سجّلت 63 وفاة على الأقل خلال أسبوع بسبب “سوء التغذية” في مدينة الفاشر بإقليم دارفور والتي تحاصرها قوات الدعم السريع منذ أكثر من عام، والمجاعة تضرب بشدة الأطفال الذين يموتون من نقص الطعام. بينما تتصاعد التحذيرات من تفاقم الأزمة الصحية في إقليم دارفور ، في ظل تفشي وباء الكوليرا بوتيرة متسارعة، مع تدهور شامل في القطاع الصحي وصعوبات ميدانية بالغة في الوصول إلى المناطق المتأثرة.
قال مصدر في وزارة الصحة السودانية الأحد (العاشر من آب/ أغسطس 2025) لوكالة فرانس برس إن “عدد الذين ماتوا بسبب سوء التغذية في مدينة الفاشر بين يومي 3 و10 آب/ أغسطس بلغ 63 شخصا أغلبهم نساء وأطفال”. وأوضح المسؤول الطبي الذي طلب عدم ذكر اسمه أن هذه الحصيلة تقتصر على من تمكّنوا من الوصول الى المستشفيات، مشيرا الى أن كثرا يعجزون عن ذلك بسبب العنف. وأضاف “إذا مات الشخص في البيت يتم دفنه مباشرة”.
وتحاصر قوات الدعم السريع التي تخوض حربا ضد الجيش منذ أكثر من عامين، الفاشر منذ أيار/ مايو 2024. وهي المدينة الرئيسية الوحيدة في إقليم دارفور (غرب) التي لا تزال تحت سيطرة الجيش.
وأدى هجوم عنيف للدعم السريع على مخيم زمزم للنازحين في ضواحي الفاشر في نيسان/ أبريل إلى نزوح عشرات الآلاف، أصبحوا الآن لاجئين داخل المدينة. ويعتمد معظم سكان دارفور في طعامهم على “التكايا” أو المطابخ العامة التي تقدم وجبات للمواطنين، وباتت تعاني بدورها نقصا كبيرا في الموارد.
ومع اضطرار المطابخ العامة إلى الإغلاق بسبب نقص الإمدادات، تشير تقارير إلى أن بعض العائلات باتت تقتات على علف الحيوانات أو بقايا الطعام. وفي أكبر مطبخ عام في المدينة، يتلقى نحو 1700 شخص كل صباح طبق العصيدة المصنوعة من دقيق الدخن أو الذرة، ولكن الكميات تقلصت بشكل كبير. وقال المسؤول في تكية الفاشر مجدي يوسف لفرانس برس إنها “باتت تقدم وجبة واحدة فقط في اليوم بعد أن كانت تقدم وجبتين قبل ستة أشهر”. وأضاف أن الطبق الذي كان يتقاسمه ثلاثة أشخاص صار يتقاسمه سبعة. وأشار يوسف إلى أن الأطفال والنساء الذين يصلون إلى المطبخ يظهرون علامات واضحة على سوء التغذية، بينها بطون منتفخة وعيون غائرة.
الجوع يقتل الأطفال في الفاشر
ووفقا لبيانات الأمم المتحدة، يعاني 40 بالمئة من الأطفال دون الخامسة في الفاشر سوء التغذية، بينهم 11% يعانون سوء التغذية الحاد الشديد. وأُعلنت المجاعة قبل عام في مخيمات النازحين المحيطة بالفاشر، وتوقعت الأمم المتحدة أن تمتد إلى المدينة نفسها بحلول أيار/مايو الماضي. إلا أن نقص البيانات حال دون إعلان المجاعة رسميا.
وحذّرت الأمم المتحدة مرارا من محنة نحو مليون شخص محاصرين في الفاشر والمخيمات المحيطة بها والذين أصبحوا محرومين فعليا المساعدات والخدمات الأساسية. وقال برنامج الأغذية العالمي هذا الأسبوع إن آلاف الأسر في الفاشر “معرضة لخطر الجوع”.
وأدى هجوم على قافلة إنسانية تابعة للأمم المتحدة كانت متجهة إلى المدينة في حزيران/ يونيو إلى مقتل خمسة من عمال الإغاثة. كما يعقّد موسم الأمطار الذي يبلغ ذروته في آب/ أغسطس، جهود الوصول إلى المدينة. فالطرق تنقطع بسرعة، ما يجعل إيصال المساعدات صعبا، إن لم يكن مستحيلا.
وأكد طبيب أطفال في مستشفى الفاشر أن هناك زيادة في عدد الأطفال الذين يصلون إلى المستشفى ويعانون سوء التغذية الحاد. وتابع في تصريح لوكالة فرانس برس أن “معظم الحالات تعاني سوء التغذية الحاد، والإمدادات الطبية اللازمة لعلاجهم منخفضة بشكل خطير”.
وفي مخيم أبو شوك القريب الذي يعاني بدوره المجاعة، قال المسؤول المحلي آدم عيسى لوكالة فرانس برس إنه عاد للتو من مراسم دفن خمسة أطفال. وأوضح أن معدل وفيات الأطفال في المخيم يراوح بين خمس وسبع وفيات يوميا. ووصف ممثل اليونيسف في السودان شيلدون يت الوضع هذا الأسبوع بأنه “كارثة محدقة”. وحذّر قائلا “نحن على شفا ضرر لا يمكن إصلاحه لجيل كامل من الأطفال”.
6 آلاف إصابة بالكوليرا في دارفور
وقالت شبكة أطباء السودان، أمس الأحد، إن عدد حالات الإصابة المؤكدة بالكوليرا في الإقليم تجاوز حاجز 6000 حالة حتى مطلع أغسطس/ آب الجاري، في حين سجلت منطقة طويلة بولاية شمال دارفور وحدها أكثر من 2,500 حالة إصابة، و103 حالات وفاة، من بينها عدد كبير من النساء والأطفال.
ووصفت الوضع في منطقة طويلة بأنه «كارثة صحية وإنسانية غير مسبوقة»، مشيرة إلى تزايد مرعب في معدلات الإصابة اليومية، ما ينذر بانهيار كامل للمنظومة الصحية، في ظل انعدام الأدوية والمستلزمات الأساسية، وتوقف برامج الرعاية الصحية الأولية.
وأرجعت هذا الانفجار الوبائي إلى «الانهيار الممنهج للنظام الصحي» نتيجة للحصار الذي تفرضه قوات الدعم السريع على المنطقة، والذي أدى إلى توقف سلاسل الإمداد الطبي، ومنع وصول المنظمات الإنسانية، وتشريد الكوادر الطبية، بعد تعرضهم «لعمليات استهداف مباشر شملت القتل، والاعتداء الجسدي، والاختطاف، وابتزازهم ماليًا للإفراج عنهم».
وأكدت أن الكارثة الصحية لم تكن لتبلغ هذا المستوى لولا القيود المفروضة على الحركة الطبية والإنسانية في المنطقة، محملة قوات الدعم السريع «المسؤولية الكاملة» عن تفشي الكوليرا ومنع التدخلات العاجلة لاحتواء الوباء.
ودعت المجتمع الدولي، ومنظمات الأمم المتحدة، والهيئات الحقوقية، إلى التدخل العاجل واتخاذ مواقف حازمة لوقف ما وصفتها بـ»الانتهاكات الخطيرة» التي تمارسها قوات الدعم السريع، وضمان وصول الإمدادات الطبية والإنسانية إلى المتضررين دون قيود.
كما ناشدت الجهات الدولية العمل على حماية المدنيين من سياسات «التجويع والترويع» التي قالت إن قوات الدعم السريع تنتهجها في عدد من مناطق دارفور، وخصوصًا في منطقة طويلة التي تواجه أوضاعًا حرجة على المستويين الصحي والإنساني.
ويأتي هذا التطور في ظل تردٍ أمني وإنساني متصاعد في الإقليم، حيث تعاني مناطق واسعة من نقص الغذاء، وانعدام الخدمات الطبية، وانهيار البنية التحتية في ظل تصاعد وتيرة المعارك وحصار المدن في الحرب المستمرة منذ أبريل/ نيسان 2023.
DW\ اليراع\ القدس العربي
اكتشاف المزيد من اليراع
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.