اليراع- تشهد مناطق واسعة في السودان موجات فيضانات غير مسبوقة نتيجة استمرار ارتفاع مناسيب نهر النيل وروافده، ما أدى إلى غمر أحياء سكنية ومساحات زراعية شاسعة، وسط تحذيرات رسمية عاجلة ومناشدات متكررة من السكان للسلطات بالتدخل العاجل للحد من حجم الأضرار.
تحذيرات رسمية وبلاغات عاجلة
وزارة الري والموارد المائية أكدت في بيان أن مناسيب النيل بلغت مرحلة الفيضان في عدد من المحطات الرئيسة على امتداد النهر، منها مدني والخرطوم وشندي وعطبرة وبربر وجبل أولياء. وأوضحت أن ولاية سنار والجزيرة والخرطوم ونهر النيل والنيل الأبيض دخلت بالفعل في نطاق الخطر، محذرة المواطنين المقيمين على ضفاف الأنهار من مغبة تجاهل الوضع وداعية إلى اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الأرواح والممتلكات.
وأشارت الوزارة إلى أن “محطات القياس سجلت وصول المياه إلى مستوى الفيضان في أكثر من نقطة على النيل الأزرق والنيل الأبيض والنيل الرئيس”، في وقت رجّحت فيه استمرار ارتفاع المناسيب على مدار الأسبوع الجاري.
انهيارات للمترسات وغمر للأحياء
في شمال بحري اجتاحت مياه النيل منطقة ودرملي بعد انهيار الترس الترابي الذي كان يحميها، مما أدى إلى غمر مساكن وممتلكات كثيرة. كما بدأت المياه التسلل بالفعل إلى أحياء جنوب الخرطوم، خصوصا في الكلاكلات والشكيلاب، حيث لجأ الأهالي إلى بناء تروس ترابية وحواجز رملية في ظروف صعبة وإمكانات محدودة.
مقاطع فيديو متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي أظهرت مشاهد لمواطنين يستنجدون بالسلطات بحثا عن دعم عاجل، وسط زيادة منسوب المياه في مناطق جنوب العاصمة إلى جانب امتدادها باتجاه الجزيرة وأبوروف في أم درمان.
المزارع تحت المياه
الأضرار لم تقتصر على المنازل فحسب، بل طالت آلاف الأفدنة الزراعية. ففي ولاية الجزيرة اجتاح فيضان النيل الأزرق مساحات ممتدة في مناطق ديم المشايخة وأم دلكة وقندال، ما أدى إلى تدمير أكثر من 176 مزرعة تغطي نحو 1764 فدانا يستفيد منها نحو 238 مزارعا يعتمدون على إنتاج الخضروات والفواكه من مانجو وموالح وموز.
وفي ولايات أخرى مثل النيل الأزرق والنيل الأبيض والشمالية، تسبب ارتفاع مياه النيل في غمر مزارع وأراضٍ زراعية واسعة، ما يهدد الموسم الزراعي صيف 2025 بخسائر باهظة.
بيانات عن السدود والإيرادات
الإدارة العامة لشؤون مياه النيل أوضحت أن إيراد النيل الأزرق انخفض إلى 699 مليون متر مكعب يوميا، لكن المناسيب لا تزال مرتفعة. وتشير بيانات تصريف السدود إلى استمرار الضغط الكبير على مجاري المياه؛ حيث سجل سد الروصيرص 613 مليون متر مكعب يوميا، وسد سنار نحو 688 مليون متر مكعب، فيما تجاوز تصريف سد مروي 730 مليون متر مكعب، وهو ما يفرض تحديات إضافية على إدارة المياه.
تأثيرات السيول والأمطار
وزارة الصحة السودانية ذكرت أن الأمطار الغزيرة المصاحبة للفيضان خلال الأيام الأخيرة ألحقت أضرارا مباشرة بـ386 أسرة (1876 شخصا) في ولايات الجزيرة والشمالية والنيل الأبيض، ليتجاوز إجمالي المتضررين منذ مطلع موسم الخريف وحتى 25 سبتمبر نحو 125 ألف شخص موزعين على أكثر من 24 ألف أسرة.
خلفية سنوية متكررة
السودان يعرف سنويا أزمة الفيضانات مع بدء موسم الأمطار بين يونيو وأكتوبر، حيث يحصل نهر النيل على 80 في المئة من مياهه من النيل الأزرق القادم من الهضبة الإثيوبية قبل التقائه بالنيل الأبيض عند الخرطوم. ويبلغ طول النيل الأزرق وحده نحو 1622 كيلومترا حتى العاصمة، بينما يمتد نهر النيل إجمالا لمسافة 6650 كيلومترا عبر 11 دولة حتى مصبه في البحر المتوسط.
ومع اتساع رقعة الفيضان هذا العام وبلوغه مناطق مأهولة ومزارع حيوية، تتزايد مخاوف السودانيين من تحوّل الأزمة إلى كارثة إنسانية واسعة، في حال لم تُتخذ تدابير عاجلة على مستوى الطوارئ والإغاثة.
