الخرطوم – شهد حزب الأمة القومي، أحد أعرق الأحزاب السياسية في السودان، جولة جديدة من التصعيد الداخلي، مع تبادل الاتهامات والبيانات بين قياداته، في ظل انقسام متزايد، وتباين مواقف تجاه الحرب المستعرة في البلاد.
وفي أحدث فصول هذا الصراع، أصدر القيادي في الحزب، ونائب رئيس مجلس الحل والعقد في هيئة شؤون الأنصار، عبد الرحمن الصادق المهدي، بيانًا مطولاأمس الجمعة، رد فيه على ما وصفه بـ«افتراءات» وردت في بيان صادر عن الأمانة العامة، كانت قد اتهمت فيه شخصيات «ذات ارتباط عائلي وتاريخي» بمحاولة التسلل إلى القيادة الحزبية بعد الثورة.
وتأتي هذه التطورات وسط تصدع كبير داخل الحزب، الذي يعاني منذ فترة من انقسام بين تيارات تتبنى مواقف سياسية مختلفة، بعضها مؤيد لتحالفات مع الجيش، وأخرى تقترب من قوات «الدعم السريع»، بينما تؤكد الأمانة العامة، برئاسة الواثق البرير، الحفاظ على موقف معلن رافض للحرب، ضمن تحالف «صمود».
وكانت الأمانة العامة قد أصدرت بيانًا يوم الخميس، دعت فيه جماهير «الحزب والأنصار» إلى عدم الانسياق خلف «تحركات مشبوهة»، قالت إنها تستند إلى «الرمزية العائلية»- في إشارة إلى القيادي في الحزب عبد الرحمن، ابن رئيس الحزب الراحل الصادق المهدي. وقالت إن تلك التحركات تستهدف الالتفاف على المؤسسات الشرعية للحزب.
كما أكدت رفضها القاطع لأي محاولة لفرض قيادة جديدة على الحزب من خارج مؤسساته.
في بيانه، أعرب عبد الرحمن الصادق المهدي عن استغرابه من لغة بيان الأمانة العامة الذي اعتبره «مموهًا» ومليئًا بـ«الافتراءات»، مشيرًا إلى أن الأمانة العامة قصدت شخصه دون تسميته.
وأكد أن دوره في تنسيق اللقاءات التي سبقت سقوط نظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير في أبريل/ نيسان 2019، كان محوريًا، إذ قال إن لقاء والده الراحل الإمام الصادق المهدي بقيادات النظام السابق تم بترتيبه، وإن الاجتماع عقد في شقته الخاصة في الخرطوم، وأسفر عن انحياز اللجنة الأمنية، للثورة، مما مهد لسقوط النظام.
بعدما تحدثت عن شخصيات «ذات ارتباط عائلي وتاريخي» تسللت للقيادة
وحول ملابسات دخوله لدار الأمة، أوضح المهدي أنه تحرك بصفته رئيس مجلس إدارة شركة «الصديقية» المالكة للعقار والمؤجرة للحزب، بعد أن علم بوجود أسر داخل الدار رفضت المغادرة احتجاجًا على ما وصفوه بدعم الحزب لميليشيا «الدعم السريع». وأضاف أنه نسق مع اللجنة الحزبية المعنية، وزار الموقع برفقة مسؤول من القوات المسلحة، في محاولة لحل الأزمة سلميًا.
وقال: «أوضحنا للمحتلين أن من يساند الميليشيا هم قيادات معزولة عن جماهير الحزب، بينما الأغلبية الساحقة من جماهير الحزب ومؤسساته تعارض عدوان الدعم السريع، وقد تفهموا ذلك تمامًا».
اتهامات وانقسامات
البيان تضمن اتهامات مباشرة لقيادات في الحزب، وصفها المهدي بأنها «افتقدت أدب الكيان وأدب أهل السودان»، واتهمها بالانحياز إلى قوات «الدعم السريع» بطريقة غير معلنة، عبر مواقف «جبانة»، حسب تعبيره، تتخفى خلف شعار «لا للحرب»، بينما تنفذ أجندة «الميليشيا».
كما شدد على أن حزب الأمة القومي «ملك لجماهيره» وليس حكرًا على أي فرد أو مجموعة، داعيًا إلى العودة للنهج المؤسسي الذي أرساه الزعيم الراحل للحزب الصادق المهدي. واتهم القيادة الحالية باختطاف الحزب وتغييب مؤسساته، مما أدى إلى إضعاف دوره وفشله في وقت حاسم من تاريخ البلاد.
التوتر داخل الحزب تصاعد خلال الأسبوع الماضي بعد إصدار رئيس الحزب المكلف، فضل الله برمة ناصر، قرارًا بإنهاء تكليف ستة من كبار القيادات، بينهم محمد عبد الله الدومة وصديق إسماعيل، ضمن ما وصف بـ«جهود إعادة الهيكلة».
وفي المقابل، جاءت هذه الخطوة عقب سلسلة من التحركات المثيرة للجدل من برمة، أبرزها مشاركته في اجتماعات لتحالف «تأسيس» المدعوم من قوات «الدعم السريع» في العاصمة الكينية نيروبي، وتوقيعه على إعلان أديس أبابا مطلع العام الماضي، دون تشاور مع قيادة الحزب. هذه التحركات أثارت ردود فعل واسعة، ودفع مؤسسة رئاسة الحزب إلى إعلان سحب تكليفه، الأمر الذي رد عليه برمة بإعفاء مؤسسة الرئاسة نفسها.
مواقف متضاربة
وتبرز جذور الأزمة الحالية في الموقف من الحرب الجارية بين الجيش وقوات «الدعم السريع»، حيث تبنّى الحزب رسميًا موقفًا رافضًا للحرب، لكن مشاركات برمة المتكررة في اجتماعات الدعم السريع أظهرت انقسامًا داخليًا حول هذا الموقف. وفي اجتماعها الأخير، أكدت الأمانة العامة تمسكها بأن تصدر قرارات الحزب فقط عبر مؤسساته الدستورية، نافية أي تمثيل للجهات أو الأشخاص الخارجين عن هذا الإطار. ويعد حزب الأمة القومي من القوى التقليدية في السودان، وله حضور واسع خاصة في إقليمي كردفان ودارفور. إلا أن الانقسامات الحالية وغياب القيادة الموحدة باتت تهدد وحدته التنظيمية والسياسية.
(ـ القدس العربي)
اكتشاف المزيد من اليراع
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.