28.5 C
Khartoum

أزمة التمويل الزراعي تخنق القضارف والمزارعون يواجهون الإعسار بدل الإنتاج

Published:

في ظل انهيار الموسم المطري وتراجع الدعم المالي، تواجه ولاية القضارف أزمة حادة في التمويل الزراعي، ألقت بظلالها على الأمن الغذائي والاقتصادي في الولاية وعلى مستوى البلاد بشكل عام. هذه الأزمة، التي تفاقمت نتيجة السياسات المالية والاقتصادية المعتمدة من قبل الدولة، دفعت المزارعين إلى إطلاق نداءات متكررة لإنقاذ الموسم الزراعي، دون أن تلقى استجابة من الجهات الرسمية.

نداءات استغاثة دون استجابة وتجميد التمويل في وقت حرج

مزارعو القطاع المطري في القضارف لم يتمكنوا من إقناع السلطات المحلية والاتحادية بفك تجميد أموال البنك الزراعي أو توفير السيولة من البنوك التجارية لتمويل عمليات “الكديب”، وهي مرحلة حاسمة في الدورة الزراعية. الاتهامات توزعت بين تحميل وزارة المالية مسؤولية تقييد البنك الزراعي في وقت حرج، وبين انتقاد البنوك التجارية التي فشلت في أداء دورها نتيجة ضعف بنيتها وتآكل الثقة بينها وبين المودعين.

التمويل الذاتي يصطدم بتقلبات السوق وارتفاع الدولار

مع غياب التمويل الرسمي، لجأ المزارعون إلى خيار التمويل الذاتي عبر بيع محاصيلهم النقدية، لكنهم واجهوا عقبة جديدة تمثلت في ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني، ما دفعهم إلى التراجع عن البيع. خبراء يرون أن هذه الأزمة ليست مجرد تعثر إداري، بل تعبير عن أزمة مالية ومصرفية مركبة، تفاقمت بفعل الحرب وتراكم السياسات الخاطئة، متهمين وزارة المالية بحبس التمويل حتى فوات الأوان، ما جعل المزارع رهينة للإعسار بدلًا من أن يكون منتجًا.

دعوات محلية لفك تجميد الأموال وتحريك البنوك التجارية

مساعد الأمين العام لمزارعي القطاع المطري بمحلية الرهد، أحمد إمام العوض، أطلق نداءً جديدًا لوالي القضارف لإنقاذ الولاية من الانهيار الاقتصادي، داعيًا إياه للسفر إلى بورتسودان لمقابلة وزير المالية جبريل إبراهيم بهدف فك تجميد أموال البنك الزراعي والبنوك الأخرى. وأوضح أن خريف هذا العام كان معتدلًا، لكن نقص التمويل لعمليات “الكديب” دفع المزارعين للتنقل بين المؤسسات المصرفية دون جدوى.

توقف نظام “الكسر” وتراجع التجار عن الشراء

العوض أشار إلى أن المزارعين كانوا يعتمدون سابقًا على بيع محاصيلهم بنظام “الكسر”، لكن هذا النظام توقف بسبب ارتفاع الدولار إلى 3570 جنيهًا، ما جعلهم يحجمون عن البيع. كما توقف التجار عن التعامل بهذا النظام خشية التعرض لخسائر مالية كبيرة، في ظل انعدام السيولة. وأكد أن مدير البنك الزراعي كان قد تعهد بتمويل “الكديب” من إيرادات البنك الذاتية، لكن يبدو أن وزير المالية يرفض السماح باستخدام هذه الموارد، رغم أن المزارعين سددوا مديونياتهم بنسبة تجاوزت 100% العام الماضي.

أزمة السيولة وتراجع دور بنك الخرطوم في التمويل الزراعي

العوض ناشد والي القضارف بتحريك البنوك التجارية للقيام بدورها في التمويل، مشيرًا إلى أن المزارعين يواجهون صعوبة في بيع محاصيلهم بسبب تدني الأسعار، فيما تعتذر البنوك عن التمويل لغياب السيولة وتعتمد فقط على تحويل الأموال عبر تطبيق “بنكك”. وأوضح أن الكتلة النقدية تتركز في بنك الخرطوم، الذي عزف عن التمويل الزراعي وأصبح يدير السيولة للبنوك الأخرى، ما أدى إلى بوار مساحات واسعة مع اقتراب نهاية الموسم.

تعهدات معلقة ومناشدات لم تؤتِ ثمارها

أعرب العوض عن استيائه من أن المناشدات الأخيرة، التي استدعت حضور المدير العام للبنك الزراعي من بورتسودان، لم تسفر عن نتائج ملموسة، مشيرًا إلى أن التعهدات بتمويل المزارعين لا تزال معلقة بانتظار موافقة وزير المالية.

أزمة مركبة تعكس انهيار المنظومة المصرفية والإنتاجية

الخبير المالي والمصرفي عمر سيد أحمد اعتبر أن أزمة التمويل الزراعي في السودان تمثل جزءًا من أزمة مالية ومصرفية مركبة، تجلت بوضوح في صرخة مزارعي القضارف. وأوضح أن الموسم الصيفي انتهى دون أن يحصل المزارعون على التمويل المطلوب، رغم توفر المخزون الاستراتيجي من المحاصيل. وأكد أن وزارة المالية كبّلت البنك الزراعي وحبست التمويل حتى فات الأوان، ما جعل المزارع عاجزًا عن الإنتاج.

أرقام صادمة ومليارات مجمدة خارج الدورة الاقتصادية

سيد أحمد أشار إلى أن الأرقام التي تداولها المزارعون في تسجيلات صوتية تعكس حجم الأزمة: أكثر من مليون جوال محبوسة في الصوامع، مليارات الجنيهات مجمّدة بلا صرف، والمزارعون بلا دعم. واعتبر أن هذه ليست مجرد أخطاء إدارية، بل سياسة مالية متعمدة جعلت البنك الزراعي عاجزًا برأسماله المحدود.

ضعف البنوك التجارية وهروب الكتلة النقدية من النظام المصرفي

الخبير المصرفي أوضح أن البنوك التجارية كانت عاجزة حتى قبل اندلاع الحرب، نتيجة ضعفها البنيوي ومحدودية رساميلها وتآكل الثقة بينها وبين المودعين، ما أدى إلى خروج نحو 95% من الكتلة النقدية من النظام المصرفي. وأضاف أن الحرب عمّقت هذا الانهيار، حيث تعطلت الفروع، تصاعدت المضاربات في النقد والذهب، وارتفعت الديون المتعثرة إلى أكثر من نصف المحفظة التمويلية نتيجة توقف الأنشطة الاقتصادية.

الاقتصاد الموازي يهيمن والجهاز المصرفي يتراجع

سيد أحمد أكد أن الاقتصاد الموازي بات يسيطر على أكثر من 85% من النشاط الاقتصادي في السودان، فيما انكمش دور الجهاز المصرفي الرسمي إلى مستويات دنيا. وخلص إلى أن الدعوة لتحرير البنك الزراعي من وزارة المالية لا تعني وقف الدعم، بل إعادة هيكلة العلاقة بحيث تظل المالية ممولة جزئيًا دون أن تتحكم في قرارات الإقراض أو توقيت التمويل.

مقترحات لإعادة هيكلة البنك الزراعي وتعزيز التمويل الإنتاجي

واقترح سيد أحمد تحويل البنك الزراعي إلى مؤسسة تنموية مستقلة ذات مجلس إدارة مهني ترتبط مباشرة بالبنك المركزي، وتستفيد من مصادر تمويل موازية مثل السندات الزراعية، الشراكات الإقليمية، والتمويل التشاركي. كما دعا إلى إلزام البنوك التجارية، رغم ضعفها، بتوجيه جزء من مواردها لتمويل القطاعات الإنتاجية ضمن خطة قومية يشرف عليها البنك المركزي.

توجيه الموارد نحو الحرب يهدد الأمن الغذائي

الخبير المصرفي انتقد السياسات الحكومية التي توجه الموارد المتاحة، خاصة من الذهب، نحو تمويل الحرب بدلًا من دعم الزراعة، مؤكداً أن هذا التوجه يترك المزارع بلا دعم، والشعب بلا غذاء، ويستنزف الموارد في نزاع عبثي يقود البلاد نحو المجاعة.

غياب الإرادة السياسية وتكرار أزمة التمويل الزراعي

من جانبه، أرجع الخبير الزراعي المهندس سامر أبو القاسم أحمد محمد تكرار أزمة التمويل الزراعي إلى غياب الإرادة الحقيقية لدى الجهات المختصة. وأوضح أن المشكلة تتراوح بين توقف التمويل أو عدم شموليته لكل المزارعين، أو اقتصاره على مجموعة محدودة، إضافة إلى مشاكل التأمين الزراعي.

تمويل غير منصف وتهديدات بالمجاعة في ظل تقليص المساحات الزراعية

أبو القاسم أشار إلى أن التمويل الزراعي يرتبط بوزارة المالية والبنك الزراعي التابع لوزارة الزراعة، وأقر بوجود مشكلات هذا العام، أبرزها أن التمويل اقتصر على مواد بترولية مثل الجازولين، حيث يدفع المزارع 10% من قيمتها، واصفًا العملية بأنها غير عادلة. وأكد أن التمويل يجب أن يقوم على أسس واضحة، كما هو معمول به في الاقتصاد العالمي.

مؤشرات المجاعة تظهر رغم غياب الإعلان الرسمي

الخبير الزراعي أشار إلى أن مساحات واسعة خرجت من دائرة الزراعة المطرية لأسباب متعددة، منها الحرب، انتشار الآفات، ومشاكل التمويل، ما يهدد بحدوث مجاعة رغم نفي بعض المسؤولين. ولفت إلى أن تعريف الأمم المتحدة للمجاعة يقوم على نقص الغذاء وعدم قدرة المواطن على شرائه رغم توفره، مؤكداً أن تقارير منظمة الأغذية والزراعة (FAO) وبعض المنظمات الأخرى تحدثت عن مؤشرات واضحة لوجود مجاعة في السودان، رغم عدم صدور إعلان رسمي بذلك.

المصدر: راديو دبنقا


اكتشاف المزيد من اليراع

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مواضيع مرتبطة

مواضيع حديثة