29.4 C
Khartoum

أزمة الطاقة تدفع بالسودانيين لقطع الأشجار: الغطاء النباتي يتراجع بشكل كارثي

Published:

نقلا عن صحيفة التغيير:

في ظل تصاعد النزاع المسلح وتفاقم الأزمات الإنسانية، يواجه السودان كارثة بيئية متسارعة تهدد بتدمير ما تبقى من غطائه الغابي، وسط تحذيرات من فقدان التنوع البيولوجي وتدهور التربة وارتفاع معدلات التصحر. التقارير البيئية تشير إلى أن البلاد فقدت نحو 60 في المئة من غاباتها خلال العقود الثلاثة الماضية، في تراجع وصفه خبراء بأنه كارثي، ويضع السودان ضمن أكثر الدول تأثرًا بفقدان الغطاء الشجري على مستوى العالم.

الأزمة البيئية لا تنفصل عن تداعيات الحرب المستمرة منذ أبريل 2023، إذ أدى انهيار سلاسل الإمداد بالوقود إلى اعتماد السكان بشكل متزايد على الحطب والفحم كمصادر بديلة للطاقة، ما فاقم من عمليات قطع الأشجار الجائرة. في المشهد اليومي داخل الخرطوم وعدد من الولايات، تُسقط فؤوس السكان أشجارًا عمرها مئات السنين، في ظل شح الغاز وغياب البدائل، ما يعكس حجم الضغوط المعيشية التي تدفع نحو الإبادة الخضراء.

منظمة الأغذية والزراعة (FAO) قدرت أن السودان يخسر سنويًا نحو 175 ألف هكتار من الغابات، فيما تتراوح معدلات إزالة الغطاء الشجري الإجمالية بين 0.4 و0.7 مليون هكتار سنويًا. هذه الأرقام تضع السودان ضمن قائمة الدول العشر الأكثر فقدانًا للغابات عالميًا. وتشير بيانات موقع LandLinks إلى أن إجمالي مساحة الغابات في البلاد يبلغ نحو 18.7 مليون هكتار، أي ما يعادل 10 في المئة من المساحة الكلية، إلا أن هذا الغطاء يشهد تراجعًا مستمرًا، حيث فقد السودان نحو 8.8 مليون هكتار بين عامي 1990 و2005، وهي خسارة تفاقمت بعد انفصال الجنوب.

العمليات العسكرية الأخيرة ساهمت في تسريع وتيرة التدهور البيئي، فبحسب مركز CEOBS، فقدت ولاية الجزيرة وحدها ما لا يقل عن 6,126 هكتارًا من الغطاء الطبيعي نتيجة الحرب. وفي مناطق أخرى مثل نيالا، ارتفعت أسعار الفحم إلى خمسة أضعاف، ما دفع السكان إلى تكثيف عمليات قطع الأشجار لتلبية احتياجاتهم اليومية من الطاقة. بيانات منصة Atlai كشفت أن السودان فقد في عام 2023 فقط نحو 20,300 هكتار من الغطاء الشجري، معظمها بسبب الزراعة المتنقلة التي شكلت 89 في المئة من مجمل الخسائر، في حين سجلت البلاد مكاسب محدودة في إعادة التشجير بلغت 131,289 هكتارًا، أي زيادة بنسبة 3.45 في المئة، وهي نسبة لا تكفي لتعويض الخسائر المتسارعة.

دراسة محلية أجريت في منطقة جبل مرة بوسط دارفور وثّقت الانحدار الحاد في كثافة الأشجار، حيث انخفض عدد الأشجار من 400 شجرة في الهكتار عام 1998 إلى 126 شجرة في عام 2003، ثم إلى 27 شجرة فقط بحلول عام 2016، ما يعكس الأثر العميق للحرب الطويلة على البيئة الطبيعية. إلى جانب الأبعاد البيئية، فإن الأشجار المقطوعة تمثل إرثًا تاريخيًا وثقافيًا، بعضها مصنف ضمن الأشجار النادرة التي ترتبط بالذاكرة المحلية، وفقدانها يعني محو جزء من هوية المجتمعات وضياع كنوز طبيعية وتراثية لا يمكن تعويضها.

في مواجهة هذا النزيف البيئي، يطالب خبراء ومنظمات المجتمع المدني بإيجاد بدائل عاجلة للطاقة تحد من الاعتماد على الحطب والفحم، إلى جانب إطلاق برامج وطنية لإعادة التشجير وحماية ما تبقى من الغابات، بالتنسيق مع دعم دولي يضمن استدامة هذه الجهود. وبينما تتواصل الحرب ويعلو صوت الفؤوس في الغابات، يبقى السؤال الأكثر إلحاحًا: هل يتمكن السودان من إنقاذ ما تبقى من غاباته قبل أن تتحول أراضيه إلى صحراء قاحلة؟


اكتشاف المزيد من اليراع

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مواضيع مرتبطة

مواضيع حديثة