية ضخمة تتمركز في جنوب شرق آسيا، وهي شبكة جمعت بين الاتجار بالبشر وعمليات الاحتيال بالعملات المشفرة، فضلاً عن عمليات غسل أموال واسعة النطاق.

واستهدفت العقوبات رجل الأعمال الكمبودي تشين زهي، حيث تركزت على مجموعة “برينس”، وهي تكتل كمبودي يرأسه تشين زهي، رجل الأعمال الصيني-الكمبودي
المتهم بإنشاء شبكة احتيال إلكتروني عابرة للحدود استهدفت ضحايا حول العالم.
وبحسب الحكومتين، قامت منظمة تشين باستدراج الآلاف من العمال المتجر بهم إلى “مراكز احتيال استثماري” متخفية تحت ستار شركات تجارية في كمبوديا وميانمار ودول مجاورة، حيث أُجبروا تحت تهديد التعذيب على إدارة ما وصفته السلطات الأمريكية بـ”إمبراطورية احتيال إلكتروني مترامية الأطراف”.
وفي 8 أكتوبر، كشفت النيابة الأمريكية عن لائحة اتهام في محكمة بروكلين الاتحادية ضد تشين بتهم التواطؤ للاحتيال عبر الإنترنت وغسل الأموال. وتزعم وزارة العدل أن العمال الضحايا، تحت إشراف تشين، شاركوا في حملات احتيال معقدة تُعرف باسم “تجويع الخنازير” — علاقات إلكترونية وهمية تُقنع الضحايا باستثمار أموالهم في منصات عملات رقمية احتيالية.
مصادرة عملات بيتكوين الرقمية بقيمة 14 مليار دولار

إلى جانب لوائح الاتهام، أعلنت وزارة العدل الأمريكية عن أكبر عملية مصادرة للعملات الرقمية في تاريخها، حيث جرى ضبط حوالي 127,271 بيتكوين بقيمة نحو 14 إلى 15 مليار دولار، يُعتقد أنها من عائدات عمليات مجموعة “برينس”. وقد تم تتبع البيتكوين إلى 25 محفظة غير مُستضافة يديرها تشين؛ وذكر المدعون أنها ظلت غير نشطة منذ 2020، وتسعى الوزارة الآن للحصول على مصادرة دائمة للأصول في أكبر إجراء حجز بالأصول بتاريخ الوزارة.
هذه الأموال، بحسب الاتهام، غُسلت عبر شركات قمار رقمية وشركات تعدين العملات المشفرة، ومُولت بها مشتريات فاخرة مثل طائرات خاصة وأعمال فنية نادرة (من بينها لوحة لبيكاسو) وعقارات فارهة في عدة دول.
تجميد الأصول وإمبراطورية عقارات لندن

في المملكة المتحدة، أكدت وزارة الخارجية أن السلطات جمدت 19 عقارًا في لندن تتجاوز قيمتها 200 مليون جنيه إسترليني ضمن العقوبات على تشين وشبكته، بينها قصر بقيمة 12 مليون جنيه في شمال لندن ومبنى مكاتب بقيمة 100 مليون جنيه قريب من برج “Walkie Talkie” في قلب المدينة. ووفق مسؤولين بريطانيين، استُخدمت هذه العقارات لإخفاء عائدات الجريمة وغُسلت الأموال عبر شركات أوفشور مسجلة في جزر فيرجن البريطانية.
وصفت وزيرة الخارجية، يفيت كوبر، العملية بأنها ضربة ضد “مجرمين انتهازيين يدمّرون حياة الأبرياء ويستثمرون ثرواتهم على حساب معاناة البشر”، مضيفة: “هؤلاء العقل المدبر كانوا يشترون منازل لندن لإخفاء الأموال القذرة—هذا انتهى اليوم”.
حجم شبكة الاحتيال
كشفت التحقيقات أن مجموعة “برينس” وفروعها—بما في ذلك “مجموعة جين بي”، و”منتجعات جولدن فورتشن”، و”بورصة Byex”—أسست أو أدارت ما لا يقل عن عشرة مجمعات في كمبوديا حيث تم حبس العمال وإجبارهم على إدارة عمليات احتيال رقمية. كما استخدمت هذه المراكز استراتيجيات كالعلاقات الرومانسية المزيفة لتضليل الضحايا ودفعهم لتحويل مبالغ ضخمة على أساس وعود استثمارية وهمية.
كانت منظمات حقوقية مثل العفو الدولية قد أثارت المخاوف سابقًا من أن بعض هذه المجمعات تمارس تعذيبًا واسع النطاق وضربًا وتهديدات لأعضاء أجنبية، وغالبًا ما يُستدرجون بعروض عمل زائفة.
تشير أوراق المحكمة كذلك إلى أن اثنين من مراكز الاتصال التابعة للمجموعة كانت تدير أكثر من 76 ألف حساب على شبكات التواصل الاجتماعي، وتستعمل أدوات “بناء الثقة” التي تنصح العمال بعدم استخدام صور لنساء “جميلات للغاية” لجعل الحسابات تبدو أكثر مصداقية للضحايا.
حملة دولية منسقة

عاقبت الولايات المتحدة 146 فردًا وكيانًا مرتبطًا بمجموعة “برينس”، فيما استهدفت بريطانيا ستة كيانات وستة أفراد آخرين. كما لجأت شبكة مكافحة الجرائم المالية الأمريكية (FinCEN) لبند 311 في قانون باتريوت، معتبرة مجموعة “هويون” ممولًا أساسيًا للعملية، ووصفتها كجهة غسيل أموال خطيرة.
وصف مساعد نائب عام أمريكا، جون آيزنبرغ، الشبكة بأنها “مؤسسة إجرامية قامت على معاناة الإنسان”، فيما قال وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسينت إن واشنطن ستواصل “قيادة الجهود العالمية لمنع هؤلاء المجرمين من استخدام النظام المالي الدولي كميدان لهم”.
التداعيات والمتابعة المستمرة
لا يزال تشين زهي فارًا، وقد أصدرت السلطات الأمريكية والبريطانية مذكرات اعتقال بحقه. وفي حال الإدانة، قد يواجه عقوبة تصل إلى 40 عامًا في السجن.
ويُعتقد أن عمليات مجموعته امتدت تتجاوز جنوب شرق آسيا لتؤثر على ضحايا في المملكة المتحدة والولايات المتحدة وأفريقيا، وكونت جزءًا من موجة أوسع من مخططات “تجويع الخنازير” العابرة للحدود والتي استنزفت مليارات الدولارات من الضحايا حول العالم.
اختتم وزير مكافحة الاحتيال البريطاني، اللورد هانسون، الرسالة بحدة: “المحتالون يستغلون اليائسين والطامحين على حد سواء… هذه العقوبات اليوم توجه رسالة واضحة سواء كنت تعمل من بنوم بنه أم ماي فير، فإن العالم الحر يضيق الخناق”
