الخرطوم (رويترز) – عندما غادرت الصحفية شمائل النور السودان مع اندلاع الحرب في عام 2023، كانت الصحف السودانية تعاني بالفعل في ظل الأزمة الاقتصادية بالبلاد والتحول العالمي إلى الأخبار الرقمية.
وتوقف إصدار الصحف على الفور بعد اندلاع القتال وأصبحت غرف الأخبار، التي كانت تعج بالنشاط في الخرطوم، خالية ومنهوبة.
وقالت شمائل، بينما تتجول في مخزن يحتوي على مطبعة يكسوها الغبار وتتناثر حولها صحف قديمة كانت تصدر قبل الحرب “منذ الرصاصة الأولى توقفت كل الصحف الورقية”.
وعادت شمائل، وهي صحفية مستقلة بارزة معروفة بتغطيتها للأحداث السياسية وفي إقليم دارفور المضطرب، إلى العاصمة السودانية الخرطوم هذا العام بعد استعادة الجيش السيطرة عليها.
وأردفت شمائل تقول عن توقف الصحف “المؤسسات الصحفية السودانية، الصحف الورقية تحديدا، توقفت بشكل كامل وفقدت القدرة على القيام بدورها المطلوب”.
وأدت الحرب الأهلية الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية إلى تدمير الاقتصاد وتعرض نصف سكان البلاد، البالغ عددهم 50 مليون نسمة، إلى الجوع ومقتل عشرات الآلاف.
ودمرت الحرب أيضا وسائل الإعلام السودانية في الوقت الذي كانت تتمتع فيه بحرية أكبر بعد وقوعها على مدى عقود تحت سيطرة الدولة في ظل حكم الرئيس السابق عمر البشير.
وظهرت صحف وقنوات تلفزيونية ومواقع إلكترونية مستقلة رغم المشاكل الاقتصادية التي كانت تدفع الناشرين لإيقاف الإصدار أو تقليله قبل الحرب.
وأضافت شمائل أن عائدات الإعلانات توقفت بعد ذلك مع تعرض الأعمال التجارية للتدمير بسبب الحرب.
* وفيات ومغادرون
وفقا لنقابة الصحفيين السودانيين، توقفت نحو 27 صحيفة عن العمل بعد بدء الحرب، إلى جانب 32 محطة إذاعية وثماني محطات تلفزيونية.
وفقد نحو ألف صحفي وظائفهم إذ تفرقوا في أنحاء السودان والعالم. وقال الأمين العام للنقابة محمد عبد العزيز لرويترز إن من بين الذين بقوا قتل 31 صحفيا.
وبدأت وسائل الإعلام الإلكترونية في الظهور، لكن معظمها يرعاه طرفا الصراع أو تدعمه مصالح سياسية أخرى وهناك حرب تضليل موازية على وسائل التواصل الاجتماعي.
وغادرت شمائل منزلها في أم درمان، الواقعة على الضفة الأخرى من الخرطوم عبر النيل، بعد شهر من اندلاع الحرب.
واتجهت أولا إلى سنار، وهي مدينة تقع في الجنوب على النيل الأزرق، من بين 14 مليون سوداني فروا من ديارهم.
ثم توجهت شمائل في نهاية المطاف إلى الإمارات، لكنها عادت هذا العام بعد استعادة الجيش السيطرة على الخرطوم، مما أدى إلى عودة نحو مليوني سوداني.
وعادت شمائل، التي لم تتوقف أبدا عن الكتابة على الإنترنت، لتجد منزلها مدمرا، لكنها قالت إن رؤية غرف الأخبار المهجورة والمنهوبة كانت أكثر إيلاما.
ومع قلة عدد المراسلين المحليين على الأرض ومراقبة طرفي الصراع لهم عن كثب وطلبهم تصاريح للعمل وتعرضهم لبعض العنف الذي يمارسه المقاتلون تجاه الصحفيين، فإن الإعلام السوداني بات معلقا بخيط رفيع.
وقالت شمائل النور “بلا شك نحن ندخل حقبة غير مسبوقة فيما يتعلق بحرية الصحافة، ولكن لم يتم اختبارها بعد لأن النشاط الصحفي نفسه تراجع”.
اكتشاف المزيد من اليراع
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.