31.8 C
Khartoum

حمى الضنك والملاريا تفتكان بمواطني الخرطوم… والأمطار والفيضانات تفاقمان الأوبئة

Published:

الخرطوم ـ  في ظل تداعيات الحرب الدائرة في السودان منذ منتصف أبريل/نيسان عام 2023 وتزامنا مع موسم الخريف الحالي، شهدت العاصمة الخرطوم أزمة صحية، بعدما غمرت الأمطار والفيضانات الأحياء السكنية وتعطلت شبكة الصرف الصحي، الأمر الذي أدى إلى انتشار مخيف لوباء حمى الضنك ومرض الملاريا، وسط أعداد كبيرة من المواطنين.

أزمة البندول

قال مصدر طبي في مستشفى النو في مدينة أم درمان غربي الخرطوم لـصحيفة «القدس العربي»، إن أعداد المرضى في المستشفى ما زالت ضخمة، أغلبهم مصابون بحمى الضنك والملاريا وضعف الدم، لافتاً إلى وجود أزمة في الحصول على محلول البندول في المستشفيات الحكومية والصيدليات الخاصة.
وأوضح أن أعداد المصابين بحمى الضنك ومرض الملاريا زادت في مدينة أمدرمان، بينما قلت الأعداد في بقية مدن الخرطوم الأخرى مقارنة بالأسابيع الماضية. وعزا ذلك إلى كثافة السكان والنازحين العائدين إلى أمدرمان، بالإضافة إلى تردي الوضع الصحي وانتشار النفايات.
وقال المواطن نادر عبد الحميد من سكان حي الثورة الحارة العاشرة لـلصحيفة ان «أغلبية سكان الحي أصيبوا بالملاريا أو حمى الضنك أو الاثنين معاً خاصة بعد برمجة قطوعات الكهرباء لأكثر من 6 ساعات مع تراكم النفايات وانتشار البعوض».
وأضاف: «لا يوجد في الصيدليات محلول البنادول والمتاحة أسعاره غالية بسبب تجار الأزمات، أيضا لا توجد حقن الملاريا في المستشفيات الحكومية والأسعار مرتفعة في الخارج»، كاشفاً عن وفاة شخصين في الحي الذي يسكنه بسبب الحميات.
وأشار إلى أن أعمال رش البعوض وتطهير المصارف والمستنقعات تم أغلبها بمجهودات أهلية من خيّرين ولجان وغرف الطوارئ في الحي، بالتالي كانت محدودة ولم تقض على البعوض بشكل كامل.
ويعتبر البعوض المعروف بـ«الزاعجة المصرية» التي تنشط في الأوقات النهارية الناقل الرئيسي لحمى الضنك، وهي مرض فيروسي يتسبب في الحمى والصداع وآلام العضلات والمفاصل ولا يوجد له علاج سواء الراحة والمسكنات ومخفضات الحرارة وشرب السوائل. أما الملاريا فهي مرض طفيلي ينتقل عن طريق البعوض من نوع أنوفيلس الذين يكون أكثر نشاطاً في الليل. وكلا النوعين يتكاثران في المياه الراكدة أو البطيئة الحركة.
وبالرغم من استعادة الجيش القصر الجمهوري وأغلبية مناطق الخرطوم من قبضة «الدعم السريع» أواخر مارس/آذار الماضي إلا أن عمليات تنظيف مجاري الصرف الصحي والتطهير من مخلفات الحرب واستعادة النظام الصحي لم تكتمل، وهو ما أدى إلى تفشي الحميات وندرة في الحصول على الأدوية والخدمات الصحية.
وكما هو معروف تنقسم الخرطوم إلى ثلاث مدن رئيسية، وتعتبر مدينة أمدرمان هي الأفضل في عدم انتشار وباء حمى الضنك والملاريا مقارنة بمدينتي الخرطوم والخرطوم بحري، وذلك حسبما أفاد مسؤول في وزارة الصحة في الولاية، مبيناً أن أجزاء واسعة من أحياء الخرطوم والخرطوم بحري كانت ميادين للحرب ولم تنظم فيها حملات النظافة حتى الآن، كما لم تعد المستشفيات الحكومية تعمل بطاقتها المعهودة.
وقبل 10 أيام أعلنت السلطات الصحية تخصيص عدد من المستشفيات لعلاج وباء حمى الضنك والملاريا مجاناً في الخرطوم.
مراسل «القدس العربي» زار مستشفى التميز في حي الامتداد الذي خصص لتغطية أحياء وسط وجنوب المدينة حيث لا يزال المرضى يتوافدون بأعداد مقدرة، لكن دون تقديم خدمة مجانية.

«القدس العربي» تجول في العاصمة السودانية وتزور مستشفى وتستطلع رأي خبير طبي

وقالت ابتهال عثمان، مرافقة أحد المرضى، إنها حضرت من حي جبرة جنوبي الخرطوم بعدما سمعت بمجانية العلاج لكنها تفاجأت بفرض رسوم لإجراء الفحوصات، كذلك قامت بشراء الدواء من الصيدليات التجارية بسبب عدم وجوده في المستشفى.
وأضافت: «المستشفى يعطي المريض محلول بندول واحدا فقط ويلزمه بشراء بقية العلاج من الخارج».

لا دعم

مسؤول في المستشفى قال إنهم تفاجأوا كغيرهم من المرضى والمرافقين بقرار مجانية علاج حمى الضنك والملاريا الذي أعلنت عنه وزارة الصحة ولم يتلقوا أي دعم حتى الآن بهذا الصدد.
وأشار إلى تخصيص عنبر للمرضى بالوباء كان من المفترض أن تدعمه إحدى المنظمات الصحية بالتنسيق مع الجهات المسؤول، وذلك لم يحدث ما أدى الى استمرار فرض الرسوم لتوفير الخدمات الممكنة.
بعض المنظمات الصحية وغرف الطوارئ نشطت في توزيع الناموسيات وتوفير علاج حمى الضنك والملاريا. كذلك وفر مستشفى منطقة الشجرة العسكرية خدمات مجانية للمواطنين في الأحياء الغربية والجنوبية رغم عمله بدوام نصفي واستقبال عدد محدود من المرضى في اليوم الواحد.
المتجول في مدينة الخرطوم يلاحظ كثرة البرك بسبب الأمطار والكسور في خطوط وشبكات المياه بجانب انتشار النفايات ومخلفات الحرب وخلو أغلب المنازل من ساكنيها والهزال البائن على البقية جراء الأمراض وسوء التغذية الناتج عن استمرار القتال لقرابة العامين في المدينة.
ومن المتوقع أن تتفاقم المخاطر بشكل أوسع الأيام المقبلة بعدما شهدت المناطق المتاخمة لنهر النيل فيضانا مفاجئا.
كما قالت الهيئة العامة للأرصاد الجوية في السودان، أمس الثلاثاء، إنها تتوقع استمرار هطول الأمطار في عدة ولايات من البلاد خلال الأيام الثلاثة المقبلة، مصحوبة بعواصف رعدية في بعض المناطق.
وفي هذا السياق، قالت غرفة طوارئ جبل أولياء أقصى جنوب الخرطوم، إن عدة مناطق في المحلية غمرتها مياه النيل التي اختلطت بمياه شبكات الصرف الصحي داخل كثير من الأحياء المتاخمة للضفاف ما ينذر بكارثة بيئية وصحية.
وأشارت إلى تضافر الجهود الشعبية وجهود متطوعي غرفة طوارئ جبل أولياء في التعامل مع الفيضانات والحد من غرق في كثير من المناطق، مبينة أنه ومن دون تدخل السلطة المحلية العاجل لامتلاكها آليات ومعدات الرش والتعقيم سوف يتعرض المواطنون إثر تلوث الماء الراكد للأوبئة والأمراض التي تنتقل عبر البعوض والبيئة الملوثة التي خلفتها الفيضانات.
ودعا متطوعو غرفة طوارئ محلية جبل أولياء، جميع الجهات المختصة ومنظمات الإغاثة المحلية والدولية للتدخل العاجل قبل حلول كارثة أكبر تفتك بمواطني المحلية الذين لا حول لهم ولا قوة لمجابهة آثار الفيضانات لوحدهم، مؤكدة أن الجهود الشعبية غير كافية لتدارك الأمر وتقديم ما يلزم لشح الإمكانيات والموارد.
وأعلنت اللجنة العليا لمكافحة حمى الضنك والملاريا في وزارة الصحة عن انخفاض ملحوظ في معدلات انتشار هذه الحميات في مختلف أنحاء السودان، في مؤشر إيجابي على فعالية الإجراءات المتخذة من قبل الجهات المختصة.
بينما أكد وزير الصحة الاتحادي هيثم محمد إبراهيم في تصريحات صحافية أمس ضرورة مكافحة الملاريا عبر تكثيف التدخلات وتحديث استراتيجية طويلة المدى ومتعددة التدخلات، مشيراً إلى أن السودان كان من أوائل الدول التي وقعت على مبادرة منظمة الصحة العالمية التي تهدف إلى التركيز على الأمراض ذات العبء الأكبر لتحقيق أثر ملموس.
وأعلنت عن خطتها التي تهدف إلى توفير أدوية الملاريا وتعزيز نظام المعلومات الصحية والأنشطة المخطط لها للعام المقبل، مشيرة إلى بداية توزيع 16 مليون ناموسية مشبعة في عدة ولايات خلال المرحلتين الأولى والثانية، بالإضافة إلى وضع استراتيجيات للسنوات الثلاث المقبلة لمكافحة هذه الأمراض.
من جانبه قال الخبير في الصحة العامة عبد الماجد مردس في تصريح للصحيفة إن الجهود المبذولة في مواجهة وباء حمى الضنك والملاريا رغم الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد في مختلف المجالات مقدّرة، فقد شهدنا تحريكاً واضحًا للمجتمع المحلي والجهات ذات الصلة والعلاق، إضافة إلى انخراط المنظمات والقوات النظامية عبر إداراتها الصحية ما أسهم في توسيع نطاق التدخلات الميدانية.
ولفت إلى إعادة تأهيل عدد من مؤسسات الرعاية الصحية على مختلف المستويات، مع تحسن ملحوظ في الإمداد الدوائي والمستلزمات الصحية، الأمر الذي عزز من قدرة النظام الصحي على الاستجابة وهو كل يوم في تقدم.
وأكد أن الحاجة ما زالت مستمرة لتعزيز جهود الوقاية المستدامة وتحسين خدمات المياه والصرف الصحي ومتابعة حملات الرش والنظافة العامة لضمان ثبات هذا التحسن واستدامته.
وكان مردس قد دعا إلى إعلان ولاية الخرطوم منطقة منكوبة بيئياً وصحياً، ولو على مستوى رمزي، لتحفيز الدعم ثم البدء فوراً في إنشاء منصة تنسيق طارئة تجمع بين الفنيين، والمجتمع المدني، والجهات الدولية. إلى جانب إشراك لجان الأحياء والمتطوعين في الإبلاغ عن بؤر التلوث وتطهير المصارف والمستنقعات بمبيدات صديقة للبيئة.

نقلا عن صحيفة :(القدس العربي)

مواضيع مرتبطة

مواضيع حديثة