الخرطوم ـ في ظل تصاعد القتال في إقليم دارفور، يشهد مخيم «أبو شوك» للنازحين، شمال مدينة الفاشر، منذ السبت، قصفا مدفعيا عنيفا تنفذه قوات «الدعم السريع» راح ضحيته 31 مدنيًا، بينهم سبعة أطفال وامرأة حامل، وأصيب 13 آخرون بجروح متفاوتة، وفق ما أفادت به شبكة أطباء السودان.
قصف مدفعي
وحسب الشبكة، فإن القصف المدفعي «المتعمد» استهدف، مساء السبت، مناطق مأهولة بالسكان داخل المخيم، الذي يقطنه آلاف النازحين الفارين من مناطق النزاع.
وأضافت أن المصابين تم إسعافهم في ظروف إنسانية وصحية بالغة السوء، في ظل نقص حاد في الأدوية والكادر الطبي والمواد الغذائية، نتيجة الحصار المفروض منذ أكثر من عام على مدينة الفاشر من قبل قوات «الدعم السريع».
كارثة إنسانية
لجان المقاومة في الفاشر ومخيم أبو شوك، أطلقت نداءات تحذير شديدة اللهجة، أمس الأحد، محذرة من «الكلفة الإنسانية الباهظة» لأي محاولة لاقتحام المخيم من قبل الدعم السريع، معتبرة أن مثل هذا التصعيد يرقى إلى «جريمة إبادة جماعية بحق المدنيين العزل» ودعت المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لوقف استهداف المدنيين.
فيما أدانت شبكة أطباء السودان بشدة ما وصفتها بـ«الجريمة البشعة» مؤكدة أن استهداف النازحين في أماكن لجوئهم المحمية بموجب القانون الدولي الإنساني يعد «جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية».
وطالبت الشبكة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي باتخاذ إجراءات فورية، من بينها الضغط على قيادات الدعم السريع وفتح ممرات إنسانية لإغاثة الضحايا.
غارات جوية
الهجوم على المخيم لم يكن الحدث الوحيد الدامي، فقد شنت طائرة مسيرة تتبع لقوات «الدعم السريع» غارة جوية على مدينة «الطينة» على الحدود السودانية التشادية، غرب البلاد، أسفرت عن مقتل تسعة مدنيين آخرين.
تأتي هذه الهجمات في وقت تتصاعد فيه حدة الصراع العسكري في شمال دارفور، خاصة حول مدينة الفاشر التي ظلت تحت حصار خانق من قوات «الدعم السريع» لأكثر من عام، ما أدى إلى تدهور الأوضاع المعيشية والصحية، ونزوح الآلاف من السكان.
الهجوم الجديد يعيد إلى الأذهان ما حدث في أبريل/ نيسان الماضي عندما اقتحمت قوات الدعم السريع مخيم زمزم للنازحين، الواقع على بعد نحو 12 كيلومترًا جنوب مدينة الفاشر. وأسفر حينها عن مقتل ما لا يقل عن 400 مدني، وفق تقديرات لجان المقاومة ومنظمات حقوقية محلية ودولية.
لجان المقاومة حذرت من «الكلفة الإنسانية الباهظة»
وتتهم تنسيقية لجان المقاومة في الفاشر قوات «الدعم السريع» بتحويل مخيم زمزم إلى قاعدة عسكرية بعد طرد وقتل المئات من سكانه، وتخشى من تكرار السيناريو ذاته في مخيم أبو شوك الذي لا يبعد سوى أربعة كيلومترات عن مركز المدينة من ناحية الشمال.
وأكدت تنسيقية لجان المقاومة في الفاشر أن «لا سلام ولا تعايش بوجود ميليشيا الجنجويد» في إشارة إلى قوات «الدعم السريع» ووصفت ما يجري بأنه «حرب وجود لا حرب كرامة فقط» داعية إلى «اقتلاع الميليشيا من جذورها».
وأضافت: «لن ينعم أي سوداني بالأمان طالما بقي هؤلاء المجرمون على أرضنا. لا وجود لخيارات رمادية في هذا الطريق. إما نحن أو نحن».
كما اتهمت أطرافًا خارجية، وعلى رأسها الإمارات، بإسناد «الدعم السريع» بالمال والسلاح وتجنيد مرتزقة أجانب، قائلة إن السودان «لا مكان فيه للجنجويد مهما حاول العدوان الإماراتي بأمواله ومرتزقته أن يفرضهم علينا».
دور المرتزقة
في سياق متصل، وجّه رئيس الوزراء السوداني، كامل إدريس، السبت، رسالة مفتوحة باللغة الإسبانية إلى الشعب الكولومبي والمجتمعات الناطقة بالإسبانية، دعا فيها إلى وقف تجنيد المرتزقة وإرسالهم للقتال في السودان
وأشار إلى أن تجنيد المقاتلين الأجانب يمثل تهديدًا خطيرًا لمسار السلام، مؤكدًا أن الحكومة السودانية تملك وثائق تثبت مشاركة كولومبيين وأجانب آخرين في القتال ضمن صفوف الدعم السريع، بدعم مباشر من الإمارات، وهو ما تنفيه الأخيرة.
وفي وقت سابق من أغسطس/ آب الجاري، أعلن الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو عن فتح تحقيق رسمي في مقتل عدد من مواطنيه في السودان، واصفًا تجنيدهم بالارتزاق و«شكل من أشكال الاتجار بالبشر». وقال إن بعض الشركات الخاصة التي كانت تنشط في النزاعات الداخلية داخل كولومبيا باتت ترسل المرتزقة إلى مناطق النزاع في الخارج، مثل السودان، بعد تراجع الحروب داخل البلاد.
على الصعيد الميداني، شنّ الطيران الحربي التابع للجيش السوداني، أمس الأحد، عمليات قصف على مواقع «الدعم السريع» في منطقة ملي شمال دارفور، في محاولة لتخفيف الضغط على مدينة الفاشر.
كما نفذ عملية إسقاط جوي لإمدادات اللواء 54 المحاصر في مدينة «الدلنج» جنوب كردفان، التي تشهد بدورها محاولات للسيطرة من قبل الدعم السريع وقوات الحركة الشعبية ـ شمال بقيادة عبد العزيز الحلو.
تأمين العاصمة
في العاصمة الخرطوم، وبعد استعادة الجيش السيطرة عليها بالكامل، بدأ المركز القومي لمكافحة الألغام تنفيذ المرحلة الثانية من عمليات تفجير وإبادة الألغام والمخلفات الحربية، حيث تم تدمير 4500 قذيفة ولغم أرضي بمختلف الأحجام في منطقة وادي سيدنا العسكرية.
وأكد مدير المركز، اللواء الركن خالد حمدان آدم، أن المرحلة الأولى شهدت التخلص من 14 ألف دانة، فيما تستهدف المرحلة الحالية إزالة نحو 50 ألفًا أخرى خلال شهر أغسطس/ آب الجاري. وحذر المواطنين من الاقتراب من مناطق مثل «غابة السنط» ـ وسط العاصمة ـ التي لا تزال تحتوي على ألغام أرضية خطيرة.
ودعا المواطنين للإبلاغ عن أي أجسام مشبوهة أو مخلفات حربية، مشيرًا إلى أن فرق إزالة الألغام منتشرة في معظم أنحاء العاصمة.
(القدس العربي)
اكتشاف المزيد من اليراع
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.