الخرطوم ـ «القدس العربي»: تشهد الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، تصعيداً عسكرياً عنيفاً، حيث تواصل قوات «الدعم السريع» قصفها المدفعي خاصة على مخيم أبو شوك للنازحين الواقع في المدينة التي تتعرض لحصار من قبل «الدعم السريع» قالت محللة سياسية أنه أشبه بحصار يذكّر بـ«حصار ستالينغراد».
نداءات أممية
وتأتي هذه التطورات رغم نداءات الأمم المتحدة المتكررة لقوات «الدعم» بوقف القتال، والسماح بوصول المساعدات، بناء على قرار مجلس الأمن الدولي الصادر في 13 يونيو/ حزيران 2024. في المقابل زادت القوات التي يقودها محمد حمدان دقلو «حميدتي» من حصارها المفروض على المدينة، مانعة دخول الإمدادات الطبية والغذائية، ومقيدة حركة المدنيين بالكامل.
وأفادت مصادر عسكرية بأن «الجيش السوداني مدعوماً بقوات الحركات المسلحة تمكن من تحقيق تقدم في المحور الجنوبي للمدينة، مستعيداً عدداً من المواقع الاستراتيجية التي كانت تحت سيطرة الدعم السريع».
ووفق منظمة الهجرة الدولية، التابعة للأمم المتحدة، فإن نحو 1050 أسرة فرّت من أحياء أولاد الريف، مكركا، والوادي في الفاشر، يوم 29 أغسطس/ آب الماضي، بحثًا عن مناطق أكثر أمانًا داخل المدينة المحاصرة.
ويصف شهود عيان الأوضاع في الفاشر بأنها «مأساة إنسانية شاملة»، حيث يعاني السكان من نقص فادح في المواد الغذائية والأدوية، ما دفع الكثيرين لتناول «الأمباز» وهي بقايا الفول السوداني والسمسم المستخرج منها الزيت، والمخصصة عادة لتغذية الحيوانات.
ودعت منظمة الصحة العالمية إلى السماح الفوري بوصول الإمدادات الطبية من نيالا إلى الفاشر، لإنقاذ حياة 130 ألف طفل يعانون من سوء التغذية، إضافة إلى 260 ألف شخص في حاجة إلى الرعاية الصحية في المدينة المحاصرة.
وأكدت الأمم المتحدة أن السودان يمر بأسوأ أزمة غذائية في العالم، مع إعلان المجاعة رسميًا في عدد من مناطقه، مشيرة إلى تسجيل أكثر من 100 ألف حالة إصابة بالكوليرا خلال عام واحد، في أكبر تفشٍ للمرض منذ سنوات.
وما زال نحو 300 ألف مدني عالقين داخل الفاشر ومحرومين الغذاء والمياه والدواء والمساعدات الإنسانية، حسب الأمم المتحدة.
وأُعلنت المجاعة العام الماضي في زمزم وأبو شوك ومخيم ثالث قريب.
وفي الفاشر، يعاني نحو 40 ٪ من الأطفال تحت سن الخامسة من سوء التغذية الحاد، حسب بيانات الأمم المتحدة. ويأكل المدنيون علف الحيوانات بينما يموت كثيرون ممن يهربون إلى الصحراء جوعا أو جراء العنف.
قصف متواصل
وتظهر صور الأقمار الصناعية توسّع المقابر. ويتحدّث المدنيون الذين يعانون الجوع عن اضطرارهم للاختباء داخل ملاجئ موقتة لحماية أنفسهم من القصف المتواصل.
وفي ظل هذا الواقع القاتم، اتهمت الأمم المتحدة قوات «الدعم السريع» بعرقلة وصول المساعدات، وتشييد حواجز ترابية لمنع خروج ودخول السكان، الأمر الذي يزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية.
وعلى الصعيد الإنساني، قام موظفو برنامج الأغذية العالمي في شمال دارفور، بالتعاون مع مبادرات محلية، بتوزيع وجبات غذائية على مئات الأسر في مراكز الإيواء والتجمعات السكنية في مدينة الفاشر.
الجيش تقدّم في المحور الجنوبي… وقوات «الدعم» تسعى لتأمين خطوط إمداد
ورغم محدودية هذه المبادرات، فإنها تمثل بصيص أمل في واقع تتفاقم فيه المعاناة يومًا بعد يوم، خاصة مع استمرار غياب الحلول السياسية الفاعلة، وتزايد الانتهاكات ضد المدنيين في مناطق العمليات العسكرية.
ويسيطر الجيش وحلفاؤه حاليا على أقل من 13 كيلومترا مربعا من إجمالي مساحة المدينة البالغة 80 كلم مربعا، خصوصا المنطقة المحيطة بالمطار في غرب المدينة، حسب صور للأقمار الصناعية من «مختبر الأبحاث الإنسانية» التابع لجامعة ييل.
وتمتد باقي المناطق الخاضعة لسيطرته من مخيم أبو شوك للنازحين في الشمال والذي يعاني قاطنوه من المجاعة إلى سجن شالا في الجنوب وحتى السوق الكبير شرقا. وقال ناثانيل رايموند الذي يجري تحقيقات مرتبطة بالحروب وهو المدير التنفيذي لمختبر الأبحاث الإنسانية في ييل لفرانس برس إن المنطقة الخاضعة لسيطرة الجيش هي حاليا «الأصغر منذ بدأ الحصار».
وسيطرت قوات «الدعم السريع» على معظم أجزاء مخيم أبو شوك الذي تعرّض لهجمات متكررة خلال الأسابيع الماضية إذ استولت على مقر الجيش وسط المدينة واستهدفت مستشفيات ومناطق ذات كثافة سكانية عالية قرب المطار.
وتظهر صور الأقمار الصناعية من مختبر ييل أضرارا كبيرة لحقت بهيئة المياه التابعة للمدينة، ما يعرقل إمكان الوصول إلى مياه الشرب النظيفة.
وأقامت قوات «الدعم السريع» سواتر ترابية على امتداد أكثر من 31 كلم تحيط بالفاشر لمحاصرة سكانها، «ما يخلق منطقة قتل حرفيا»، حسب تقرير ييل الأخير.
وبدأ الجيش إقامة هذه السواتر لكن قوات الدعم السريع أكملتها وعززتها، حسب رايموند.
وأفاد الباحث بأن السواتر تشكّل «هلالا» على الجانب الشمالي، بينما يخضع الجزء الجنوبي لسيطرة قوات الدعم السريع بالكامل بعدما استولت على مخيم زمزم الذي يعاني أيضا من المجاعة، في نيسان/أبريل.
وقال ريموند «لا يوجد مخرج» إذ يواجه الأشخاص الذين يحاولون عبور الحواجز الموت على الأرجح لأن مقاتلي قوات الدعم السريع يطلبون رشاوى مقابل السماح بمرورهم ويعدمون من يشتبه بأنهم على ارتباط بالجيش.
وأضاف «نرى من الفضاء نقاط الاختناق التي تستخدمها قوات الدعم السريع للسيطرة على وصول المدنيين».
ودفع هجوم قوات «الدعم السريع» على زمزم مئات آلاف الأشخاص إلى النزوح. وتخشى هيئات إغاثية من موجة هروب جماعي أخرى إذا سقطت الفاشر.
ومن شأن السيطرة على الفاشر أن تتيح للدعم السريع السيطرة على جميع عواصم ولايات دارفور الخمس، ما يعزز فعليا موقعها لإقامة إدارة موازية في غرب السودان.
ويحذّر خبراء من فظائع تستهدف قبيلة زغاوة المهيمنة في الفاشر، تشبه مجازر 2023 في الجنينة والتي قتل فيها ما يصل إلى 15 ألف شخص، معظمهم من قبيلة المساليت.
ووصفت المحللة السياسية خلود خير، المعركة بأنها «وجودية» بالنسبة للجانبين، إذ تسعى قوات الدعم السريع لنيل الشرعية وتأمين خطوط إمداد مع وجود داعمين لها في ليبيا وتشاد والإمارات العربية المتحدة، في حين تعتبر «القوة المشتركة» المشكّلة بمعظمها من مقاتلين من الزغاوة أن المدينة آخر خط دفاع لها.
وقالت خير لـ« فرانس برس» إن «الفاشر باتت تعيش حصار استنزاف يذكّر بستالينغراد. ويرجّح ألا يجلب سوى مزيد من الموت والدمار قبل انتهائه».
اكتشاف المزيد من اليراع
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.