30.1 C
Khartoum

روايات الهاربين من جنوب كردفان تكشف عن ربط الإغاثة بالتجنيد للجيش وتحول السلاح إلى ثمن للبقاء

Published:

تشهد المنطقة الواقعة بين مدينتي النهود في ولاية غرب كردفان والأبيض في ولاية شمال كردفان تدهورًا إنسانيًا بالغًا، في ظل تصاعد معاناة آلاف النازحين الذين فرّوا من المعارك المستمرة، وسط سيطرة قوات الدعم السريع على المنطقة. الأوضاع الميدانية تعكس حجم الأزمة الإنسانية المتفاقمة، حيث يواجه السكان ظروفًا معيشية قاسية وانعدامًا شبه كامل للخدمات الأساسية.

وفي إفادة لراديو دبنقا، تحدثت نازحة من مدينة النهود تقيم حاليًا في قرية ود سلمان قرب محلية ود بندة، عن تفاصيل فرارها من المدينة برفقة أطفالها، بينما بقي زوجها هناك بعد دخول قوات الدعم السريع. وأشارت إلى أن القوات قامت بنهب سيارتها الخاصة وجميع مدخراتها، مؤكدة أن ما سُرق منها كان ثمرة سنوات من العمل، وأنها اليوم لا تملك شيئًا سوى التفكير في النجاة والبحث عن ملاذ أكثر أمنًا.

النازحة أوضحت أن نحو 95% من سكان مدينة النهود اضطروا إلى مغادرة منازلهم نحو القرى المجاورة، التي تعاني بدورها من غياب تام لمقومات الحياة الأساسية، بما في ذلك الغذاء والرعاية الصحية. وأكدت أن الجوع بات يهدد حياة السكان، وأن من لا يملك المال يواجه خطر الموت جوعًا أو مرضًا، في ظل خلو المراكز الصحية من الأدوية والخدمات الطبية. كما أشارت إلى أن المواد الغذائية شبه معدومة، وإن توفرت فإنها تُباع بأسعار باهظة من قبل قوات الدعم السريع، التي تروج للسلع التي نهبتها من المواطنين.

في سياق متصل، تعاني المنطقة من أزمة مواصلات خانقة، حيث يشهد التنقل بين المدن والقرى صعوبات بالغة وارتفاعًا غير مسبوق في أسعار التذاكر. وتبلغ تكلفة الانتقال من ضواحي النهود إلى الأبيض أو أم درمان ما بين 500 ألف إلى مليون جنيه سوداني، وذلك حسب عدد أفراد الأسرة والمسافة المقطوعة. ويضطر السكان إلى استخدام عربات “الكارو” للتنقل بين القرى، بينما يعتمدون على شاحنات كبيرة من طراز “زد واي” و”كي واي” في الرحلات الطويلة، وهي ذات الشاحنات التي تُستخدم عادة لنقل المواشي. وقد وصفت الأوضاع بأنها غير آدمية، ما يعكس حجم الانهيار في البنية التحتية والخدمات الأساسية في المنطقة.

وفي جنوب كردفان، تشهد مدينة كادقلي موجة نزوح واسعة نحو مناطق سيطرة الحركة الشعبية جنوب شرق المدينة، عقب الأحداث الأخيرة التي شهدتها المدينة. وأفاد ناشطون في مجال العمل الطوعي بأن أعدادًا كبيرة من الأفراد والأسر غادرت المدينة، خاصة من فئة الشباب، الذين اتجهوا نحو مناطق التعدين في محافظة البرام بحثًا عن الأمان وسبل العيش. ووصف الناشطون الوضع هناك بأنه كارثي، مشيرين إلى أن الشباب فقدوا القدرة على الحلم، في ظل إغلاق المدارس وانهيار الوضع الإنساني، حيث بات الشارع تحت سيطرة السلاح، ولا صوت يعلو فوق صوت التجنيد القسري، ولا خيار متاح سوى الانضمام إلى المعركة أو الفرار منها.

تشهد ولاية جنوب كردفان موجة متصاعدة من الهروب الجماعي لمجندين شباب من مدينة كادقلي، في ظل ظروف أمنية ومعيشية متدهورة، وواقع قسري دفعهم إلى الفرار نحو مناطق سيطرة الحركة الشعبية عبر طرق وعرة وغير آمنة. هذه الروايات، التي نقلها عدد من الفارين، تكشف عن نمط ممنهج من التجنيد القسري، حيث يُربط الحصول على المساعدات الغذائية بإجبار أفراد الأسر على الانضمام إلى صفوف الجيش، في مقابل رواتب زهيدة وكمية محدودة من المواد الغذائية الأساسية.

محمد سيد، شاب يبلغ من العمر 21 عامًا، فرّ برفقة سبعة آخرين من كادقلي إلى إحدى القرى الواقعة تحت سيطرة الحركة الشعبية، ليجد نفسه في بيئة غريبة لا يملك فيها قوت يومه. وأوضح أن الخيارات المتاحة أمام شباب المدينة باتت محصورة بين التجنيد أو الموت، في ظل غياب التعليم والخدمات، وتحول الحياة اليومية إلى صراع من أجل البقاء.

التجاني محمد رقيق، شاب آخر من جنوب كردفان، فقد مدرسته بعد اندلاع النزاع، ثم جرى تجنيده قسرًا في صفوف الجيش، حيث أفاد بأن السلطات ربطت توزيع المواد الإغاثية بتجنيد ثلاثة إلى أربعة أفراد من كل أسرة، مقابل راتب شهري لا يتجاوز 120 ألف جنيه سوداني وعدد محدود من جوالات الذرة. التحق بالجيش في يوليو 2024، وتخرج في منتصف 2025 ضمن مجموعة من 15 شابًا، قبل أن يُرسل إلى منطقة الكيقا الخيل شمال كادقلي، حيث شارك في المعارك وتم أسره لاحقًا. وصف التجاني التجربة بأنها “حبس إجباري”، لا اختيار فيه ولا كرامة، حيث أصبح حمل السلاح هو الثمن الوحيد للبقاء.

علي محمد علي ضحية، أحد الهاربين أيضًا، تحدث عن تجنيده في وحدة الاستخبارات، حيث كانت مهامه تقتصر على جمع المعلومات، إحضار أشخاص مجهولين، أو رصد مشاهدات لا يفهم غايتها. وأكد أن رفض تنفيذ الأوامر كان يُقابل بالضرب، بينما الصمت يُعد مشاركة في الانتهاكات، ما دفعه إلى الهروب نحو مناطق الحركة الشعبية.

هؤلاء الشباب يمثلون شريحة واسعة من أبناء كادقلي وجنوب كردفان، جيل حُرم من التعليم، دُفع إلى ساحات القتال، ثم وجد نفسه في مناطق محررة تفتقر إلى الخدمات والوظائف والمدارس، لكنها رغم ذلك تُعد أكثر أمنًا من المدينة التي سقطت في دوامة القهر والتجنيد القسري.

وفي ظل هذا الواقع، أُطلقت مبادرة مدنية جديدة تحت اسم “سنبلة الدلنج”، تقودها الناشطة الدكتورة حنان أبوالكل، بهدف إنقاذ السكان المحاصرين في مدينة الدلنج منذ أكثر من عام. المبادرة دعت إلى تحرك عاجل لمعالجة الأزمة الإنسانية، مؤكدة أن المدينة تعيش عزلة خانقة بسبب الحرب، وسط نقص حاد في الغذاء والدواء وارتفاع معدلات النزوح والهزال بين الأطفال.

وتضمنت المبادرة مقترحات عملية، أبرزها الإسقاط الجوي للمواد الغذائية والطبية كحل إسعافي فوري، واستنفار الجهود لزراعة الأراضي المحيطة بالمدينة لتعزيز الأمن الغذائي، إلى جانب تنسيق الجهود بين المجتمع المدني والمنظمات الدولية لتسهيل الوصول الإنساني وإزالة العوائق. الدكتورة حنان أكدت أن الوضع تجاوز مرحلة التحذير، وأن إنقاذ سكان الدلنج يجب أن يكون أولوية إنسانية عاجلة، في ظل تصاعد نداءات المجتمع المحلي ومكونات العمل المدني لإيصال المساعدات ووقف الانهيار الإنساني المتسارع.

المصدر : راديو دبنقا


اكتشاف المزيد من اليراع

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مواضيع مرتبطة

مواضيع حديثة