ديسكورد منصة تواصل اجتماعية أميركية، صممت أساسا لتسهيل التواصل بالصوت والفيديو والدردشة المباشرة بين هواة الألعاب الإلكترونية على الشبكة العنكبوتية، طورها ستانيسلاف فيشنيفسكي وجيسون سيتورن عام 2015 مستفيديْن من تجربتهما المشتركة في تصميم لعبة “فيتس فور إيفر”.
وحتى سبتمبر/أيلول 2025 بلغ عدد مستخدمي ديسكورد النشطين شهريا نحو 200 مليون شخص، و90% من المستخدمين يستعملونه للعب بمقدار تشغيل 1.9 مليار ساعة.
وعلى الرغم من شهرتها الواسعة بين مجتمعات ألعاب الفيديو عبر الإنترنت، فإن المنصة أصبحت فضاء أوسع للتواصل بين المستخدمين حول اهتمامات متنوعة، من الفنون والموسيقى إلى القراءة والنقاشات العامة.
النشأة والتأسيس
تعود البدايات الأولى لمنصة “ديسكورد” إلى عام 2012، حين أسس جيسون سيترون أستوديو ألعاب باسم “فينيكس غيلد” بهدف بناء تجارب تفاعلية تجمع اللاعبين حول ألعاب جماعية.
انطلق المشروع الأول للأستوديو بلعبة “فيتس فور إيفر” المخصصة للهواتف المحمولة، والتي شكّلت الخطوة التأسيسية لفكرة دمج أدوات التواصل مع بيئة اللعب.
وفي أبريل/نيسان 2013 انضم المطوّر ستانيسلاف فيشنيفسكي إلى سيترون، وواصلا العمل على تطوير اللعبة.
وبعد عام تقريبا، أعاد الشريكان تسمية الأستوديو باسم “هامر آند تشيزل”، وأطلقا لعبة “فيتس فور إيفر” صيف 2014، ولاقت ترحيبا لافتا.

تميّزت اللعبة بخصائص جديدة في ذلك الوقت مثل الدردشة النصية والصوتية أثناء اللعب مع المنتديات المدمجة، وهي المزايا التي أرست الأساس لولادة ديسكورد.
في مايو/أيار 2015، أدرك سيترون وفيشنيفسكي الحاجة إلى وسيلة أكثر موثوقية للتواصل أثناء اللعب عبر الإنترنت، فاستفادا مما اكتسباه من تجربة لعبتهما “فيتس فور إيفر”، وأطلقا النسخة الأولى من تطبيق جديد مخصص للمحادثات النصية والصوتية، حمل اسم “ديسكورد”.
كان التطبيق موجّها منذ البداية إلى اللاعبين على الحاسوب والهواتف المحمولة، وهدف إلى توفير بيئة تواصل متكاملة أثناء اللعب وبعده.
المميزات
تقدم منصة ديسكورد خدمات أساسية، منها المحادثات النصية والدردشة الصوتية ضمن فضاءات اجتماعية تعرف بـ”الخوادم” (سيرفرز) ينشئها المستخدمون حسب حاجاتهم، ويرسلونها لمن يريدون عبر دعوات مباشرة. ويتواصل الأعضاء داخلها عبر قنوات نصية مميزة برمز الهاشتاغ (#)، أو قنوات صوتية مميزة بأيقونة السماعة.
ويتيح كل خادم لأعضائه تخصيص قناة عامة للدردشة، وأخرى لتلقي الآراء، وأخرى للمحادثات الصوتية المباشرة، وأخرى لتبادل الأخبار والقصص، وأيضا لتنظيم محادثات جماعية مرئية، أو المشاركة في أنشطة ترفيهية.
وتعد القنوات النصية الأكثر شيوعا، إذ تسمح بتبادل الرسائل والصور والروابط وملفات “جيف”، في حين تتيح القنوات الصوتية للمستخدمين الانضمام والاستماع إلى محادثات جارية والتفاعل مباشرة، مع إمكانية استخدام الدردشة الكتابية بالتوازي.
ويمكن الانضمام إلى الخوادم عبر روابط دعوة أو عبر مشاركة الروابط العامة، في وقت يضع فيه مديرو الخوادم قواعد استخدام ويشرفون على ضبط المحتوى وحماية المجموعة من المواد غير اللائقة.
وتستوعب الخوادم الكبرى حتى نصف مليون عضو، مع سقف 500 قناة موزعة على 50 فئة.
وتطورت مجموعات وقنوات ديسكورد لتشمل ما هو أبعد من ألعاب الفيديو، إذ صارت الخوادم العامة شبيهة بمزيج بين منصتي رديت وسلاك، حيث يجتمع عشاق موضوعات محددة لتبادل النقاشات والصور والرموز التعبيرية، كما تستضيف بعض الشركات ومطوري الألعاب خوادم رسمية للتواصل المباشر مع المستخدمين.
ويمكن استخدام المنصة للتفاعل مع المجموعات أثناء متابعة البثوث على منصات أخرى، أو لتنظيم مجموعات المشتركين عبر ربط الحسابات مع يوتيوب أو باتريون.
وتتميز المنصة بإتاحتها أدوات برمجية تشتغل بشكل آلي (بوتز) يمكن استخدامها للترحيب بالأعضاء الجدد أو إدارة النقاشات أو تشغيل الموسيقى وغيرها من الخدمات المخصصة، وهي مفيدة للشركات في برمجة تنفيذ بعض المهام بشكل آلي.
كما تتيح المنصة نسخة مدفوعة تعرف بـ”ديسكورد نيترو”، تمنح إمكانية الانضمام إلى 200 خادم، بدلا من 100 خادم في النسخة المجانية، إضافة إلى تخصيص الأسماء المستعارة والإشعارات بحسب كل خادم.
محطات تطويرية
في ربيع 2016 أطلق ديسكورد خاصية التراكب داخل اللعبة على الحاسوب، وهي واجهة برمجية تظهر أعلى لعبة الفيديو وتوفر المعلومات الأساسية أو الوظائف التي يحتاجها اللاعب، مما سمح للاعبين بالتفاعل مع أصدقائهم دون مغادرة اللعبة.
وأضاف ديسكورد أيضا ميزة قائمة الأصدقاء للتواصل خارج الخوادم. كما أطلق واجهته البرمجية الرسمية “إيه بي آي” (API) لأول مرة، وأصبحت لاحقا الأساس لمئات الآلاف من التطبيقات.

وفي منتصف 2016 قدّم ديسكورد ميزة المكالمات الصوتية المباشرة عبر الرسائل الخاصة والجماعية، إلى جانب واحدة من أكثر مزاياه شعبية وهي إمكانية رفع واستخدام الرموز التعبيرية المخصصة داخل الخوادم.
ومع مطلع 2017 أطلقت خدمة ديسكورد نيترو التي تتيح للمستخدمين دعم المنصة مقابل الحصول على مزايا إضافية، مثل استخدام الرموز التعبيرية المخصصة في أي مكان وتعيين صورة رمزية متحركة.
وأضاف ميزتي مكالمات الفيديو ومشاركة الشاشة لجميع المستخدمين في الرسائل الخاصة والجماعية، كما طرح واجهة “الحضور الغني” التي تسمح بعرض حالة اللعب مباشرة على ديسكورد، مع تخصيصها.
ومع منتصف 2019 أطلق ديسكورد ميزة “غو لايف”، التي تمكّن اللاعبين من بث ألعابهم مباشرة لأصدقائهم داخل الخوادم. كما أضاف خاصية تعزيز الخوادم، التي تسمح للأعضاء بالمساهمة في فتح مزايا إضافية لمجتمعاتهم.
وأعلن ديسكورد في عام 2021 شراكة مع بلايستيشن لدعم ربط الحسابات، بما يتيح للاعبين عرض ألعابهم على جهاز بلايستيشن 5 داخل المنصة.
ورغم أن شعبية ديسكورد اقتصرت في بداياته على مجتمع اللاعبين عبر الإنترنت، فإن قاعدة مستخدميه توسّعت على نحو هائل في جائحة كورونا (كوفيد-19)، إذ أتاحت المنصة للأفراد الحفاظ على مجتمعهم الافتراضي والتواصل أثناء فترات الإغلاق. وبعد رفع القيود، استمر الفنانون وصانعو المحتوى والمعلمون والشركات وفئات أخرى في استخدامه.
وفي عام 2022، حققت الشركة إيرادات بلغت 220 مليون دولار، في حين قدّرت قيمتها السوقية بـ5 مليارات دولار، ورغم نمو العوائد، لم تتمكن الشركة حتى ذلك الوقت من تحقيق أرباح فعلية.

وبحلول عام 2023، بلغ عدد مستخدمي ديسكورد أكثر من 140 مليون مستخدم نشط شهريا، بمتوسط يقدّر بـ26.5 مليون مستخدم يوميا.
وفرت المنصة عام 2023 الدردشة الصوتية على أجهزة “بلايستيشن 5″، وكشفت عن ميزة “الأنشطة” التي تتيح اللعب داخل ديسكورد نفسه. كما طرح ميزتين صوتيتين جديدتين هما: لوحة الأصوات لتشغيل مؤثرات أثناء المكالمات، وميزة الرسائل الصوتية من الأجهزة المحمولة.
وفي ربيع 2024 أطلقت المنصة خاصية “مشغل التطبيقات”، التي تتيح للمستخدمين تشغيل الأنشطة من أي مكان على المنصة، في خطوة عززت مكانة ديسكورد باعتباره مساحة للتجمع قبل وأثناء وبعد اللعب.
وفي أواخر 2024 بدأ ديسكورد توفير الدردشة النصية والصوتية مباشرة داخل الألعاب، وكانت أولى الألعاب التي اعتمدت هذه الخاصية هي “باكس داي” و”أوميغا سترايكرز”.
وفي ربيع 2025 أعلن المؤسس سيترون انتقاله من منصب الرئيس التنفيذي إلى عضو مجلس إدارة ومستشار، في حين تولى همام سخنيني منصب الرئيس التنفيذي الجديد، مستفيدا من خبراته القيادية السابقة في شركتي “أكتيفجن بليزارد” و”كينغ”.
المؤسسون
- ستانيسلاف فيشنيفسكي
أحد مؤسسي منصة ديسكورد، حصل على بكالوريوس من جامعة ولاية كاليفورنيا، نورثريدج، يتميز بخبرة واسعة في هندسة البرمجيات بما في ذلك تطوير التطبيقات الشبكية القابلة للتوسع والخدمات الفورية.
سبق له أن أسس “جيلدوورك”، وهي شبكة اجتماعية مخصصة للاعبين، وعمل في مناصب بارزة لدى شركات تقنية عديدة، منها “غري إنترناشونال” و”كابام”.
عرف بشغفه بالألعاب والتكنولوجيا في مساره المهني، ويمزج بين الهندسة وتصميم المنتجات وتجربة المستخدم. ويشتهر بمساهماته الابتكارية في صناعة الألعاب، خصوصا في تطوير أدوات تعزز التفاعل الاجتماعي داخل الألعاب.
- جيسون سيتورن
رائد أعمال ومطور برامج، شارك في تأسيس منصة ديسكورد، كما أسس شركة “أوبن فينت”، وهي منصة اجتماعية للألعاب على الهواتف المحمولة بيعت لاحقا لشركة “غري” اليابانية.
شغل سيترون منصب المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة ديسكورد، وهو شخصية محورية في صناعة التكنولوجيا الحديثة، يركز على تحسين تجربة المستخدم وتطوير أدوات تواصل فعّالة وآمنة للمجتمعات الرقمية.
غرفة عمليات
في خطوة غير مسبوقة، استخدم شباب من جيل زد في نيبال والمغرب تطبيق ديسكورد باعتباره أداة رئيسية لتنظيم احتجاجاتهم السياسية ضد الحكومة، فضلا عن إدارة عمليات اتخاذ القرار وتنظيم الانتخابات.
ففي نيبال، تحولت الاحتجاجات الشعبية في غضون أيام قليلة إلى ثورة رقمية، وأسقط المحتجون الحكومة القديمة وأقاموا برلمانا افتراضيا على ديسكورد، وانتخبوا القاضية السابقة سوشيلا كاركي لتقود المرحلة الانتقالية.
وأثار تعيين كاركي، التي أدت اليمين الدستورية في 12 سبتمبر/أيلول 2025، بمنصب رئيسة مؤقتة للوزراء تفاعلا واسعا على المنصات الرقمية بعد احتجاجات دامية أسفرت عن سقوط الحكومة السابقة.
جاءت الأزمة بعد إعلان الحكومة في 4 سبتمبر/أيلول 2025 حجب نحو 26 منصة للتواصل الاجتماعي، واندلعت الاحتجاجات في 8 سبتمبر/أيلول الماضي، وواجهتها الشرطة بحملة قمع عنيفة أسفرت عن 25 قتيلا ومئات الجرحى، وفق وزارة الصحة النيبالية.
ولتنظيم احتجاجاتهم وسط العنف، أنشأ الشباب مساحة رقمية على ديسكورد لمناقشة شؤون الحكومة، وإقامة برلمان افتراضي، وإجراء تصويت لاختيار رئيسة وزراء مؤقتة، واعتمدوا على مجموعة “هامي نيبال” لإدارة المناقشات الرقمية ضمن مجموعة “شباب ضد الفساد”، مستفيدين أيضا من تطبيق الذكاء الاصطناعي “تشات جي بي تي” لتوليد قائمة بالمرشحين المحتملين، قبل اختيار كاركي للتفاوض مع الجيش وإدارة الحكومة الانتقالية.
أما في المغرب، فقد تحوّل تطبيق ديسكورد في 27 سبتمبر/أيلول 2025 من منصة للألعاب والتواصل الرقمي إلى أداة مركزية في تنظيم احتجاجات واسعة في مدن عدة.
فقد اعتمدت مجموعة شبابية أطلقت على نفسها اسم “جيل زد 212″ على التطبيق منذ المراحل الأولى للتحرك، ليس فقط للتواصل، بل لتخطيط أماكن المظاهرات ومواعيدها، وصياغة التعليمات للحفاظ على سلمية التحرك.
أنشأ القائمون على المبادرة مساحة رقمية خاصة باسم المجموعة، تضم قسما للإعلانات الرسمية ومساحة للتنسيق على المستوى الوطني، إضافة إلى غرف محلية لكل مدينة أو منطقة تعمل باعتبارها مراكز مصغرة لتبادل المعلومات وصياغة الخطط. ومع اتساع رقعة الاحتجاجات، تحولت هذه المساحات إلى بنية تنظيمية رقمية أشبه بـ”غرف عمليات” افتراضية للتنسيق بين مختلف المناطق.
وبدأت المجموعات بعدد محدود من الأعضاء، لكنها شهدت نموا متسارعا تجاوز 150 ألف عضو، معظمهم من الفئة العمرية بين 15 و28 عاما، واعتمد المشاركون على آلية التصويت الجماعي داخل ديسكورد لحسم القرارات، إذ أجري في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2025 تصويت داخلي حول استمرار المظاهرات بعد اندلاع أعمال شغب، وانتهى القرار بمواصلة الاحتجاجات لليوم السادس على التوالي.
