تشهد الساحة السياسية في السودان تحولات لافتة مع عودة قيادات النظام البائد للظهور، في ظل تصاعد الصراع المسلح وتعقّد الأزمة الوطنية، ما أثار جدلاً واسعاً حول مآلات المرحلة المقبلة واحتمالات عودة المؤتمر الوطني “المحلول” للسلطة عبر الواجهة العسكرية والسياسية.
فعقب غياب طويل عن المشهد، ظهر نافع علي نافع، القيادي البارز في حزب المؤتمر الوطني “المحلول”، عبر ندوة إسفيرية حيث شن هجوماً عنيفاً على القوى المدنية وزعيمها عبد الله حمدوك، ورفض الدعوات إلى وقف الحرب. اعتبر نافع أن الحديث عن التسويات السياسية قبل حسم من وصفهم بـ”المتمردين” عسكرياً ليس سوى حيلة للإبقاء على قوات الدعم السريع وإعادة التحالفات المدنية القديمة إلى الواجهة. ودعا إلى منح الجيش كامل الصلاحيات لإدارة شؤون البلاد، معتبراً إياه “صمام أمان السودان”.
نافع طرح رؤية متصلبة تستبعد العودة إلى أي صيغة مدنية للحكم، وترتكز بالكامل على الحسم العسكري، مؤكداً أن الإسلام وحده قادر على حفظ استقرار السودان، ومتهماً القوى المدنية بالعمل على استعادة حكم “جماعة حمدوك” من جديد.
بالتزامن مع عودة نافع، خرج وزير الخارجية الأسبق الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل للإعلام، مبدياً أسفه الشديد لتدهور الأوضاع في السودان ومحذراً من أن استمرار النزاع المسلح يهدد كيان الدولة نفسها. واتهم إسماعيل أطرافاً خارجية بتأجيج النزاع وتمكين بعض القوى المحلية، لا سيما قوات الدعم السريع، معتبراً أن السودان صار مسرحاً مفتوحاً للتدخلات الأجنبية، إقليمية ودولية على حد سواء.
ودعا إسماعيل إلى ضرورة حوار داخلي جاد يقود إلى توحيد السودانيين ووقف الحرب، محذراً من الحديث عن أكثر من جيش واحد في البلاد، ومعتبراً أن من يدعم غير الجيش الوطني إنما “يخون الوطن”.
ردود القوى المدنية وتحذيراتها
أثارت عودة رموز النظام البائد وارتفاع نبرة خطابهم ردود فعل صارمة من القوى المدنية وقوى الثورة. اعتبر خالد عمر يوسف، عضو المكتب التنفيذي لتحالف “صمود”، أن تصريحات نافع علي نافع تكشف بوضوح سعي المؤتمر الوطني لإدامة الحرب كوسيلة لاستعادة السلطة، مؤكداً أن الثورة قادرة على المواجهة السياسية والدبلوماسية والإعلامية متى ما توحدت صفوفها.
وأكدت قوى الحرية والتغيير والقوى المدنية في أكثر من تصريح أن المسار العسكري سيدخل السودان في دوامة الانهيار والانقسامات، وأن الحل الوحيد يكمن في وقف الحرب والعودة لطاولة التفاوض والحوار الشامل، مع ضرورة نبذ كافة أشكال الإقصاء والاحتكام إلى الإرادة الشعبية.
بدوره، حمّل فضل الله برمة ناصر، رئيس حزب الأمة القومي، الحركة الإسلامية مسؤولية تفجير النزاع الحالي، واتهمها بمحاولة استعادة السلطة عبر القوة، وحذّر من مخاطر هذه الاستراتيجية على وحدة وسلامة البلاد، داعيا لاستراتيجية شاملة تجمع بين السياسي والعسكري وتنبع من حوار داخلي برفض التدخلات الخارجية.
وتأتي عودة قيادات النظام السابق إلى العلن في وقت يعيش فيه السودان حالة انهيار اقتصادي وأمني وموجة نزوح إنساني كبرى. يرى مراقبون أن هذه العودة تحمل رسائل متعددة، أولها محاولة استثمار الفوضى لتعزيز النفوذ، وربما التمهيد لصفقة جديدة تعيد النظام القديم للواجهة عبر البوابة العسكرية.
انعكاس ذلك بدا في ارتفاع نبرة الاصطفاف الحاد بين معسكرين: أحدهما يسعى لفرض سيطرته بالقوة ويستنفر الحشد… وآخر يدعو لاستمرار الحراك المدني وضمان عدم تكريس العودة إلى الحكم المطلق.
ويمثل المشهد السوداني الراهن صراعاً مفتوحاً على هويّة الدولة ومستقبلها، تتداخل فيه الأجندات المحلية والخارجية وسط محاولات متصاعدة من بقايا النظام البائد للإمساك بمفاصل السلطة. في المقابل، تؤكد القوى المدنية أن الثورة لم تنتهِ وأن خيارات المقاومة السلمية والوحدة الوطنية ما تزال قائمة لمواجهة مخاطر الانزلاق نحو التسلط العسكري والفوضى.
اكتشاف المزيد من اليراع
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.