القاهرة- أدى الإعلان عن وصول قوات مصرية إلى الصومال ضمن قوات حفظ السلام الأفريقية (أوصوم) إلى تكرار إثيوبيا انتقادها للخطوة، والتي تتعامل معها بحساسية شديدة، بينما تنظر إليها القاهرة باعتبارها أداة لحفظ الأمن والاستقرار في بلد مهم، يقبع في منطقة حيوية في شرق أفريقيا، ولا تهدف إلى مضايقة أديس أبابا.
وضم الوفد العسكري المصري ضباطا كبارا ووحدات خاصة لترتيب عملية نشر القوات المصرية قريبا بالتنسيق مع الصومال والقوات الأفريقية.
وتعتزم مصر المشاركة بنحو خمسة آلاف جندي في مهمة حفظ السلام الأفريقية التي سوف تبدأ في الصومال في يناير المقبل، وخمسة آلاف جندي آخرين لدعم الأمن في بعض المفاصل الرئيسية بالدولة، بعد أن أعلن الصومال إنهاء مهمة عشرة آلاف جندي إثيوبي في أراضيه.
◄ مقديشو تقول إن استقبال قوات مصرية قرار سيادي، ولا يمكن لإثيوبيا أن تملي على الصومال ما الذي يجب أن يقوم به
وفي سبتمبر من العام الماضي، كشفت تقارير إعلامية عن قيام سفينة حربية مصرية بتسليم شحنة كبيرة جديدة من الأسلحة إلى الصومال، تشمل مدافع مضادة للطائرات وأسلحة مدفعية.
وكل خطوة تقوم بها مصر نحو الصومال تتعامل إثيوبيا معها كأنها موجهة إليها مباشرة، ما ضاعف من مشكلة عدم الثقة بين الطرفين، وحال دون حدوث تفاهم بينهما من أجل تسوية أزمة سد النهضة، والذي قد يتسبب تدشينه في احتفال رسمي كبير في سبتمبر الجاري بأديس أبابا في المزيد من التعقيدات.
وعبّر السفير الإثيوبي في مقديشو سليمان ديديفو عن استياء بلاده من وجود قوات مصرية في الصومال، وأن أديس أبابا لا تشعر بالتهديد منها أو الارتياح لها، ولا تمثل “أيّ فائدة أمنية،” مؤكدا أن إثيوبيا لا تمانع في استقدام قوات من أي دولة صديقة، لكن وجود قوات من مصر قد يشكل “تحديا سياسيا وإستراتيجيا للقوات الإثيوبية في الصومال،” ويبلغ عددها نحو 4 آلاف جندي.
ولم تعلق القاهرة رسميا على تصريحات السفير الإثيوبي، لكن دوائر شبه رسمية، قريبة من الحكومة، قالت إنها لا تختلف عن تصريحات سابقة أدلى بها مسؤولون في أديس أبابا تصب في اتجاه إثارة مخاوف من أيّ تواجد مصري بالصومال، وتتعمد تضخيم أيّ حدث، والتعامل معه بشكل سلبي، لتعزيز شكوكها في توجهات القاهرة، وتصوير تحركاتها حيال تطوير علاقاتها مع عدد من دول المنطقة على أنها استهداف مباشر لإثيوبيا، ويهدف ذلك إلى تحريض بعض الدول على عدم التعاون مع مصر.
وتضيف هذه الدوائر أن تحركات مصر معلنة، وكل علاقاتها مع الصومال أو غيره تأتي في إطار من التعاون المشترك، ولا تحمل بنودا خفية، أو توجّها ضد إثيوبيا، ومصر من أكثر الدول مشاركة في بعثات حفظ السلام، وعلاقتها تاريخية مع الصومال، ويهمها أن تكون في شراكة معه لتقويض دور التنظيمات المتطرفة والإرهابية، التي وجدت في سيولة هذه الدولة ملاذا، من خلال انتشار جماعة الشباب الصومالية، وتمدد روافدها في منطقة القرن الأفريقي.
وقال السفير الإثيوبي في مقديشو إن وجود القوات المصرية “لن يقدم أيّ دعم لتحقيق الاستقرار هناك.. وإذا كانت لها فائدة سيكون ذلك في الدول المجاورة مثل فلسطين أو ليبيا أو السودان،” في إشارة ساخرة على كثرة التحديات التي تواجهها مصر في محيطها الإقليمي المباشر، وتقزيم أهمية الدور الذي ستلعبه قواتها في الصومال.
وجاءت تصريحات سفير إثيوبيا بعد يوم من ترحيب وزارة الدفاع الصومالية بانضمام قوات مصرية إلى بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم الاستقرار في الصومال (أوصوم).
وأوضحت وزارة الدفاع الصومالية أن المشاركة المصرية “تعكس الدور المتنامي لمصر في دعم جهود الاستقرار والأمن في الصومال،” وتؤكد التزام القاهرة القوي بدعم أمن الصومال وتعزيز قدرات الجيش الوطني من خلال قوة حفظ السلام.
وسبق أن وافق مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي على مشاركة قوات مصرية في قوة الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام (أوصوم)، التي أنهت برنامجها التدريبي الأول وشاركت فيه القوات المصرية ضمن استعدادها للانتشار الميداني لدعم أمن واستقرار الصومال، وتعزيز قدرات الجيش الوطني من خلال الهيكل الجديد للبعثة.
ووقَّعت مصر والصومال، في أغسطس 2024، بروتوكول تعاون عسكري، واتفق البلدان على مشاركة القاهرة في البعثة الأفريقية لحفظ السلام خلال الفترة من 2025 – 2029، وأرسلت مصر إلى مقديشو معدات عسكرية في سبتمبر الماضي.
وطالب وزير الخارجية الإثيوبي وقتها تاي أصقي سيلاسي بألا تشكّل البعثة تهديداً لأمنه القومي، “هذا ليس خوفاً، لكنه تجنّب لإشعال صراعات جديدة في المنطقة“.
وتشدد مصر على أن دعمها لا يستهدف إثيوبيا أو يرمي إلى مضايقتها، لكن لأن الصومال يعيش حالة من عدم الأمن والاستقرار منذ فترة طويلة، تستوجب مساعدته عبر قوات لحفظ السلام، في إطار بروتوكول التعاون العسكري الموقع بين الجانبين.
وأشارت مقديشو إلى أن وجود قوات من مصر ضمن قوات حفظ السلام قرار سيادي يخص البلدين، ولا يمكن لإثيوبيا أن تملي على الصومال ما الذي يجب أن يقوم به.
ووجه وزير الدفاع الصومالي عبدالقادر نور رسالة شكر إلى مصر، قائلا إن “بلاده تجاوزت المرحلة التي كانت تفرض عليها الأوامر وتنتظر تأكيدات الآخرين على من ستتعامل معه.. نحن نعرف مصالحنا وسنختار بين حلفائنا وأعدائنا“.
◄ كل خطوة تقوم بها مصر نحو الصومال تتعامل إثيوبيا معها كأنها موجهة إليها مباشرة، ما ضاعف من مشكلة عدم الثقة بين الطرفين
وزادت الأزمة بين مصر وإثيوبيا بسبب الصومال بعد قيام أديس بابا بتوقيع مذكرة تفاهم مع ما يسمى بـ”جمهورية أرض الصومال” في يناير 2024 تحصل بموجبها الأولى على منفذ بحري وتسهيلات لوجستية، وتقيم قاعدة عسكرية، وهو ما رفضته مقديشو في حينه، وتضامنت معها القاهرة، وجرى تعليق المذكرة عقب وساطة تركية بين مقديشو وأديس أبابا أسفرت عن توقيع اتفاق مبادئ يقضي بالحفاظ على وحدة الصومال وحصول إثيوبيا على منفذ بحري بالتفاهم مع الحكومة المركزية في مقديشو.
ولا يزال الاتفاق مجمدا، وكان من المنتظر أن تواصل أنقرة وساطتها إلى حين تنفيذه على الأرض، لكن الأجواء الإقليمية أرخت بظلال سلبية على تحركاتها، ولم تتمكن تركيا من تنفيذ الاتفاق أو تحافظ على درجة من الدفء بين الصومال وإثيوبيا، ويسعى كل طرف نحو تكتيل أوراقه تحسبا من أيّ مواجهة سياسية أو عسكرية محتملة.
وجعل ذلك أيّ وجود عسكري لمصر على الأراضي الصومالية، ولو ضمن بعثة حفظ السلام، مرفوضا من جانب أديس أبابا ويثير حساسية سياسية كبيرة، وتنظر إليه من منظور الخلاف بينهما حول أزمة سد النهضة.
وتمثل تسوية هذه الأزمة مدخلا مناسبا لطي صفحة الخلاف بين القاهرة وأديس أبابا، إلا أن سد النهضة تحول إلى أزمة هيكلية، يحتاج تجاوزها إلى تنازلات إثيوبية ومصرية، لا تزال بعيدة، ما يعني أن الصومال سوف يظل ساحة لتجاذبات ممتدة.
اكتشاف المزيد من اليراع
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.