الخرطوم – بعد مرور نحو عامين ونصف العام على اندلاع القتال في السودان بين الجيش السوداني والدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (المعروف باسم حميدتي)، أصبح هذا الصراع يهدد بتقسيم السودان بعد أقل من 15 عاما على انفصال جنوبه وإعلانه دولة مستقلة باسم جنوب السودان.
ورغم تصاعد مخاطر الصراع الدامي في السودان فإنه مازال لا يحظى بالاهتمام الدبلوماسي ولا الإعلامي الدولي اللازم رغم أنه تسبب في واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، مع نزوح أكثر من 14 مليون شخص عن منازلهم هربا من القتال.
وقالت ديم روزاليند مارسدن، الدبلوماسية البريطانية سابقا والزميل المشارك في برنامج أفريقيا في تحليل نشره موقع المعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني (تشاتام هاوس) إن هناك أسبابا عديدة تفرض على الحكومات الغربية منح التعامل مع الصراع في السودان أولوية قصوى.
وإلى جانب الكارثة الإنسانية، هناك أمن البحر الأحمر الذي تهدده خطط روسيا لإقامة قاعدة بحرية على سواحله والوجود الإيراني المتزايد في ميناء بورت سودان، وثمة احتمال تحول السودان مرة أخرى إلى دولة فاشلة وتصبح ملاذا للجماعات الإرهابية ومصدرا للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.
لا يمكن تحقيق سلام مستدام في السودان دون إستراتيجية سياسية منسقة ومتسقة، ودعم كامل من الشركاء الدوليين
ويعني هذا أن إنهاء الحرب والوصول إلى سلام مستدام وقيام دولة ديمقراطية مدنية مستقرة في السودان هي مصلحة عليا للغرب في المقام الأول.
وفي الوقت نفسه تعتبر الحرب الأهلية في السودان أزمة إقليمية أوسع نطاقا، تزعزع استقرار جيرانه المباشرين وتهدد بخلق محور عدم استقرار يربط منطقة الساحل بالقرن الأفريقي المضطرب والشرق الأوسط الأوسع نطاقا.
كما أن حرب السودان ليست مجرد صراع على السلطة والثروة بين الأطراف المتحاربة وداعميها الإقليميين، وإنما أيضا هي حرب مضادة للثورة، بهدف تبديد إنجازات الثورة السودانية السلمية في 2019-2018 وعرقلة طريق التحول الديمقراطي الحقيقي.
وترى ديم روزاليند أن الحرب الأهلية متجذرة بعمق في تاريخ السودان الطويل من الصراعات الداخلية، بما في ذلك عسكرة السياسة والاقتصاد، وثلاثة عقود من الحكم الإسلامي وثقافة الإفلات من العقاب – وهي العوامل التي دفعت كلا من الفريق أول عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة وحميدتي إلى الانقلاب على الحكومة المدنية في أكتوبر 2021، مما أنهى التحول الديمقراطي وزرع بذور الحرب الحالية.
وأدت الفظائع واسعة النطاق التي ارتكبتها الأطراف المتحاربة وإضفاء الطابع العرقي على الحرب بشكل متعمد، بما في ذلك استخدام خطاب الكراهية والتضليل، إلى زيادة الاستقطاب الاجتماعي، مما دفع الكثير من الناس إلى الانحياز إلى طرف من أطراف الصراع.
ومع ذلك، لا تزال الروح الثورية حية، وخاصة بين الشباب والنساء.
ويتطوع الآن العديد ممن احتجوا خلال الثورة في غرف الاستجابة للطوارئ التي كانت حجر الأساس للاستجابة الإنسانية للمجتمعات المحلية في غياب الحكومة الفاعلة أو المساعدات الدولية.
لكن الأطراف المتحاربة سعت إلى تعميق الخلافات بين الجهات المدنية الفاعلة، وهو ما يفرض على تحالف صمود الذي يواجه انتقادات عديدة، أن يزيد تواصله مع مختلف الدوائر داخل البلاد، وأن يكثف جهوده لمواجهة الدعاية ذات الطابع الإسلامي.
وإذا كان للمدنيين المؤيدين للديمقراطية أن ينتصروا على المسلحين، فعلى مختلف الجماعات المدنية بذل المزيد من الجهود للتوحد في جبهة مدنية واسعة ترتكز على مبادئ مشتركة.
وسيساعد هذا في إقناع المجتمع الدولي بدعمها بقوة أكبر، وتعزيز قدرتها على التواصل مع الدول الإقليمية المؤثرة، والأهم من ذلك، توحيد المدنيين حول سودان موحد غير خاضع لسيطرة عسكرية.
وبحسب ديم روزاليند فإن عودة انخراط الولايات المتحدة في الملف السوداني ضرورة، باعتبارها الدولة الوحيدة القادرة على إقناع حلفائها الإقليميين بالضغط على حلفائهم في السودان لوقف القتال.
الأطراف المتحاربة تسعى إلى تعميق الخلافات بين الجهات المدنية الفاعلة، وهو ما يفرض على تحالف صمود أن يزيد تواصله مع مختلف الدوائر داخل البلاد
كما أن احتمال عودة التيار الإسلامي المتشدد المرتبط بفترة الرئيس السابق عمر البشير يجب أن يثير قلق الدول العربية التي ترى في جماعة الإخوان المسلمين بمختلف فروعها تهديدا لأمنها القومي.
ويشير الاجتماع الذي عقد في سويسرا في 11 أغسطس بين كبير مستشاري الولايات المتحدة لشؤون أفريقيا، مسعد بولس، والفريق أول عبدالفتاح البرهان، بوساطة قطرية، وفقا لبعض التقارير، إلى أن الولايات المتحدة تجري اتصالات مباشرة لمحاولة التوسط في وقف إطلاق النار. لكن فرص نجاح هذه المحاولة تبدو ضئيلة، إذ يعيد كلا الطرفين المتحاربين تسليح وتجنيد وتدريب آلاف المقاتلين الجدد.
وقد سعى البرهان إلى تعزيز سيطرته من خلال إصدار أوامر بوضع الميليشيات التي تقاتل إلى جانب الجيش تحت القيادة المباشرة للقوات المسلحة السودانية، وإعادة توزيع الضباط الإسلاميين؛ بينما شدد حميدتي من خلال قواته (الدعم السريع) حصار مدينة الفاشر عاصمة إقليم دارفور، على الرغم من دعوات الأمم المتحدة والجهات المانحة المشتركة إلى هدنة إنسانية للسماح بوصول المساعدات إلى سكان المدينة الذين يعانون من المجاعة.
والأولوية الأشد إلحاحا الآن هي إنقاذ الأرواح بإسكات البنادق، وحماية المدنيين، ومعالجة الأزمة الإنسانية. وفي الوقت نفسه، من المهم ألا ينخدع الوسطاء الدوليون بفكرة الحلول السريعة، فاتفاق تقاسم السلطة بين الأطراف المتحاربة لن يؤدي إلى سلام مستدام.
وفي الوقت نفسه ينبغي على السودانيين المؤمنين بالديمقراطية أن يتحدوا لتشكيل أوسع جبهة مدنية ممكنة، وأن يعملوا على صياغة أجندة سلام مشتركة، ويجب دعمهم في ذلك. كما تنبغي استشارة المدنيين منذ البداية بشأن تصميم عملية السلام، بدءا بوقف إطلاق نار إنساني من شأنه توسيع مساحة العمل المدني، وفتح الباب أمام عملية سياسية شاملة، يمكن للمدنيين الديمقراطيين أن يلعبوا فيها دورا مهما.
لكن لا يمكن تحقيق أي من هذه الأهداف دون إستراتيجية سياسية منسقة، ودعم كامل من الشركاء الدوليين الذين يؤمنون بنفس قيم الديمقراطية. وعلى هؤلاء الشركاء استغلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي ستبدأ خلال الشهر الحالي بإحياء الجهود الدبلوماسية الرامية إلى إنهاء حرب السودان وحشد الدعم لقواه المدنية.
اكتشاف المزيد من اليراع
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.