27.5 C
Khartoum

صراعات وتضامن وآلاف الضحايا – كواليس بناء سد النهضة الإثيوبي

Published:

آلاف الضحايا ومليارات الدولارات وصراعات وأزمات سياسية وأسرار أخرى تحيط ببناء سد النهضة الإثيوبي الكبير. فكيف تم بناؤه؟ ومن موّله؟ ولماذا يُثير هذا المشروع الضخم كل هذا الجدل والقلق لدى دول الجوار: مصر والسودان؟

بالتزامن مع احتفال إثيوبيا بافتتاح سد النهضة الإثيوبي الكبير، أكبر سد في أفريقيا، أثار تقرير محلي ضجة واسعة حول عدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم أثناء عملية بناء السد.

وأفاد التقرير أن حوالي 15 ألف شخص على الأقل قضوا خلال بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير (GERD)، الذي استغرق 14 عاماً، والذي بلغت تكلفته حوالي 5 مليارات دولار أي ما يعادل 4.2 مليار يورو.

وفي مقابلة معDW  لم يستطع هابتامو إيتيفا، وزير المياه والطاقة الإثيوبي من تأكيد أو نفي هذه الادعاءات، وقال لـ DW: “فيما يتعلق بالأرقام المذكورة، فإن السؤال خاطئ، والإجابة خاطئة أيضاً”، وأضاف: “للحصول على معلومات حول هذا الأمر، عليك الذهاب إلى المؤسسات ذات الصلة”.

من بين الوفيات يبرز اسم سيمغنيو بيكيلي، مدير مشروع سد النهضة السابق. وما يثير الشكوك حول الأمر هو وفاته في ظروف غامضة، إذ تم العثور عليه مصاباً بطلق ناري في سيارته في وسط العاصمة أديس أبابا عام 2018، مما أثار التكهنات باغتياله على خلفية بناء السد.

وتشمل الوفيات المبلغ عنها أيضاً مهندسين وعمالاً وقوات أمن وسائقين وسكاناً، ساهموا في بناء السد أو دعموا ذلك بطريقة أو بأخرى.

كيف مولت إثيوبيا بناء السد؟

لم تتلقَ إثيوبيا أي مساعدات مالية دولية من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي أو حتى بنك التنمية الأفريقي أو غيرها لبناء سد النهضة الكبير؛ بسبب حساسية السد الجيوسياسية، ولهذا أصدرت إثيوبيا سندات حكومية، وحشدت تبرعات عامة، وشجعت موظفي الخدمة المدنية على المساهمة بجزء من رواتبهم لجمع الأموال لبنائه.

قيام الإثيوبيين بالمساهمة في بناء السد من خلال شراء السندات والتبرعات؛ أدى إلى توحيدهم على الرغم من انقساماتهم السياسية والعرقية والاقتصادية.

وإلى جانب الجهود المحلية اقترضت إثيوبيا من الصين لإنشاء البنية التحتية للسد، مثل خطوط نقل الطاقة والتوربينات، إلا أن البناء الأساسي لجدار السد كان ممولاً ذاتياً بالكامل.

اعتماد إثيوبيا الكبير على التمويل المحلي مكّنها من فرض سيطرتها الكاملة على السدّ، وهو ما يعدّ نموذجاً يُحتذى به، وقال جيديون أسفاو، رئيس اللجنة الفنية لفريق التفاوض الإثيوبي لـ DW: “عندما تأتي بعض الدول الأفريقية إلى هنا، فإنها تتساءل كيف حشدنا المجتمع لتمويل بناء مثل هذا السد”.

بناء السد أثار مخاوف مصر والسودان

تحدثت دولتا المصب: مصر والسودان، عن مخاوف من أن السد قد يؤثر على إمداداتهما المائية من نهر النيل، فتخشى مصر التي تعتمد بشكل شبه كامل على نهر النيل للحصول على المياه العذبة من أن يقلل سد النهضة من حصتها المائية، الأمر الذي يشكل تهديداً وجودياً لها، والمخاوف نفسها موجودة لدى السودان.

وحتى مع استمرار المفاوضات بين الدول الثلاث لسنوات طويلة إلا أنها فشلت في التوصل إلى اتفاق لتقاسم مياه النهر.

ومع ذلك رفضت إثيوبيا هذه المخاوف، وأكدت التزامها بـ”وثيقة سد النهضة”، وهي اتفاقية إعلان مبادئ بين مصر وإثيوپيا والسودان حول مشروع السد، تم التوقيع عليها عام 2015، وبموجبها تشارك إثيوبيا التحديثات باستمرار مع الدول المجاورة.

وقال إيتيفا لـ DW: “نعتقد أن هذا السد للجميع، وإثيوبيا مستعدة لأي نقاش”، وأضاف أن إثيوبيا قد شاركت بيانات تدفق النهر مع السودان في السنوات الثلاث الماضية لبناء الثقة مع جيرانها.

وأشار إيتيفا إلى أنه على المجتمع الدولي أن يُدرك أن “منح شعوبنا، بما في ذلك الدول الشقيقة السودان ومصر، حياة أفضل يعني حياة أفضل للجميع”.

ومع أن مصر والسودان رفضتا التوقيع على اتفاقية إقليمية للاستخدام العادل لمياه النيل إلا أن إثيوبيا قد حصلت على دعم دول المنبع مثل أوغندا، التي وقعت على الاتفاقية.

وبهذا الصدد قال أسفاو لـ DW: “نرغب باستمرار المفاوضات عبر الاتحاد الأفريقي طالما أرادوا ذلك. السد اكتمل، وننتقل الآن إلى مرحلة التشغيل”، وأضاف: “ستستمر المفاوضاتعلى أساس الاستخدام العادل والمعقول”.

معاهدة ثنائية قسمت مياه النيل بين السودان ومصر

اتفاقية نهر النيل لعام 1959 هي اتفاقية ثنائية بين مصر والسودان فقط، ولهذا تسمى أيضاً باتفاقية مصر والسودان، وبموجبها حصلت مصر على حصة من نهر النيل تبلغ 55.5 مليار متر مكعب من المياه سنوياً، في حين خصصت السودان لنفسها 18.5 مليار متر مكعب من مياهه.

واستبعدت الاتفاقية الثنائية إثيوبيا ودولا أخرى، بالرغم من أن إثيوبيا هي مصدر للنيل الأزرق الذي يساهم بنسبة 85 بالمئة من تدفق نهر النيل، وبناء عليه لا تعترف أديس أبابا بهذه المعاهدة.

ومع أن النيل الأزرق والأبيض يندمجان في السودان قبل أن يصبا في مصر باتجاه البحر الأبيض المتوسط، يتدفق النيل الأبيض وهو أطول فروع نهر النيل عبر 11 دولة، بما في ذلك أوغندا وكينيا وتنزانيا ورواندا وبوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان.

ولأن هذه الدول المطلة على النهر لم تكن مستقلة حين توقيع الاتفاقية فقد تم استبعادها هي الأخرى أيضاً. واستبعاد هذه الدول إلى جانب إثيوبيا من الاتفاقية جعلها مثيرة للجدل إلى يومنا هذا.

سنوات طويلة لبناء سد النهضة الإثيوبي الكبير

تم تحديد موقع السد لأول مرة من قبل مكتب استصلاح الأراضي الأمريكي أثناء مسح النيل الأزرق، وذلك بين عامي 1956 و1964 في عهد الإمبراطور الراحل هيلا سيلاسي.

ولكن اضطرابات سياسية عديدة عرقلت استمرار أعمال بناء السد، وكان أبرزها الانقلاب الذي وقع في إثيوبياعام 1974، والذي أطاح بهيلا سيلاسي، وغزو الصومال لإثيوبيا في عامي 1977 و1978، والحرب الأهلية الإثيوبية التي استمرت 15 عاماً، ولهذا لم يتقدّم المشروع حتى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2009، وأغسطس/ آب 2010 قامت الحكومة الإثيوبية بمسح موقع السد، وقدمت تصميمه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2010، وتم الإعلان عن المشروع الذي تبلغ تكلفته 5 مليارات دولار في 31 مارس/ آذار 2011.

أما حجر الأساس لسدّ النهضة فقد تم وضعه من قبل رئيس الوزراء السابق ملس زيناوي في 2 أبريل/ نيسان عام 2011.

المصدر: DW


اكتشاف المزيد من اليراع

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مواضيع مرتبطة

مواضيع حديثة