الخرطوم ـ «القدس العربي»: بعد أكثر من عام على الحصار الكامل الذي تفرضه قوات «الدعم السريع» على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، بدأت مؤخراً تحركات دولية وأممية لتنفيذ إسقاط جوي للمساعدات الإنسانية، في ظل انهيار شامل في الأمن الغذائي وانتشار المجاعة وسوء التغذية.
وأعلنت الأمم المتحدة أمس الثلاثاء، الشروع في خطوات من أجل إسقاط المساعدات جوا على مدينة الفاشر، بعد فشل المحاولات لإيصالها عبر الطرق البرية بسبب استهداف القوافل وموسم الأمطار.
وحذرت من تفاقم الكارثة الإنسانية، وسط مطالبات بتعجيل إيصال الإغاثة، بعد أن بلغ الوضع الإنساني في دارفور مرحلة غير مسبوقة من الانهيار.
يأتي هذا الحراك المتأخر بعد تقارير ميدانية وثقتها منظمات محلية ودولية، تؤكد تحويل قوات «الدعم» لمخيم زمزم للنازحين إلى قاعدة عسكرية، عقب إخلائه قسراً من سكانه، واستخدامه كنقطة انطلاق للهجمات ضد المدنيين.
وقالت لجان مقاومة مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، إن قوات «الدعم»، أجبرت آلاف النازحين على مغادرة المخيم المتاخم للفاشر، تحت تهديد السلاح.
واتهمت قوات «الدعم» بتحويل المخيم الذي كان يؤوي آلاف النازحين إلى قاعدة عسكرية، لتعزيز الحصار وتصعيد عمليات القصف على الفاشر، التي تحاول «الدعم» الاستحواذ عليها لإحكام سيطرتها على إقليم دارفور غرب البلاد، حيث تسيطر على أربع من أصل خمس ولايات.
وأضافت: أن «قوات الدعم السريع أخلت مخيم زمزم للنازحين من سكانه بالقوة، وحولته إلى ثكنة عسكرية متقدمة، بعد استجلاب مرتزقة أجانب. وبدأت الميليشيا باستخدام المعسكر كنقطة انطلاق لشن هجمات على مدينة الفاشر، مما أدى إلى سقوط ضحايا ودمار واسع في الأحياء السكنية».
وعدّت هذا التحول «انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، واتفاقيات جنيف التي تمنع تحويل مراكز المدنيين إلى أهداف عسكرية».
منذ مايو/ أيار من العام الماضي، تخضع مدينة الفاشر، لحصار مطبق من قوات «الدعم».
ووفقًا لبيانات برنامج الأغذية العالمي، فإن المدينة تواجه مجاعة كارثية في ظل ندرة الغذاء، مع تسجيل ارتفاع جنوني في أسعار المواد الغذائية الأساسية، حيث ارتفع سعر الذرة الرفيعة والقمح بنسبة 460%، مقارنة بمناطق أخرى في السودان.
وفي تصريحات للمدير الإقليمي لبرنامج الأغذية العالمي إريك بيرديسون، قال: «الناس في الفاشر يواجهون محنة يومية للصمود. القدرة على التحمل تلاشت. الأرواح ستزهق ما لم يتم تأمين وصول عاجل ومستدام للغذاء والدواء».
كما أكد أن الأسواق في المدينة شبه فارغة، وأن معظم المطابخ المشتركة أغلقت أبوابها. في ظل هذا الوضع، اضطرت بعض العائلات إلى استهلاك العلف أو النفايات، فيما بلغ معدل سوء التغذية لدى الأطفال تحت سن الخامسة 40%، من بينهم 11% يعانون من نقص تغذية حاد.
ناقوس الخطر
في ظل استمرار الحصار، أعلنت شبكة «أطباء السودان» دعمها لخطة الأمم المتحدة المتعلقة بالإسقاط الجوي للمساعدات، بعد فشل إيصال المساعدات برّاً بسبب تكرار نهبها من قبل الدعم السريع.
وقال الناطق باسم الشبكة، أحمد النور أحمد، إن الوضع في الفاشر وكردفان «بلغ مرحلة كارثية»، داعيًا إلى تسريع عمليات الإسقاط الجوي.
أما مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا»، فقد عبر عن قلقه العميق إزاء تصاعد القتال، خصوصاً في الفاشر، مشيرًا إلى اشتباكات عنيفة وقعت يومي 1 و2 أغسطس/ آب، خاصة في محيط مخيم أبو شوك الذي يؤوي أكثر من 25 ألف نازح.
حجر ينفي الحصار
في المقابل، أثار قيادي في تحالف «السودان التأسيسي» المعروف اختصاراً بـ«تأسيس»، الجدل بعد تصريحاته التي نفى فيها وجود حصار مفروض على مدينة الفاشر، واعتبر ذلك «أكذوبة يروج لها تجار الحروب»، على حد تعبيره.
وقال الطاهر حجر، الذي يشغل منصب عضو المجلس الرئاسي في حكومة «الدعم السريع» الموازية، إن «الفاشر ليست محاصرة بالمعنى المتداول كما يروج الذين أشعلوا الحرب»، مضيفاً: «أن أي شخص يستطيع الخروج من المدينة من كل الاتجاهات، وسيلقى الرعاية والمساعدة والتأمين من قوات تأسيس»، على حد وصفه.
وادعى أن مناطق سيطرة قواته استقبلت أعداداً كبيرة ممن خرجوا من الفاشر وتمت مساعدتهم «من كل الجوانب»، مجدداً دعوته لسكان المدينة المتبقين إلى الخروج نحو ما وصفها بـ«المناطق الآمنة».
لكن هذه الرواية قوبلت بتقارير تناقضها، حيث أفادت مجموعة «محامو الطوارئ» الحقوقية أمس الأول بأن قوات الدعم السريع قتلت ما لا يقل عن 14 مدنياً واعتقلت آخرين في منطقة قرني بولاية شمال دارفور، بعد محاولتهم الخروج من مدينة الفاشر. هذه الوقائع تضيف مزيداً من التعقيد إلى مشهد إنساني وأمني يزداد قتامة يوماً بعد يوم، في ظل غياب أي ضمانات حقيقية لحماية المدنيين أو تأمين ممرات آمنة.
وفي ولاية شمال كردفان، تستمر المعارك حول بلدة أم صميمة، التي تم تبادل السيطرة عليها عدة مرات في الأسابيع الأخيرة، مما يعكس هشاشة الأوضاع الأمنية على خطوط التماس بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع».
وفي وقت لا تزال تحتدم المعارك في ولايات كردفان، قام الطيران الحربي التابع للجيش السوداني بقصف مواقع تمركز قوات «الدعم»، التي تحاصر مدينة الأبيض شمال كردفان. واستهدفت الغارات منطقة أبو قعود المتاخمة للأبيض، وسط أنباء عن حشد قوات الدعم قواتها في المنطقة استعدادا لتنفيذ هجوم جديد على الأبيض.
بالتزامن، كشفت غرفة طوارئ دار حمر في ولاية غرب كردفان، عن أن قوات «الدعم» أقدمت على إغلاق جميع مصادر المياه الممتدة من شرقي النهود إلى مدينة الخوي، محذرة من أن هذه الخطوة لا تمثل فقط تهديداً مباشراً للأمن المائي في المنطقة، بل ساهمت بشكل مباشر في تفاقم انتشار وباء الكوليرا الذي بدأ يحصد الأرواح بشكل مقلق في شمال وغرب كردفان.
ويتفشى الوباء على نحو متسارع في ولايات كردفان وإقليم دارفور، وسط نقص حاد في المشافي والمعينات الصحية فضلا عن النقص الحاد في المياه، وتلوثها على نحو واسع.
وتشير الأرقام إلى تسجيل ما يقرب من 1200 إصابة بالكوليرا في محلية طويلة بشمال دارفور منذ أواخر حزيران/يونيو، بينها 300 حالة إصابة بين الأطفال، بالإضافة إلى ما لا يقل عن 20 حالة وفاة مؤكدة.
اكتشاف المزيد من اليراع
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.