طرابلس – «القدس العربي»: تتواصل الاتهامات الموجهة لقوات خليفة حفتر بتقديم دعم عسكري ولوجستي لقوات الدعم السريع في السودان، بالتعاون مع دول عدة. ورغم نفي هذه الأطراف المتكرر، فإن الأدلة الميدانية المتزايدة تؤكد صحة هذه الاتهامات.
فقد كشفت صحيفة «التلغراف» البريطانية عن وجود مئات المرتزقة الكولومبيين الذين يقاتلون في صفوف قوات الدعم السريع، مؤكدة أن الكثير منهم تعرضوا للخداع بعقود عمل وهمية في الإمارات، قبل أن يتم نقلهم إلى ليبيا ومن ثم إلى دارفور.
وحسب شهادات لجنود كولومبيين تحدثوا للصحيفة، فقد تلقوا وعودًا بوظائف حراسة في منشآت نفطية أو فنادق داخل الإمارات مقابل راتب شهري يُقدّر بـ2600 دولار، لكن بعد وصولهم إلى أبو ظبي جُرّدوا من جوازاتهم وهواتفهم، وقيل لهم إنهم سيتوجهون إلى دورة تدريبية في ليبيا، وأكد أحد المجندين ويدعى «خوان»، أن الطائرة حطت بهم في مدينة بنغازي، حيث نُقلوا بعدها برًا عبر الصحراء إلى دارفور، ليكتشفوا أنهم في قلب إحدى أكثر الحروب دموية، ويعملون ضمن صفوف قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو «حميدتي».
وأضاف خوان: لم أكن أعلم أنني ذاهب إلى السودان»، ولم يكن معظمهم يعلم، مشيرًا إلى أنهم «قالوا لنا إننا ذاهبون لحراسة منشآت، لكننا وجدنا أنفسنا نقاتل على الجبهات»، وأشار التقرير إلى أن البعض من هؤلاء المرتزقة لا يزالون في السودان، فيما تُركت جثث آخرين في ثلاجات موتى دون أن تُسترجع، مضيفًا أن عددًا من القتلى الكولومبيين دُفنوا دون علم عائلاتهم، وأن محاولات أهاليهم للتواصل مع وسائل الإعلام قُوبلت بالتحذير من الجهات المجندة.
كما كشفت التلغراف عن الاتهامات الموجهة لشركات أمن خاصة إماراتية بتسهيل عمليات التجنيد، وهو ما نفته الإمارات رسميًا، ونقلت تصريحات لمسؤولين سودانيين تؤكد مقتل عدد من المرتزقة الكولومبيين الذين حُصل على هوياتهم الرسمية، وأظهر التقرير أيضًا وجود مقاطع فيديو توثق تجنيد أطفال محليين وتدريبهم على أيدي مرتزقة ناطقين بالإسبانية، في انتهاك صارخ للقانون الدولي.
وفي أوائل أيلول/سبتمبر الجاري، استطاعت دولة السودان أن تقدم لمجلس الأمن عددًا من الأدلة التي أثبتت وفق ما نقلته وكالة الأنباء السودانية تورط الإمارات في تجنيد مرتزقة كولومبيين للقتال مع مليشيا الدعم السريع السودانية. ووفق وكالة السودان للأنباء، فقد أوضحت الوثائق أن المرتزقة نُقلوا من الإمارات إلى الصومال، ثم إلى بنغازي في ليبيا، تحت إشراف ضباط موالين لخليفة حفتر، قبل نقلهم عبر تشاد إلى السودان.
وأشارت الوثائق إلى أن الحكومة السودانية جمعت أدلة واسعة تُظهر أن مئات المرتزقة الكولومبيين، يُقدر عددهم بين 350 و380، معظمهم من الجنود والضباط المتقاعدين من الجيش الكولومبي، جرى تجنيدهم عبر شركات أمنية خاصة مقرها الإمارات، وبينت الوثائق أن من بين الشركات المتورطة مجموعة الخدمات الأمنية العالمية (GSSG) برئاسة مواطن إماراتي ومقرها أبوظبي.
كما أشارت الوثائق إلى شركة وكالة الخدمات الدولية (A4SI) التي شارك في تأسيسها العقيد الكولومبي المتقاعد ألفارو كويخانو، ويعمل من مدينة العين بالإمارات. وبحسب الوكالة، جرى التعاقد مع هؤلاء المرتزقة تحت ذريعة تقديم «خدمات أمن وحماية»، بينما في الواقع جرى نقلهم إلى السودان للقتال مباشرة مع مليشيا الدعم السريع، ويعملون تحت ما يُسمى «تشكيل ذئاب الصحراء».
وشارك المرتزقة في عدة جبهات بالسودان، ما أدى إلى مقتل مدنيين ودمار واسع، فضلًا عن استخدام أسلحة محظورة وتجنيد أطفال، وتهريب موارد طبيعية، واعتبر السودان هذه العمليات حربًا عدوانية أجنبية تديرها الإمارات، وطالب بمحاسبة المسؤولين وتصنيف الدعم السريع كجماعة إرهابية.
وفي أوائل آب/أغسطس الماضي، أثبت تحقيق حديث لمنظمة مركز المرونة المعلوماتية في لندن، وجود معسكر عسكري تابع لقوات الدعم السريع داخل الأراضي الليبية، في منطقة صحراوية قرب بلدة الجوف جنوب الكفرة. وأضافت المنظمة في تحقيقها، أن وجود المعسكر يثبت استمرار كون ليبيا مسار إمداد رئيسياً لهذه القوات التي تخوض صراعًا مسلحًا ضد الجيش السوداني.
وحلّل منفذ التحقيق بيانات مفتوحة المصدر وصور أقمار صناعية، إضافة إلى مئات مقاطع الفيديو التي نُشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأشهر الماضية، وأكد فريق التحقيق أن قوات الدعم السريع نقلت معدات عسكرية ووقودًا ومركبات عبر ليبيا، بعضها استُخدم لاحقًا في عمليات هجومية داخل السودان، من أبرزها الهجوم العنيف على مخيم زمزم للنازحين في ولاية شمال دارفور.
وقال المحقق الرئيسي مارك سنوك، إن مهمة تحديد موقع المعسكر لم تكن سهلة، لكن استخدام أدوات متقدمة مثل نظام «بلاك ماربل» التابع لوكالة ناسا، ساعد الفريق في رصد مصدر ضوء جديد في صور الأقمار الصناعية الليلية، ما قادهم إلى موقع المعسكر قبل أسابيع من ظهور الأدلة البصرية على الإنترنت، وتُظهر الصور وجود أكثر من 100 مركبة مصطفة داخل المعسكر، رغم صعوبة تحديد الرقم بدقة بسبب تداخل الصور وتنوع الآليات.
كما تمكن المحققون من التعرف على شارات كتف تعود لقوات الدعم السريع، بالإضافة إلى ظهور قائد ميداني بارز داخل الموقع، ما دعم فرضية أن المعسكر يخضع لسيطرة مباشرة من قبل تلك القوات. وفي يونيو الماضي، اتهم الجيش السوداني قوات حفتر بمهاجمة مواقع حدودية سودانية، وكان الاتهام هو الأول من نوعه ضد قوات شرق ليبيا بالضلوع المباشر في الحرب الدائرة منذ عامين بينه وبين قوات الدعم السريع.
وفي بداية الحرب، اتهم السودان حفتر بمساندة قوات الدعم السريع عبر مدّها بالأسلحة، واتهم حليفته الإمارات، بدعم القوات المناوئة للجيش أيضًا، عبر وسائل منها غارات جوية مباشرة بطائرات مسيّرة الشهر الماضي، وتنفي الإمارات تلك المزاعم وتدعم مصر، التي تساند حفتر أيضًا، الجيش السوداني. وأضاف الجيش السوداني في بيانه: «سندافع عن بلدنا وسيادتنا الوطنية وسننتصر مهما بلغ حجم التآمر والعدوان المدعوم من دولة الإمارات العربية المتحدة ومليشياتها بالمنطقة». وفي كانون الثاني/يناير الماضي، قالت صحيفة «مالتيز هيرالد» إن حفتر أرسل شاحنات عسكرية لقوات الدعم السريع استعدادًا لمعركة كبرى في الفاشر، ولفتت الصحيفة إلى رصد نشاط مكثف في قاعدة «معطن السارّة» في جنوب شرق ليبيا، حيث تم نقل معدات عسكرية روسية، وأضافت المالطية أن حفتر يزود «الدعم السريع» بالقوات والأسلحة بينما يتم الإمداد والتمويل من الإمارات العربية المتحدة، وواجهت قوات الدعم السريع سلسلة من الخسائر ضد القوات المسلحة.
وعندها اتهم وزير المالية والتخطيط الاقتصادي السوداني، جبريل إبراهيم، عدة دول بما فيها ليبيا، بدعم معارك قوات الدعم السريع، داعيًا إلى ضرورة مراعاة حقوق الجوار والعلاقات الصديقة، وكان تقرير للأمم المتحدة في كانون الثاني/يناير 2024 أشار إلى أن قوات الدعم السريع اشترت سيارات من ليبيا، وحصلت على أسلحة عبر الحدود الليبية، ما يسلّط الضوء مجددًا على طبيعة التدخلات الخارجية في النزاع السوداني المتفاقم.
دلائل وشهادات جديدة على دعم حفتر لقوات الدعم السريع بالعتاد والمرتزقة
Published:
