32.6 C
Khartoum

آلاف اللاجئين السودانيين يغادرون مصر بسبب الضيق الاقتصادي

Published:

مع تزايد الضغوط الاقتصادية وتدهور سعر صرف الجنيه السوداني أمام المصري، يواجه آلاف اللاجئين السودانيين في مصر خيارًا صعبًا بين البقاء في ظروف معيشية قاسية أو العودة إلى وطن. في ظل إعلان الخرطوم عن تحسن الأوضاع الأمنية

سيرت السلطات السودانية قطارًا خاصًا لنقل المواطنين السودانيين الراغبين في العودة من جمهورية مصر العربية إلى بلادهم. بعد استمرار انخفاض الجنيه السوداني مقابل الجنيه المصري، تزداد معاناة السودانيين في مصر، خاصة اللاجئين الذين يعتمدون على التحويلات المالية لدعم أسرهم.

وتولت المنظومة جميع الترتيبات الإدارية والفنية، بالتنسيق مع الجهات الرسمية في كل من مصر والسودان، حيث تم تنظيم تجمعات للمواطنين في عدد من المدن المصرية، وتوفير وسائل نقل أقلّتهم إلى محطة القطار في القاهرة، تمهيدًا لانطلاق الرحلة المخصصة إلى السودان.

من جانبها، أعلنت الهيئة القومية لسكك حديد مصر عن تشغيل قطار “مخصوص” يمر بمحافظة أسوان، لتيسير عودة السودانيين المقيمين في مصر طواعية إلى وطنهم.
وفي ظل هذه المبادرات، عبّر عدد من اللاجئين السودانيين في مصر عن مشاعر متباينة، جمعت بين فرحة اللقاء المرتقب بالوطن ومرارة الظروف القاسية التي أحاطت برحلتهم. وأكدت شهاداتهم أن قرار العودة لم يكن سهلاً، بل جاء نتيجة تراكم ظروف اقتصادية صعبة.

عبّر عدد من اللاجئين السودانيين في مصر عن مشاعر مختلطة، بين فرحة العودة الي الوطن والخوف من تدهور الأوضاع الأمنية.صورة من: Hassan Mohamed/AFP

يقول ياسر علي، لاجئ سوداني مقيم في مصر منذ أكثر من عامين، في تصريح خاص لـ”مهاجر نيوز”: “الشعور بالعودة إلى الوطن لا يوصف، لكن يا للأسف لا يوجد أي دعم، لا مادي ولا معنوي. كل واحد تحمل مصاريف أكله وشرابه حتى وجد وسيلة للعودة، والكل متوكل على الله”. وأضاف أن قرار العودة لم يكن وليد اللحظة، بل تأخر بسبب الأوضاع الاقتصادية القاسية، مشيرًا إلى أن أسعار التذاكر بلغت ما بين 4500 و5000 جنيه، وهو مبلغ يفوق قدرة معظم اللاجئين.

من جانبها، قالت رضا، وهي لاجئة منذ بداية الحرب وتقيم في القاهرة: “تتزايد أعداد العائدين يوميًا، حيث تنطلق الحافلات باستمرار من منطقة فيصل، وتشهد الرحلات الطوعية إقبالًا كبيرًا بدعم من رجال أعمال ومنظمات خيرية. الخرطوم باتت أكثر أمانًا واستقرارًا، وبدأت الخدمات تعود تدريجيًا، رغم استمرار إغلاق بعض الجامعات. ويبدو أن مسيرة الاستقرار والتنمية تسير على نحو جيد.”

وتجدر الإشارة إلى أن النزاع الذي اندلع في السودان في نيسان/ أبريل 2023 تسبب في أكبر أزمة نزوح في العالم، حيث اضطر الملايين إلى الفرار طلبًا للأمان. ووفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بلغ عدد اللاجئين السودانيين المسجلين حتى 31 مارس 2025 حوالي 672,930 لاجئًا.

بسبب أزمة تمويل عالمية، خفّضت مفوضية اللاجئين دعمها للاجئين.صورة من: Hassan Mohamed/AFP

العودة من مصر تحت ضغط الأزمة

وأوضحت عبد الله أن قطار العودة ينقل نحو ألف سوداني يوميًا من محطة السكة الحديد كل يوم اثنين، في خطوة تُعدّ تعاونًا مميزًا من الحكومة المصرية التي تولّت تجهيز القطار وتوفير الوجبات خلال الرحلة. وأكدت أن منظومة الصناعات الدفاعية السودانية تدير المشروع بشكل كامل دون وجود شريك، رغم أن التنسيق مع الأمم المتحدة كان سيعزز الدعم بشكل أكبر.

وأضافت رضا: “الأمر المؤلم أن الكثيرين في الخارج لا يدركون واقعنا الحقيقي. لقد عانينا من النزوح والقهر والفقر، وما زال البعض ينظر إلينا وكأننا نعيش في دولة حروب وكوارث. عودة الكثيرين ليست بدافع السياسة، بل نابعة من التعب والحنين والرغبة في بداية جديدة. الفرحة تعم الجميع بالرجوع إلى الوطن، والكل متفائل بمستقبل أفضل في السودان.”

أوضاع صعبة في مصر

وأشار ياسر إلى أن “العودة جاءت لأن الأوضاع في مصر لم تكن جيدة. الحياة هنا تعتمد على الإمكانيات، ونحن لم نكن نملك ما يكفي. لا نقول إننا لا نملك شيئًا، لكن الوضع كان صعبًا جدًا من ناحية الإيجار والطعام والشراب. من يملك وضعًا ماديًا جيدًا ويتلقى تحويلات مالية من الخارج يمكنه البقاء، أما من كانت ظروفهم صعبة مثلي، فسيعودون ويحاولون التعايش مع الواقع.”

وبسبب تفاقم الأزمة العالمية في تمويل العمل الإنساني، اضطرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى خفض مستوى الدعم المقدم للاجئين وطالبي اللجوء في مصر، ما ترك عشرات الآلاف، بينهم أعداد كبيرة من السودانيين، يواجهون أوضاعًا معيشية أكثر صعوبة.

لقطار ينقل نحو ألف سوداني من محطة السكة الحديد كل يوم اثنينصورة من: Hassan Mohamed/AFP

عودة طوعية وبكرامة

قال المحامي والمحاضر في مجال اللاجئين، أشرف ميلاد، في تصريح لـ”مهاجر نيوز”، إن عدد اللاجئين السودانيين في مصر غير معروف بدقة بسبب غياب الإحصاءات الرسمية، لكنه قدّر العدد بنحو مليون و300 ألف شخص، مشيرًا إلى أن نحو 300 ألف منهم دخلوا البلاد عبر التهريب من الحدود.

وأضاف أن كثيرًا من اللاجئين قدموا إلى مصر اعتمادًا على إمكاناتهم الذاتية، لكنهم سرعان ما استنزفوا مدخراتهم وأصبحوا في أوضاع معيشية صعبة، ما دفع بعضهم للتفكير في العودة. وأكد أن الأوضاع في الخرطوم لا تزال غير مستقرة، داعيًا إلى ضرورة التنسيق مع الدولة الأم لضمان عودة آمنة وكريمة، مع التشديد على أن تكون العودة طوعية، وألا يُجبر أي لاجئ على العودة قسرًا.

أوضحت عبد الله أن الرحلة تتضمن تقديم وجبة مجانية، مع توفير صندوق إسعافات أولية ومندوبين على متن القطار للتعامل مع أي طارئ. وعند الوصول إلى السد العالي، ينتظر العائدين نحو عشرين حافلة لنقلهم إلى الحدود السودانية المصرية، حيث تتولى حافلات سودانية إيصالهم إلى وجهاتهم النهائية.

وأشارت عبد الله إلى أن كثرة الطلبات تعكس معاناة العديد من الأسر التي تقدمت بطلبات عبر إدارة المسؤولية المجتمعية، إذ يرغب الكثيرون في العودة إلى وطنهم لكنهم ظلوا عالقين دون حلول. ولهذا، صُمم هذا المشروع لتلبية ذلك الاحتياج، مع الإشارة إلى أن قائمة الانتظار تضم حاليًا نحو ثلاثة آلاف سوداني.

المصدر:DW


اكتشاف المزيد من اليراع

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مواضيع مرتبطة

مواضيع حديثة