أظهرت مقاطع فيديو تم نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل منظمة “ريفيوجيز إين ليبيا” Refugees in Libya في أوائل شهر أيلول/سبتمبر الجاري عشرات اللاجئين مكدسين على الأرض في مركز اعتقال في مدينة طبرق في أقصى السواحل الشرقية في ليبيا. ويعد ذلك مثالا جديدا للعنف الذي يتعرض له طالبو اللجوء في ليبيا الذي تحدث عنه مراقبنا بشكل مروع.
مقطع فيديو نشر في يوم 1 أيلول سبتمبر 2025 على حساب منظمة “ريفيوجي إين ليبيا” Refugees in Libya في منصة إكس يظهر عشرات اللاجئين ممدين على الأرض دون أغطية أو فراش. صورة من حساب منظمة “ريفيوجي إين ليبيا” Refugees in Libya على منصة إكس.
يتعلق الأمر بمقطعي فيديو تم نشرهما من قبل منظمة تعنى بمساعدة اللاجئين هي منظمة “ريفيوجيز إين ليبيا” Refugees in Libya. في مقطع الفيديو الأول، الذي تم نشره في يوم 1 أيلول/سبتمبر، نرى عشرات المهاجرين مكدسين على الأرض وأقدامهم عارية ودون أغطية أو فراش، وسط صمت مطبق. وفق منظمة “ريفيوجيز إين ليبيا” Refugees in Libya، فإن أكثر من 900 شخص تم احتجازهم في نفس المكان. في هذه الصور، يمكن لنا أن نحصى ما لا يقل عن 100 شخص.
في مقطع فيديو آخر، نشر بعد مرور عشرة أيام، نرى رجلا مقيدا في ذراع فتح شباك. وتم تسريب هذه الصور من قبل أشخاص معتقلين في مركز احتجاز تابع لحكومة الشرق الليبي في طبرق، في أقصى شمال شرق ليبيا، وهي المنطقة التي تسيطر عليه الحكومة المدعومة من مجلس النواب في طبرق و”الجيش الوطني الليبي” بقيادة المشير خليفة حفتر.

وتمكن فريق تحرير مراقبون فرانس24 من التأكد من الإحداثيات الجغرافية لالتقاط هذه التسجيلات المصورة. ففي منشور في يوم 3 آب/أغسطس 2025، نشرته الوكالة الليبية لمكافحة الهجرة غير النظامية على حسابها في فيس بوك، التي تتولى الإشراف على مركز الاحتجاز، نتعرف إلى نفس الساحة. وتم نشر هذه الصورة بمناسبة الاجتماع الأول الذي كان يهدف إلى “مكافحة الهجرة غير الشرعية والتهريب والأنشطة الإجرامية بمختلف أشكالها” وورد في النص المصاحب للصورة العبارة التالية “طبرق، مركز الإيواء في البطنان”. ويمكن لنا أن نتعرف إلى شباكين في آخر الساحة حيث كان اللاجئون ممددين بالإضافة إلى الحائط على اليسار مع خطين عموديين.
عمر (اسم مستعار) هو مهاجر سوداني خرج من مركز الاحتجاز في طبرق بعد أن دفع أموالا للحراس. وغادر عمر بلده السودان وهو يأمل في الوصول القارة الأوروبية بحلول العام المقبل. وتم اعتقاله في ليبيا في الربيع الماضي. وتعد ليبيا نقطة عبور رئيسية لكثير من المهاجرين الذين يريدون الوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي خصوصا منذ تكثيف المراقبة على طريق الهجرة انطلاقا من تونس. ويوضح عمر قائلا:
تم إيقافي في أحد شوارع ليبيا مع عدة أشخاص آخرين. كنت أحاول الوصول إلى باقي أفراد عائلتي التي توجد في مدينة أخرى في ليبيا، إلا أنني وقعت بين أيدي رجال الشرطة ووجدت نفسي في مدينة طبرق.
كل الأشخاص الموجودين في هذا السجن لهم جنسيات مختلفة ويجمعهم هدف الوصول إلى أوروبا ولكن يجب علينا في البداية المرور من ليبيا”.
ويروي عمر بأن الحراس يطلبون من اللاجئين دفع مبالغ كبيرة للسماح لهم بالخروج. وإحدى السبل القليلة للحصول على هذه الفدية هي الاتصال بالعائلة، ويضيف عمر قائلا:
بالنسبة إلى كل سوداني أو سودانية، يطلب الحراس دفع 2500 دينار ليبي (أي ما يعادل نحو 392 يورو، فريق التحرير) للخروج من السجن.
كان هناك الكثير من الجنسيات من سودانيين وتشاديين ومصريين وإثيوبيين ويمنيين وسوريين وبنغاليين ومن جنوب السودان ومن الصومال. ولكن بالنسبة إلى هؤلاء، طلب الحراس منهم دفع مبلغ يصل إلى 7000 دينار ليبي (أي ما يعادل نحو 1100 يورو، فريق التحرير).
“السجن مليء بالأمراض”
يقول عمر إنه قضى عدة أشهر في مركز الاحتجاز في مدينة طبرق ويوضح:
إنه سجن كبير جدا. يصل عددنا إلى المئات. لم يمنح لنا الكثير من الغذاء أو الماء. عانينا الكثير من المشاكل في داخل هذا السجن.
خلال الليل، يقومون بوضعنا في مكان دون تهوية ووسط حرارة شديدة. وفي ظل غياب تهوئة، يعني ذلك بأنه لا يوجد كمية كافية من الأوكسجين. من ثم يقومون بإخراجنا في الصباح، في مساحة مفتوحة وسط البرد. وهو يجعلك تصاب بنزلة البرد والأنفلونزا والحمى وأمراض أخرى مماثلة.
منع علينا الحديث أثناء الليل. نخرج من الغرفة في الساعة العاشرة صباحا نتحدث إلى بعضنا البعض ونناقش ما يحدث في داخل سجن طبرق.
السجن مليء بالأمراض والجرب والقمل والحساسيات الجلدية. يوجد كل شكل من أشكال الحمى. إنه وضع بالغ الصعوبة، بكل صراحة”.
“يقومون بضربنا بقضبان الحديد”
تقوم منظمة “ريفيوجيز إين ليبيا” Refugees in Libya باستمرار بنشر صور ومعلومات عن وضع اللاجئين في ليبيا وتقول إنها تتلقى في كل يوم عشرات الرسائل وتؤكد بأن عدد اللاجئين المعتقلين في هذا المركز ما انفك عن الارتفاع إلى حد اليوم.
يظهر مقطع الفيديو معاملة سيئة لهؤلاء اللاجئين المعتقلين. ونرى من خلاله رجلا يعاني من هزال شديد وهو مقيد اليد في ذراع شباك وهو واقف على قدميه هذه المرة.
مقطع نشر على حساب منظمة منظمة “ريفيوجي إين ليبيا” Refugees in Libya في منصة إكس في يوم 11 أيلول سبتمبر 2025 يظهر رجلا مقيد اليد في ذراع شباك في مركز احتجاز المهاجرين في مدينة طبرق الليلية. صورة من حساب منظمة “ريفيوجي إين ليبيا” Refugees in Libya على منصة إكس.
ويضيف عمر قائلا بأنه وصلت إلى مسامعه عبر معارفه، قصة هذا الرجل الذي تم تصويره عندما كان مقيد اليد في شباك بهذا السجن، ويروي عمر قائلا:
لقد قاموا بخطفه من الطريق. وقاموا بمصادرة هاتفه من طراز آيفون لفتحه من خلال تطبيق آي كلاود. ورفض هذا الرجل فتح هاتفه. وبعد أن قاموا بضربه وتعذيبه وإهانته، قاموا بوضعه في العزل، لقد مارسوا تعذيبا شديدا بحق هذا الرجل. لقد كانوا بالتأكيد يريدون فتح هافته.
لهذا السبب قاموا بضربه. ومن ثم قاموا بربطه في شباك. لقد كان يشعر بخوف شديد. وبقي واقفا طوال الليل إلى غاية الصباح ومن ثم تعرض للضرب وتم عزله عن باقي المساجين. بعد ذلك، تعرض للضرب في كل يوم حتى يوافق على فتح تطبيق آي كلاود في هاتفه.
كانوا يريدون أخذ هاتفه لأن ثمنه مرتفع. قد تصل قيمته إلى ما يقرب من 6000 أو 7000 دينار ليبي (أي ما يتراوح بين 940 و 1100 يورو، فريق التحرير). بما أن الهاتف من طراز آيفون، قاموا بأخذه باستخدام القوة.
على سبيل المثال، هاتف من طراز سامسونغ يتراوح ثمنه ما بين 400 إلى 600 دينار ليبيا (أي ما يعادل بين 60 و100 يورو، فريق التحرير). وهو ما يجعلهم لا يطمعون فيه. إنهم يريدون أخذ أشياء قيمة.
في الوقت الذي صورت فيه هذه الانتهاكات بحق ذلك الرجل، يؤكد عمر بأنه حالته ليس فريدة، ويضيف قائلا بأن المعاملة السيئة والتعذيب هي الخبز اليومي للمهاجرين المعتقلين في مركز الاحتجاز في مدينة طبرق، ويقول:
هناك منطقة في هذا السجن يقوم فيها الجنود بضرب الناس. يقومون بضربهم باستعمال قضبان من حديد. يقومون بالضرب بكل ما يقع في أيديهم. إذ يمكن لك أن تكون واقعا في صف للحصول على الخبز أو الماء، ويكون الطابور طويلا جدا. وإذا ما غادر أحد الأشخاص الصف، يبدأ الجنود بضربه. إنهم يمارسون الضرب والتعذيب ضد الأشخاص الذين لا يريدون الدخول إلى البيوت. يقومون أيضا بافتكاك الأموال التي توجد في حوزتنا.
على غرار اللاجئين الموجودين في طبرق، يوجد عدة الآلاف من المهاجرين المعتقلين في كل أنحاء ليبيا في ظروف غير آدمية. وعادة مطالبتهم بدفع أموال من أجل إطلاق سراحهم موجودة منذ عدة أعوام. في سنة 2023، دعت منظمة أطباء بلا حدود إلى إنشاء ممرات إنسانية لطالبي اللجوء في البلاد.
ومنذ سقوط نظام الزعيم الراحل معمر القذافي في سنة 2011، غرقت ليبيا في دوامة من العنف وانعدام الاستقرار، ويتقاسم طرفان السلطة الفعلية في البلاد، وهما حكومة الوحدة الوطنية في غرب البلاد وهي السلطة التي تعترف بها الأمم المتحدة، ومجلس النواب وأتباع المشير خليفة حفتر في الشرق.
