تشهد قرية عبود الواقعة ضمن نطاق وحدة عبري الإدارية بمحلية وادي حلفا في الولاية الشمالية حالة من التوتر المتصاعد، إثر رفض الأهالي القاطع لاستخدام حصص المياه المخصصة للشرب في عمليات تعدين الذهب. هذا الرفض الشعبي جاء كرد فعل مباشر على ما وصفه السكان بأنه “انتهاك صارخ لحق الحياة”، في وقت تعاني فيه المنطقة من أزمة مائية متكررة، تهدد استقرارها البيئي والمعيشي على حد سواء.
وبحسب معلومات متداولة في الأوساط المحلية، فإن الشركة المعنية حصلت على مضرب مياه عبر اتفاق خاص مع أحد سكان القرية، دون الرجوع إلى المجتمع المحلي أو التنسيق مع الجهات الإدارية المختصة. هذا الإجراء المنفرد أثار موجة احتجاجات واسعة، تخللتها دعوات عاجلة لتدخل السلطات من أجل وقف ما اعتبره الأهالي استغلالًا غير مشروع لمورد حيوي. وتداولت منصات التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة تظهر احتجاجات محدودة، رفع خلالها المواطنون لافتات تطالب بـ”حماية المياه من الاستثمار السام”، في إشارة إلى المخاطر البيئية المرتبطة باستخدام المياه في عمليات التعدين.
من جانبها، أوضحت الوحدة الإدارية بعبري أنها لا تملك صلاحية التدخل المباشر في الاتفاق الذي تم بشكل فردي، لكنها أبدت استعدادها لاستقبال وفد من الأهالي الغاضبين لبحث حلول محتملة للأزمة. هذا الموقف الرسمي يعكس محدودية قدرة السلطات المحلية على ضبط أنشطة الشركات العاملة في مجال التعدين، خاصة في ظل غياب إطار تنظيمي واضح يضمن حماية الموارد الطبيعية من الاستغلال غير المنضبط.
مخاطر بيئية
ويحذر سكان شمال السودان منذ سنوات من استخدام شركات التعدين لمواد كيميائية شديدة السمية مثل السيانيد والزئبق، والتي تؤدي إلى تلوث المياه والتربة، وتلحق أضرارًا جسيمة بالأنشطة الزراعية، ما يهدد الأمن الغذائي في المنطقة. وتُعد الولاية الشمالية، إلى جانب ولاية نهر النيل، من أكثر المناطق تأثرًا بالتعدين العشوائي والصناعي، حيث تتزايد المخاوف من اتساع رقعة التلوث البيئي في ظل ضعف الرقابة وتضارب المصالح بين الجهات الرسمية والشركات العاملة في القطاع.
نشاط سري
في تطور موازٍ، كشفت مصادر مطلعة عن نشاط شبكة غير قانونية قامت بإنشاء موقع لاستخلاص الذهب في ضواحي وادي حلفا منتصف سبتمبر 2025، وتمكنت من تهريب نحو 20 كيلوغرامًا من الذهب قبل أن تنسحب بشكل مفاجئ عقب تسريب معلومات حول موقعها. وتشير التحقيقات الأولية إلى أن الموقع أُنشئ دون علم الجهات الرقابية، حيث اختفت المعدات والعمال خلال أقل من 24 ساعة من انتشار الخبر، ما أثار تساؤلات حول مدى قدرة السلطات على مراقبة الأنشطة غير المشروعة في قطاع التعدين.
وفي أعقاب هذا الكشف، قررت مجموعة من المواطنين إلغاء وقفة احتجاجية كانت مقررة في 23 سبتمبر، بعد تدخل رسمي وتعهد بملاحقة المتورطين خلال أيام. هذا التحرك الرسمي جاء في محاولة لاحتواء الغضب الشعبي، وتهدئة الأوضاع قبل أن تتخذ الأزمة منحى أكثر تعقيدًا. ومع ذلك، لا تزال حالة التوتر في عبري قائمة، وتشير إلى تصاعد الصراع بين المجتمعات المحلية وشركات التعدين، وسط مطالبات متكررة بوضع حد للانتهاكات البيئية، وتقييد تغوّل رؤوس الأموال على الموارد الحيوية التي تشكل أساس الحياة في المناطق الريفية.
المصدر سودان نيوز
اكتشاف المزيد من اليراع
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.