36.5 C
Khartoum

مجازر «الدعم السريع» في الفاشر مستمرة وسط صمت دولي مخزٍ

Published:

اليراع- تتواصل الهجمات العنيفة التي تشنها ميليشيا «الدعم السريع» على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، في ظل ما تصفه الحكومة السودانية ومنظمات مدنية بـ«صمت دولي مخزٍ» إزاء الجرائم الممنهجة التي تستهدف المدنيين منذ أكثر من عامين. وتحوّلت المدينة، التي تحتضن آخر معاقل الجيش الحكومي في الإقليم، إلى ساحة قتال مفتوحة تتساقط فيها يومياً قذائف الموت وسط حصار خانق يقطع الإمدادات والاتصالات والمساعدات الإنسانية.

أكثر من 1300 قتيل منذ مطلع العام

تشير تقديرات شبكات محلية إلى أن عدد ضحايا القصف والهجمات المتكررة منذ بداية العام الجاري تجاوز 1300 قتيل، في حين يصعب الحصول على إحصاءات دقيقة بسبب طبيعة الحصار المفروض على المدينة والمناطق المجاورة من قبل قوات محمد حمدان دقلو «حميدتي». وتؤكد لجان المقاومة أن معدلات القتل تتراوح بين 20 و30 شخصاً كل 48 ساعة نتيجة القصف المدفعي العشوائي على الأحياء السكنية ومراكز النزوح.

وتطالب شبكة أطباء السودان ومكونات مدنية أخرى الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي بضرورة التدخل العاجل لحماية المدنيين وفتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية والطبية إلى داخل الفاشر، فضلاً عن التحقيق في الانتهاكات ومحاسبة المسؤولين عنها أمام المحاكم الدولية.

هجمات متصاعدة ومجازر متكررة

في أحدث المآسي، قُتل 57 مدنياً، بينهم 17 طفلاً و22 امرأة، في قصف بطائرة مسيّرة استهدف أحد مراكز الإيواء يوم السبت الماضي، لتصفه شبكة أطباء السودان بأنه «امتداد لسلسلة مجازر متكررة ترقى إلى جريمة إبادة جماعية». وأكدت الشبكة أن القصف المستمر «يمثل تطبيقاً لسياسة الأرض المحروقة» التي تنتهجها قوات الدعم السريع لإفراغ المدينة من سكانها.

القصف المستمر «يمثل تطبيقاً لسياسة الأرض المحروقة» التي تنتهجها قوات الدعم السريع لإفراغ المدينة من سكانها.

ومنذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول وحده، شهدت الفاشر ثلاث هجمات كبرى استهدفت مستشفى المدينة والمناطق السكنية وأسفرت عن عشرات القتلى والجرحى، بينهم كوادر طبية. وأدانت شبكة الأطباء القصف على المستشفى بوصفه «جريمة حرب مكتملة الأركان»، إذ أودى بحياة مرضى وأطباء كانوا في أقسام العمليات والعناية المركزة.

وفي سبتمبر/أيلول الماضي، استهدف قصف بطائرة مسيّرة مسجداً أثناء صلاة الفجر، فقتل 43 مصلياً بينهم عمداء كليات وأطباء بارزون. وتكررت المجازر خلال الشهر ذاته، حيث قُتل 18 شخصاً في قصف على حي النصرات، ثم 13 آخرون في هجوم لاحق شمل السوق المركزي، بينما قُتل الطبيب ضو البيت أحمد، مدير مركز السلام لجروح السكري، في عملية استهداف مباشرة لمنشأة طبية.

حصار وتجويع ومأساة إنسانية

إلى جانب القصف اليومي، تعاني المدينة من مجاعة متصاعدة وانهيار كامل في الخدمات الطبية. وتقول شبكة الأطباء إن أغلب المرافق الصحية خرجت عن الخدمة، فيما تتحول بعض المستشفيات إلى مقابر جماعية بعد قصفها مراراً. كما حذّرت تقارير إنسانية من أن مستويات الأمن الغذائي تجاوزت مرحلة الخطر، حيث يواجه أكثر من 260 ألف مدني، نصفهم من الأطفال، خطر الجوع الحاد ونقص الدواء.

ويؤكد سكان المدينة أن قوات «الدعم السريع» تمنع وصول القوافل الإنسانية وتنهب مخازن الإغاثة، فيما أُغلقت الطرق المؤدية إلى الفاشر بالكامل. وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن الأطفال يشكلون نحو نصف عدد المدنيين المحاصرين داخل المدينة، وأن معظمهم يعتمدون على وجبات بسيطة من الحبوب الجافة والمياه الملوثة.

تطهير عرقي وتهجير قسري

تتهم تقارير حقوقية «الدعم السريع» بارتكاب جرائم ذات طابع إثني بحق سكان شمال دارفور. ففي 24 أغسطس/آب الماضي، قُتل 13 شخصاً في منطقة خزان قولو «على أساس عرقي»، بينهم خمس نساء وأربعة أطفال. وسبق ذلك هجمات متعددة على معسكرات النازحين في أبو شوك وزمزم، حيث أودت المجزرة الأخيرة هناك بحياة أكثر من 600 نازح خلال عشرة أيام، قبل أن تُحوّل قوات الدعم المخيم إلى قاعدة عسكرية تُستخدم لاحقاً في محاصرة المدينة.

وفي أبريل/نيسان، شهد حي أولاد الريف قصفاً أسفر عن مقتل 21 مدنياً، بينهم نساء وأطفال، بينما قُتل عشرة من الكوادر الطبية في عمليات تصفية مباشرة. كما تعرض المستشفى السعودي، أكبر منشأة علاجية في الفاشر، لهجوم في يناير/كانون الثاني أدى إلى مقتل 68 شخصاً، جميعهم من المرضى والمرافقين، وهو ما اعتُبر حينها أحد أفظع الانتهاكات منذ بدء الحرب.

جمود دولي وانتقادات واسعة

رغم مرور أكثر من عامين على اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، لا تزال الاستجابة الدولية محدودة. وتتهم منظمات سودانية الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بالتقاعس عن واجبهم في حماية المدنيين ووقف المجازر التي قد ترقى إلى جرائم إبادة جماعية. ويشير ناشطون إلى أن البيانات الصادرة تكتفي بـ«الإعراب عن القلق»، بينما يستمر القصف والقتل اليومي في الفاشر دون رادع.

تقول تسنيم الأمين، المتحدثة باسم شبكة أطباء السودان: «ما يحدث في الفاشر ليس مأساة فحسب، بل إبادة تُنفّذ بدم بارد أمام أنظار العالم». وتضيف أن المدنيين «يموتون مرتين: مرة برصاص الدعم السريع، ومرة بالجوع والحصار»، داعية إلى تحرك دولي عاجل لوقف ما وصفته «بجرائم الحرب المستمرة ضد سكان شمال دارفور».

مواضيع مرتبطة

مواضيع حديثة