31.8 C
Khartoum

محلل اقتصادي: جهات متنفذة تواصل تصدير الذهب في السودان خارج القنوات الرسمية رغم الحظر

Published:

راديو دبنقا

في إطار جهودها للحد من تهريب الذهب وتعزيز الرقابة على قطاع التعدين، أصدرت السلطات السودانية سلسلة من الإجراءات التنظيمية، كان آخرها القرار الصادر يوم الأربعاء بتشكيل قوة مشتركة تتولى مهمة مكافحة تهريب المعادن وحماية مناطق الامتياز المخصصة للشركات العاملة في مجال التعدين من التعديات. هذا القرار يأتي في سياق تحركات أوسع تقودها لجنة الطوارئ الاقتصادية برئاسة رئيس الوزراء كامل إدريس، والتي أقرت في وقت سابق إنشاء نافذة موحدة لتداول الذهب.

حظر التداول

بالتوازي مع هذه الخطوات، أصدر بنك السودان المركزي قراراً يقضي بحظر شراء وتصدير الذهب من قبل الشركات أو من إنتاج التعدين الأهلي ومخلفات الشركات، وحصر هذه العمليات حصرياً في البنك المركزي أو الجهات التي يفوضها رسمياً. وأوضح البنك في بيان صدر يوم الإثنين أن شراء وتصدير “الذهب الحر” الناتج عن التعدين الأهلي أو مخلفات الشركات سيتم عبر بنك السودان فقط، وفقاً لأسعار البورصة العالمية والسعر المحلي السائد، على أن تتولى شركة مصفاة السودان للذهب تنفيذ عمليات الشراء.

ضوابط مصرفية

القرار منح المصارف صلاحية استكمال الإجراءات المصرفية المتعلقة بتصدير الذهب لأغراض التصنيع أو إعادة التصدير، بشرط الالتزام بجملة من الضوابط، من بينها الحصول على موافقة وزارة الصناعة والتجارة، واستخراج شهادة من هيئة المواصفات والمقاييس، وتقديم شيك مصرفي أو خطاب ضمان بنكي يعادل قيمة الذهب، مع إلزامية إعادة الذهب المصدر خلال فترة لا تتجاوز شهراً من تاريخ الشحن.

خلفية اقتصادية

المحلل الاقتصادي والكاتب الصحفي كمال كرار اعتبر أن الدافع الأساسي وراء قرار حظر شراء وتصدير الذهب عبر البنك المركزي يعود إلى فقدان نحو 80% من مصادر إيرادات الميزانية، مشيراً إلى أن الجزء المتبقي يعتمد على الضرائب ورفع التعرفة الجمركية. وأوضح أن البنى التحتية للإنتاج الزراعي والصناعي معطلة أو مدمرة، ما يجعل الذهب المورد الوحيد المتاح أمام السلطة الحاكمة في بورتسودان، التي تسعى للسيطرة على صادراته لضمان الحصول على عملة حرة.

تمويل عسكري

كرار أشار إلى أن التركيز على الذهب يرتبط بالحاجة إلى العملات الأجنبية لتمويل الإنفاق العسكري، الذي يعتمد بشكل كبير على العملة الصعبة لاستيراد السلاح. ونقل عن وزارة المالية قولها إن الحاجة ليست للعملة المحلية بل للعملات الأجنبية، وهو ما يفسر توجه الحكومة نحو احتكار عمليات شراء وتصدير الذهب.

مسارات غير رسمية

ورأى كرار أن القرار لن يحقق الاستقرار الاقتصادي أو النقدي، لأن قطاع التعدين الأهلي والمنظم كان يعمل عبر مسارات غير رسمية. وأوضح أن الإنتاج والتصدير يتمان غالباً خارج القنوات الرسمية، وأن الذهب لا يصل عادة إلى المصفاة التي يفترض أن تتولى شراءه. وأكد أن شركات الامتياز والشركات العسكرية المتنفذة لديها منافذ خاصة لتصدير الذهب، ما يجعل بنك السودان عاجزاً عن السيطرة على أكثر من 20% من الإنتاج، بينما يبقى 80% خارج متناول الجهات الرسمية.

غياب الدولة

كرار شدد على أن الأزمة لن تُحل ما دامت الدولة غائبة عن دائرة الإنتاج، وأن ملكية الذهب تظل حصرية لشركات الامتياز أو للتعدين الأهلي، الذين يفضلون البيع لمن يدفع أكثر، وغالباً ما يكون المشترون وسطاء مرتبطين بالتهريب. وأشار إلى أن ارتفاع قيمة الجنيه مقابل الذهب لا يمر عبر القنوات الرسمية، بل عبر من يدفع أعلى سعراً، في منظومة ترتبط بعلاقات مع جهات رسمية وتحقق أرباحاً يصعب على بنك السودان منافستها.

طباعة العملة

وأوضح كرار أن بنك السودان يلجأ لطباعة العملة المحلية لشراء الذهب، وهو ما يؤدي إلى تراجع قيمة الجنيه. وقال إن البنك ليس جهة تجارية أو صناعية تحقق أرباحاً، بل يطبع الجنيه السوداني لشراء الذهب، ويقنع المنتجين بأن السعر مطابق للسعر العالمي، لكنه يدفع بالعملة المحلية، ما يدفع كثيراً من المنتجين إلى رفض هذه المعادلة وتفضيل التصدير عبر الطرق التي تضمن لهم الحصول على العملة الصعبة.

تأثير محدود

واستبعد كرار أن يكون للقرار تأثير كبير على المستثمرين، مؤكداً أن قطاع التعدين غير خاضع للقرارات الرسمية، وأن صغار المعدنين يبيعون لسماسرة مرتبطين بالتصدير والتهريب، ولا توجد جهة تلزمهم ببيع إنتاجهم لبنك السودان. وأشار إلى أن الدولة غير مشاركة في عمليات الإنتاج، وأن مسارات البيع والتصدير متعددة، حتى في السوق المحلي، حيث يصل الذهب الخام إلى المصنّعين بطرق مشابهة لطرق التهريب.

تجارة موازية

كرار أوضح أن التفاوض الذي كان يتم “فوق الطاولة” صار الآن “تحت الطاولة”، وأن التجارة المحلية للذهب ستستمر بالتوازي مع التصدير عبر التهريب. وقال إن بنك السودان سيكتشف في نهاية المطاف أن الأموال التي طُبعت لشراء الذهب لم تؤدِ إلى نتائج اقتصادية ملموسة، بل زادت من المعروض النقدي، ما تسبب في ارتفاع أسعار السلع وتدهور القوة الشرائية للجنيه السوداني.

تجربة متكررة

ورأى كرار أن فكرة شراء الذهب بالعملة المحلية يمكن أن تنجح فقط إذا خضع المنتجون للقرارات الرسمية وتلقوا مدفوعاتهم بالعملة الصعبة وفقاً للسعر العالمي، لكن الواقع يشير إلى أن الحكومة تعيد تجربة سابقة أثبتت فشلها. واقترح إنشاء بورصة خاصة بالذهب على غرار البورصات العالمية، في بورتسودان أو الخرطوم، يتم توريد الذهب إليها وتُتاح فرصة الشراء بالعملات الحرة، ما يضمن دخول النقد الأجنبي إلى السودان وتوفير العملة الصعبة لبنك السودان.

كرار أضاف أن موقف بنك السودان يتمثل في رغبته في شراء الذهب بالجنيه السوداني ثم تصديره للحصول على العملة الحرة، بينما يحق للمنتج أن يبيع بالدولار مباشرة. ورأى أن تطبيق القرار على أرض الواقع شبه مستحيل، مشيراً إلى إمكانية الالتفاف عليه عبر استغلال نصوص تسمح بتصدير الذهب لأغراض إعادة التصنيع دون إعادته فعلياً، ما يفتح باباً للفساد.

استثناءات الشركات

وأوضح كرار أن القرار يخص “الذهب الحر” الناتج عن التعدين الأهلي ومخلفات الشركات، ولا يشمل شركات الامتياز الأجنبية التي تحتفظ بحق تصدير كامل إنتاجها مقابل دفع العوائد والضرائب. وأشار إلى أن هذه الشركات لا تخضع للقرار، بينما يشمل السودانيين العاملين في التعدين الأهلي، ما يخلق حالة من التمييز في تطبيق السياسات.

حسابات التصدير

وفي سياق القرارات السابقة، ذكر كرار أن بنك السودان كان يشترط وضع الذهب في حسابات بنكية تجارية تُعرف بـ”حساب صادر”، يتم التصرف فيها لعمليات استيراد أو البيع للبنك. لكن الذهب الذي دخل هذه الحسابات كان ضئيلاً مقارنة بالكميات المهربة، ولم يكن هناك التزام فعلي بتطبيق النصوص، ما أبقى السوق الموازي قائماً في تجارة العملة.

كرار خلص إلى أن الخزينة المركزية وبنك السودان لم يستفيدا من الإجراءات السابقة، وأن التجربة الحالية تعيد أخطاء الماضي. وأكد أن المشكلة ليست في رغبة البنك في الشراء، بل في توفر الذهب نفسه عبر القنوات الرسمية. وأشار إلى أن إنشاء مصفاة للذهب لن يغيّر الواقع طالما بقيت معظم الكميات خارج نطاق السيطرة الرسمية.

قيود دولية

أشار كرار إلى أن أحد شروط برنامج صندوق النقد الدولي هو عدم تدخل الدولة في قطاع التعدين، ما يشكل قيداً على إجراءات تقييد قطاع التعدين الأهلي. ومع ذلك، تميل الدول إلى اتخاذ قرارات استثنائية في ظل الحرب والضائقة المالية، حيث تغيب الميزانية ويضعف الاقتصاد، وتغيب الدولة عن المشهد الإنتاجي.

كرار اعتبر أن محاولة البنك المركزي فرض القرار على المنتجين المحليين، بينما تحتفظ شركات الامتياز بحقوقها وفق الاتفاقيات، يمثل نوعاً من التعسف. وأكد أن التهريب ليس ظاهرة جديدة، بل مستمرة منذ سنوات، وأن القرارات المماثلة جُرّبت وفشلت.

وفي ختام حديثه، شدد كرار على أن مهمة البنك المركزي لا تقتصر على إصدار العملة، بل تشمل الرقابة على السياسة النقدية والبنوك التجارية. لكنه أشار إلى أن هذا الدور أصبح ضعيفاً جداً، ما يظهر في نقص الاحتياطي المطلوب لدى البنوك، والاستثناءات الواسعة، وغياب الرقابة على حصائل صادر الذهب، حيث تتصرف البنوك التجارية بحرية دون أي رقابة فعلية.

مواضيع مرتبطة

مواضيع حديثة